ريم ياسين: في “صلة رحم ” هل يمكن أن نغير مسار القدر؟!
ريم ياسين ★
ضمن السباق الرمضاني؛ تابعنا مسلسل “صلة رحم “، أحد الأعمال التي حازت على إعجاب الجماهير، وتصدرت مواقع البحث في المنصات الإلكترونية في النصف الأول من الشهر، خاصة منصة شاهد تحت قائمة المسلسلات القصيرة، من إخراج تامر نادي، وكريم مدحت، وتأليف محمد هشام عبية، وبطولة إياد نصار، ويسرا اللوزي، وأسماء أبو اليزيد، ومحمد جمعة، ومجموعة من الفنانين الآخرين.
قضية تثير الجدل!
تدور أحداث المسلسل حول “حسام” طبيب التخدير، الذي تتخلى عنه زوجته الأجنبية، وتأخذ منه ولده آدم، ليتزوج من طبيبته النفسية “ليلى”؛ التي كانت على وشك الإنجاب، ولكن يصدمه القدر بفقدها لابنه واستئصال رحمها، مما يدفعه إلى استئجار رحم فتاة من طبقة بسيطة، لتحقق له حلمه في إنجاب طفل يحمل اسمه، وهذا ما جعل المسلسل أكثر جرأة؛ لتسليط الضوء على هذه الإشكالية بكل هذه التفاصيل، والتي تدخل تحت مفهوم علم البيوطيقا، الذي يهتم بدراسة الموضوعات، والحالات الطبية المستعصية، وعلى الأغلب لم يناقشه عمل درامي سابقاً، وهذا ما جسده إياد نصار في شخصية الطبيب؛ الذي تأثر بالثقافة الأوروبية في حياته ، ووضح ذلك في ملابسه؛ فيظهر في ملابس شبابية أصغر من عمره، لا تتلاءم مع عمله كطبيب، يكون شاغله الشاغل تعويض ابنه المسلوب منه، بشتى الطرق حتى المخالفة شرعاً وقانوناً، ليبرز هذا الخط الدرامي عدة صفات، منها الأنانية، و استغلال مشاعر حب من حوله، سواء زوجته، أو حبيبته السابقة، و تركزت تلك الصفة بشكل كبير؛ حول تعامله مع حنان “الأم المستأجرة” حيث كان يلبي جميع احتياجاتها، ويحميها ويحافظ عليها فقط؛ لتحقيق مراده، مع عدم الاهتمام لما يمكن أن تحمله من مشاعر في هذا الموقف الحرج؛ الذي وضعتها الظروف به، وكل هذا يكون منطقي للمتلقي ، لأنه أخذ عنه خلفية المريض النفسي في السياق الدرامي للشخصية، وما تحمله من نوبات غضب في بعض المواقف، مثل هجومه على مزور البطاقة، أو قتله لفرج_ زوج حنان سابقاً_ بسبب تصوره في خياله، وإنكاره لأخطائه؛ فدائماً كان يظهر في دور الضحية، بينما الآخرون “شماعة” يعلِّق عليها كل مأزق يقع به ، و لكن يترك لنا سؤالاً هل كان اجتيازه لتلك المخاطرة؛ هو حبه الصادق لـ” ليلى” أم تعويضٌ لرغبته في “آدم”؟
ذكاء المؤلف
بجانب الفكرة الرئيسية للمسلسل، هناك عدة قضايا ثانوية، وهنا ذكاء المؤلف في إثارة ذهن المشاهد، والتشتت في التعاطف مع أصحاب العمل، فيظهر دكتور “خالد” الذي يقوم بإجراء عمليات إجهاض للفتيات، حفاظاً على شرفهن بعد وقوعهن في الخطيئة، ورغم معارضة “حسام” له في البداية أن ما يفعله جريمة، إلا أنه يلجأ له لإجراء عملية الحقن المجهري لـ “حنان”، ويكون اقتناع “خالد” التام بعد القبض عليه، أنه انقذ حياة هؤلاء الفتيات من إمكانية قتل الأهل لهن، ولو أنه قتل جنيناً مرة، فتركه للفتاة يعني أنها تموت في نظر المجتمع ١٠٠مرة، وتساعده في ذلك “سهام” الممرضة؛ التي تعمل نهاراً في المشفى، وليلاً في عيادة الدكتور”خالد”؛ لتساعد أسرتها المكونة من ٣ أطفال ترعاهم، بجانب مساعدتها لزوجها في الدخل لحياتهم، ولكن هذا يتعارض مع مبادئ زوجها الشيخ “جابر”؛ ذلك الرجل المتدين ، ليبرز تعارض ظروف المجتمع مع الدين، وعلى الرغم من معرفة “سهام” بخطورة ما تفعل؛ إلا أنها لا ترى حلاً آخر في ظروف المعيشة، وبجانب هذا يوضح قضية أخرى، وهي الخيانة ليظهر”زياد” المحامي شقيق “ليلى”؛ الذي يسعى دائماً إلى انتقاد “حسام” على أفعاله، و يمثل النقطة المحورية في المسلسل؛ التي تعرف من خلالها “ليلى” ما يفعله “حسام”، ويسبب فترة من الانفصال المؤقت بينهما، وتبعاً لوظيفته كرجل قضاء، وانشغاله الدائم عن زوجته “ناريمان” تقع في فخ الخيانة ، وعند مواجهتها لزوجها يكون سبب انشغاله عنها، وغيابه الطويل عن البيت هو مبررها، كل ذلك يجعلنا نتساءل : هل الشخصيات كلها يمكن أن تنقسم إلى جانٍ، ومجني عليه، أم إلى الاثنين معاً؟
أسماء ويسرا ..كيف تعاملتا مع الدور ؟
كما كانت الملابس تعبر بشكل كبير عن الشخصية، فشخصية “حنان” أدتها ( أسماء أبو اليزيد،) تلك الفتاة الريفية؛ التي تجبرها ظروف الحياة على الزواج من “فرج” والتي تعاني معه من مساوئ معاملته لها في حياتها الزوجية، ليدفعها للهرب، وإجهاض الجنين، لقطع أي صلة تربطها به، بجانب رفعها لقضية خلع، وتكون لصالحها، وبعودة “فرج” للبحث عنها، يكون عرض “حسام” هو ملجأها الوحيد؛ لعدم الرجوع لذلك الماضي المؤلم، حيث برعت “أبو اليزيد” في هذا الدور، حين التزامت بتلك اللهجة الريفية طوال المسلسل، بجانب أنها في البداية تظهر بملابس واسعة ومحتشمة غير متناسقة الألوان؛ على عكس بداية وجودها مع “حسام” حيث بدأت بارتداء ملابس تميل إلى الملابس المعاصرة، وتكون طباعها هذه الفتاة الصبورة على قدرها، والمتسامحة، والمساعدة لمن حولها، ورغم أنها في بعض الأوقات كانت تنجذب لـ “حسام”، إلا أنه كان يوقفها فوراً، ويذكرها بالاتفاق بينهما، ولكن في النهاية بدت عليها ملامح التعلق بالطفل رويداً رويداً، وأن لها الحق به أكثر من والدته، ولكن كانت توقفها تلك الصفات الطيبة في شخصية “ليلى” الدكتورة النفسية؛ التي تزوجت من “حسام” هذا المريض لديها، رغم معارضة أهلها، ووصفها له أنه “كتاب مفتوح” بالنسبة لها، ولكن تصدم بالواقع الذي يجعل “حسام” السبب في فقد ابنها، حيث كان في حالة من اللاوعي بعد قضائه وقتاً مع حبيبته السابقة، ولم تقف الصدمة هنا، بل كان هناك شعور من اهتزاز الثقة، والشك بعد معرفتها، باستئجار الرحم، والتي مثلت للشخصية نقطة تحول، مما دفعها لحالة اللامبالاة، خاصة بعد دخول “يوسف” حياتها، المخالف لحياتنا تماماً، و ظهر هذا التغيير بشكل كبير، في تحول ملابسها من الرسمية إلى الشبابية، ودخولها إلى هذا العالم الصاخب والمزدحم، لينتهي بها الحال إلى بداية تحولها لمدمنة، ولحسن حظها؛ اِستطاع والدها إنقاذها، لتعود إلى رصدها مع موافقتها على إنجاب الطفل من الام المستأجرة، ولكن هل سارت الأمور بهذا الهدوء.
تقنيات إخراجية متقنة
اِعتمد المسلسل على الإيقاع الدرامي السريع للأحداث، وإضفاء هذا النوع من الإثارة في نهاية كل حلقة، لدفع المُشاهد إلى استمرار المتابعة، وساعد على ذلك تداخل، وترابط العناصر، فكان الديكور ملائماً، وواقعياً للحدث المعروض، كما وجد نوعاً من الدعاية غير المباشرة للعاصمة الإدارية الجديدة، فمعظم المشاهد كانت في مستشفى اليسر، أو أماكن العاصمة المتواجدة هناك، وأيضا ساعد على إيصال الحالة الدرامية؛ الإضاءة التي كانت خافتة إلى حد ما، واعتمدت في التصوير على الليل الخارجي، وتنوعت اللقطات، ولكن كثرت القريبة والقريبة جداً بشكل كبير؛ للتركيز على ملامح الوجه الخاصة بالممثلين، مثل تركيز اللقطة “بروفايل” على “حسام” لإبراز الحالة “السيكولوجية” الخاصة به.
نهاية مأساوية
على الرغم من أن موضوع المسلسل؛ يمثل قضية غير منتشرة في العالم العربي، ولكن برز رأي الدين فيه، وكان ذلك في الحلقات الاولى، لإحداث نوعٍ من التوعية لدينا بما يرسله المجتمع الغربي، ولا يتناسب شرعاً وقانوناً مع عالمنا العربي والإسلامي، ولإبراز رسالة أن تلك الروح في الأرحام آتية من عند الله، وذاهبة إليه، كانت نهاية “حسام” رغم تحديه لكل الظروف، هي الموت بمجرد ولادة طفله، وأن الأمر في البداية والنهاية لله وحده على كافة النواحي، تخلل المشهد هذا الخط الوهمي بين نظرات الصراع بين كلٍ من “يسرا اللوزي”، و “أسماء أبو اليزيد”، يتوسطهما الطفل، لتبقى النهاية مفتوحة ، تاركة السؤال لذهن المُشاهد: هل يكون الطفل للتي تحمل الحق قانوناً، و مشاعر الأمومة في داخلها، أم التي هيأت رحمها لحمله بداخلها؟
★طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.