سينما

بدر الأستاد: في “سبع سجناء” هل نحن أحرار؟!

بدر الأستاد★

من الممكن محاربة الأفكار، لكن من الصعب القضاء عليها، فالأفكار تظل في الذاكرة، وأحيانا تتوالد، هذا ما شاهدناه بالفعل في فيلم”سبع سجناء” للكاتب والمخرج أليكسندر موراتو، حيث يثبت فيلمه أن العبودية التي نعتقد أحياناً أنها لم تعد موجودة، مازالت بيننا، بل وتتضخم، أما الحرية فهي مجرد كلمة نتداولها؛ لنقنع أنفسنا بها.

يناقش الفيلم هذه الفكرة؛ ولكن بشكل جديد، من خلال شخصية “ماتيوس” الذي ينتقل هو ومجموعة من الشباب الفقير، من الأرياف إلى المدينة من أجل فرصة للعمل، لإعالة أسرته، لكنه فجأة يجد نفسه محاصراً بسبب السيد لوكا، الذي يريد زرع فكرة العبودية، عبر تأهيل ماتيوس؛ ليكون السيد على زملائه؛ بعد أن كانوا يظنون بأنه سيكون منقذهم.

صراع الذات!

صراع الإنسان مع ذاته، أهم ما يقدمه الفيلم، حيث يتمثل ذلك في تحول الشخصيات خلال الأحداث، فنجد ماتيوس، يعاني في صراعه مع العبودية، ورغبته بالتحرر، وفي المقابل شعوره بالمسؤولية تجاه زملائه، وتجاه أسرته، ومن ثَمَّ شعوره بلذة السلطة، وانغماسه في مغريات الحياة التي يوفرها له السيد لوكا، كل ذلك في إطار من التشويق، وتسليط الضوء على معاناة الطبقة الكادحة.

في السابق كانت فكرة العبودية تُناقش من خلال عبد لا دور له في الحياة، أما في فيلم “سبع سجناء” فعلى العكس تماماً، حيث للعبد دور في السيطرة على الآخرين، وفي الوقت ذاته يحاول السادة إقناع العبيد بأن لهم دوراً فعّالاً في المجتمع، ويساهمون في تطوير إنتاجية البلد، فمثلاً وجدنا (لوكا) يهتم بعلاج أحد السجناء/العبيد، ويُحضر له الدواء خوفاً على كمية الإنتاج اليومي، يتأكد ذلك أيضاً من خلال مشهد آخر، عبر حوار لوكا، مع ماتيوس، في السيارة، حين وضَّح له بأن عمله في الورشة؛ ساهم في بناء وتطور المدينة، كما أشار الفيلم كثيراً إلى دور العبد في الدول الرأسمالية، بصورة خطيرة، تَجَسَّد ذلك من خلال مشهد قيام لوكا، باختيار النساء في معمل الخياطة؛ لتسليمهم – بمعاونة ماتيوس- إلى سلطة رأسمالية أخرى، مقابل المال!

عبثية الحياة

تجلت في الفيلم عبثية الحياة، سواء من خلال فكرة اللاتواصل مع العالم الخارجي، أو من خلال الإحساس باليأس، والذي كان مسيطراً على مشاعر السجناء/العبيد، خاصة بعد محاولتهم الهروب، واسترجاعهم من قبل رجال الشرطة المتعاونين مع لوكا. 

يتفاقم الاحساس باليأس حين يصرخ أحد السجناء بحرقة بعد أن أرسل لوكا، الشرطة إلى والدة السجين؛ لتعذيبها عقاباً لتمرد ابنها، فصوّر المخرج صرخة السجين من داخل غرفته، وفي الوقت ذاته صوَّر شوارع المدينة الخالية، للتأكيد على أن صراخه بحرقة لم ولن يسمعه أحد، وأن السجناء في حالة عزلة كاملة عن العالم الخارجي.

بالإضافة إلى ما سبق، تأكدت عبثية الحياة من خلال دائرية الحدث، والإشارة بصورة مباشرة للانهائيته، والتي تبينت منذ منتصف الفيلم، بدخول شخصيات جديدة إلى الورشة، وعند حضور سيد جديد للورشة، فكانت النهاية ذاتها البداية.

أيضاً تتأكد العبثية من خلال المفارقات؛ التي تعبر عن اللامنطق، حين ذهب لوكا، وماتيوس، إلى منزل السياسي المرشح للبرلمان، حيث نجد صورة المرشح مزينة بشعارات الحرية، كما عبر عن رغبته بمستقبل حر وباهر لأبنائه ولجميع الأطفال، وهو في الأساس يتاجر بهؤلاء البشر!

اِستعباد بلا نمطية!

أجمل ما في الفيلم قدرته على استفزاز المتلقي، من خلال الأفكار التي يقدمها، والتساؤلات التي يطرحها، وما يسببه من رغبة في البحث والتفكير، فالكاتب ناقش فكرة مهمة، وهي العبودية؛ ولكن من خلال الزمن الحالي، فهو لم يستخدم الأسلوب النمطي عبر استعباد أصحاب البشرة السوداء فقط، حيث كانت الشخصيات المستعبدة (المساجين) من جميع الجنسيات والألوان، بل إن اختيار تلك الألوان لم يأت عبثاً؛ وكأنه يريد القول بأننا جميعاً كهؤلاء المساجين.

 وللبعد عن الصورة النمطية، لم يصور الفيلم السيد لوكا، بطريقة شريرة، بل قدمه بشكل إنساني أثناء علاقته بماتيوس، والوقت الذي يقضيه في مشاهدة المساجين، وهم يلعبون كرة القدم؛ كما لم يقدمه بشكله النمطي المعتاد في الأفلام، عبر شخصية الرجل ذي الملامح الحادة، إنما صوره كإنسان لطيف في بعض الأحيان، خاصة في مشهد زيارته لوالدته.

الفيلم لم يستفز الأسئلة المتعلقة بحرية الإنسان فقط، بل يجعل المتلقي يتساءل ما إذا كان يشبه شخصية (لوكا) أم شخصية (ماتيوس)!؟ أم أن السيد والعبد، كلاهما وجهان لعملة واحدة!؟


★ناقد_الكويت.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى