سينما

رؤى العنزي: ” About Time”..لو منحت فرصة أخرى.. هل ستغير واقعك؟

رؤى العنزي ★

إعادة الزمن، تغيير الأحداث، تسيير الحياة بالطريقة التي نريدها، هو حلم مستحيل، ورغبة كبيرة لدى أغلبنا.
تخيل أنك تستطيع تغيير حدث سيء، أو وضع نهاية مرضية لقصة مزعجة حدثت معك، تخيل أن تكون قادراً على السفر عبر الزمن، وكتابة قصة حياتك بما يرضيك.
هذا الحلم شغل الكثير من البشر/ وظهر عبر الكثير من الأعمال الفنية، وأغلبها كانت خيالية، فلا أحد فعلاً – وإن كنا نستطيع القول “حتى الآن “- يستطيع السفر عبر الزمن.


فإن تمعنا قليلاً في الأمر، نجد أن أغلبنا يسافر يومياً في مخيلته، إما نهاراً، وإما ليلاً قبل النوم، إما لتغيير نهاية قصة مزعجة -وبالتالي يشعر بالرضى المسكن لألمه-، وإما ليعيش قصة مستحيلة في الواقع، وهذا السفر يكاد يكون حقيقياً، ففي الواقع كل ما يحركنا، هو الدماغ؛ الدماغ الذي تتم فيه كل الأمور.. الواقعية والتخيلية.
هذا هو الأمر الذي اعتمد عليه ريشتارد كورتيس كاتب ومخرج فيلم About Time الذي تم إنتاجه عام 2013. 
فيلم يجمع بين الدراما، الرومانسية، الخيال، والكوميديا، من خلال مناقشته لموضوع مهم وهو أن كل ما يحدث لنا في الواقع هو نتيجة لما نختاره، ورغم بعض النتائج السيئة لاختياراتنا لا يجب أن نستسلم، حيث يبدأ الفيلم في يوم ميلاد الشاب تيم  (Domhnall Gleeson) الواحد والعشرين، عندما يخبره والده بأن رجال هذه العائلة يمتلكون سراً خاصاً بهم وهو القدرة على السفر عبر الزمن، حيث قام بعضهم باستغلال هذه القدرة لجمع المال، وبعضهم الآخر مارس هواياته إلى أقصى حد.


الفيلم وفقاً لموضوعه الرئيسي يتحدث عن الثيمات الأساسية في حياة كل إنسان والتي يسعى الجميع للحصول عليها في حياتهم، كالمال، السعادة، العائلة، النجاح، الحب…إلخ
بالنسبة لتيم كل ما كان يشغله في ذاك الوقت هو الحب، لذا فإن أول ما يحاول تجربته هو العودة بالزمن ليثير إعجاب صديقته؛ لكن بعد عدة محاولات وسيناريوهات لنفس المشهد يدرك (كأول مفهوم) أنه لا يستطيع أن يغير رأي شخص ما فيه.
فيما بعد يلتقي تيم بماري في أحد المطاعم ويعجب بها. يتعرض صديقه لمشكلة في نفس اليوم، فيحاول استخدام قدرته بالعودة عبر الزمن من أجل إنقاذه، لكنه عندما يعود إلى الحاضر يكتشف أنه فقد فرصته في التواجد مع حبيبته بسبب تغيريه للماضي، حيث أن تعارفهما معاً لم يحدث بالأصل، وهنا نصل (للمفهوم الثاني) بأن ما يقوم تيم بتغييره في الماضي يؤثر على أحداث الحاضر وعندها يحاول استخدام قدرته عدة مرات لتصحيح تلك العلاقة إلى أن ينجح الأمر ويرتبط بها.
بعد زواجه منها، يرزق بطفلة، وبعد فترة تتعرض أخته لحادث مروع، وتتغير حياتها للأسوأ، لذلك يعود إلى الماضي ويساعدها على تحسين حياتها باختيار خيارات جيدة بدلاً من خياراتها التي أوصلتها للحادث، لكنه يكتشف عندما يعود للحاضر أن ابنته لم تولد بل أصبحت طفلاً آخر، وهنا يدرك أنه لا يمكنه أن يغير حياة شخص ما من خلال تغيير ماضيه، ولا يستطيع حماية من يحبهم من مشاكل الحياة، فكل ما يصل إليه الإنسان يعتمد على اختياراته تبعاً لمفهوم (أثر الفراشة) فأي اختيار طفيف يسبب تغييراً كبيراً في النتيجة، وهنا نجد (المفهوم الثالث).


لذلك يعود تيم للماضي ويضطر لإعادة كل شيء كما كان، وبالتالي يسمح بحدوث الانهيار في حياة أخته كي تولد ابنته ذاتها، ويضطر لأن يجعل أخته تتحمل مسؤولية نتائج اختياراتها، كما أنه يحاول أن يساعدها في مواجهة مشاكلها وحلها، كما نفعل دائماً.
يعلم تيم أن والده مصاب بسرطان الرئة، وأن الزمن لا يمكنه تغيير ذلك، ولا تغيير عادة التدخين لديه، لأن أي تغيير يحدث سيغير أحداث كثيرة في حياتهم، وهنا تخبره زوجته بأنها تريد طفلاً آخر، لذا سيكون على تيم أن يقرر قراراً مهماً، إما إنجاب طفل جديد وبالتالي الاستمرار في الحياة ومعرفة المستقبل، وإما العودة دائماً إلى الماضي ورفض أي تغيير جديد كي لا يفقد والده.
يختار تيم أن تستمر الحياة، ويقوم بآخر جولة مع والده بالعودة إلى الماضي في مختلف لحظات حياتهما معاً، وينصحه والده بأن يعيش اليوم مرتين، مرة بكل ضغوطات الحياة، ومرة وهو يحاول أن يستمتع بالحياة رغم الضغوطات وأن ينبته للتفاصيل الصغيرة والجميلة التي تمر دون أن يشعر بها بسبب الضغوط، وهنا نجد أن صناع العمل يقدمون لنا مفهوماً بسيطاً لتحقيق السعادة الواقعية. 

رغم أن الفيلم يحتوي على عنصر الخيال من خلال قصته، ويدعم فكرة العودة للماضي من خلال الألوان التي تقترب من أجواء اللون البني، كمن يشاهد فيلماً من الستينات، بصور مريحة للنظر وسلسة، إلا أنه يشعرنا أثناء المشاهدة بأنه واقعي جداً، حيث تم تقديم فكرة الخيال عن طريق إغماض العينين، لا سحر، ولا مصباح سحري، مجرد أن يغمض تيم عينيه داخل خزانة ويعود فوراً إلى الماضي، هذا الأمر واقعي رغم استحالته، ألا نغمض عيوننا ونتخيل شيئاً نريد حدوثه في حياتنا؟ ألا نعيش الخيال في رؤوسنا كأننا موجودين فيه فعلاً؟ هذا هو الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال في الفيلم والذي هو بالأصل يحدث في واقعنا.  فالبطل تيم، هو راوي لهذا الفيلم، يروي القصة، ويتواصل مع المتلقي، بدلالة واضحة على وعي فكرة كشف اللعبة بين الفيلم والمتلقي، ورغم أن تيم يقوم بروي قصة وبالتالي عنصر الخيال مسموح، إلا أنه يعيش الأحداث والنتائج بشكل تسلسلي مع المتلقي. 
وبما أننا جميعاً نتمنى العودة للماضي لنغير الأحداث، فالفيلم هنا سمح لنا أن نعود ونغير الأحداث، لكن نرى مع تيم أن التغيير حتى وإن حدث، فالمصير المكتوب سيحدث، واختياراتنا حتى إن كانت خاطئة في بعض الأوقات، لكنها كانت مناسبة أثناء اختيارنا لها، وهو أمر حدث ومضى، ولولا الاختيارات الخاطئة، لن نرى في حياتنا، أحداثاً، دراما، تعلماً، تصعيداً وسكوناً، سنرى فقط خطاً مستقيماً مملاً.


الفيلم واقعي بلمحة خيال ومليء بتفاصيل المشاعر الداخلية التي نحس بها وحدنا دون أن نعرف كيف نشرحها لمن حولنا، ولا نستطيع جعلهم يشعرون مثلنا، هذا الفيلم استطاع أن يفعل ذلك، فالفيلم لا يتحدث عن قصة معينة وتفاصيل شخصية، وإنما يتحدث عن تفاصيل المشاعر، عن المرض، العائلة، الخوف من الفقدان، والحب، وهو الأمر الذي عززته البطلة الأنجح والأقوى لتنفيذ هكذا تفاصيل للمشاعر (Rachel Mcadams).
في قصة حب تيم لماري، استعان تيم بقدرته على العودة عبر الزمن ليجرب عدة خيارات إلا أن يصل للخيار الأفضل في هذه العلاقة، لكن ما كان ليصل إلى النتيجة الصحيحة دون التجربة، في الواقع نحن نعيش هذه التجارب، لكن مع أشخاص مختلفين، ولن نستطع الوصول للخيار الأفضل دون المرور بتجارب سابقة نتعلم منها حقيقة الخيار الأفضل. 
يقول تيم: إننا في بعض الأحيان نتمنى لو أن يوماً محدداً يبقى طيلة العمر، وأحياناً نتمنى لو أن يوماً محدداً ينتهي بسرعة، لكن… كيف سنقوم بتقدير اليوم الجميل إن لم نتعرف على ضده، كيف كانت أخت تيم ستصل للخيار الأفضل وكيف كانت ستقدر السعادة التي حصلت عليها في النهاية، لو أنها لم تخض تجارب سابقة؟  
والد تيم قال: إننا لا نستطيع إصلاح كل شيء دون عواقب، يوجد نتيجة لكل شيء، وأحياناً لنحصل على شيء جيد ربما سنخسر شيئاً آخر، والخسارة لا تعني الألم فقط، وإنما تعني التعلم، التطور وتقدير الاختيارات الصحيحة.
نجد أن والد تيم يطلب منه أن يستخدم قدرته كي يستطيع عيش حياته كما يحب أن تكون، لكن تيم لم يستطع استخدام قدرته دون عواقب، فقد اضطر أن يختار كل مرة بين رغبته المرتبطة بالعواقب وبين الأحداث الواقعية، حتى نحن يمكن لنا أن نعيش حياتنا كما نريدها أن تكون دون ميزة العودة للزمن الماضي، فمن الطبيعي والضروري وجود العقبات والأمور التي نكرهها في بعض الأحيان. 
وكي نستطيع المضي قدماً والعيش والتعرف على المستقبل، لابد أن نعيش الحاضر، ونترك الماضي، وهو الأمر الذي اختاره تيم في نهاية الفيلم، إذ سمح للماضي أن يذهب، كي يستطيع رؤية المستقبل والمضي قدماً. 
الخوف هو الأمر الذي يحول أحياناً دون تطورنا، الخوف من عدم معرفة المستقبل، النتائج، ردود الفعل، الفشل أو النجاح، هذا الخوف يجعلنا نفقد الثقة بأنفسنا، لكن تخيلوا لو أننا نعرف النتائج قبل أن نعيش الحدث، بالتأكيد سنتحلى بالثقة. هذه هي القدرة التي كانت بين يدي تيم، الثقة بأنه سينجح في محاولاته، وهو الأمر الذي يضيئه الفيلم لنا، بأننا نملك هذه القدرة وأن الثقة بين أيدينا إن أردنا ذلك.
معرفتي بالكثير مما يمر به أصدقائي، عائلتي وجميعنا، هو ما دفعني لكتابة مقال عن هذا الفيلم، لأنصح به كمحفز إيجابي لرؤية التفاصيل الجميلة التي نعيشها كل يوم ولكن تتيه عنا في زحمة الاعتياد، ولألقي الضوء على الفيلم بعد عرضه بإحدى عشر سنة، فرغم مرور وقت كبير، إلا أن هذا الفيلم يحمل أثراً كبيراً كل وقت، ويقدم فكرة نحتاج لسماعها وتذكرها في محطات مختلفة من حياتنا، وأراه حافزاً كبيراً لرؤية كل ما هو جميل في حياة خالية من الخيال عندما يصطادنا اليأس.
كما يقول تيم: حاول أن تعيش حياتك كما لو أنه آخر يوم لك، في حياتك العادية الاستثنائية. 


طالبة دراسات مسرحية-سوريا.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى