مسرح

علاء الجابر: حتى في”بيت روز”.. لا مكان آمن للنساء.

علاء الجابر ★

أسعد كثيراً حين يقود الشباب العمل بالكامل، دون الاتكاء على نجم شباك، حتى لو كان من الصف الثالث، فما بالك بأن يتصدى للعمل خمس فتيات في عمر الزهور، لا ليعبّرن عن مأساة المرأة في عالم معاصر يموج بالعنف والقسوة والاضطرابات النفسية فحسب، بل لـ (يفرشن الملاية) كما يُقال في مصر، لكل من يتمترس بالأخلاق حجة، لنيل مبتغاه بطرائق ملتوية.

سماح سليم ومنار حسن

لعبة النص.. أزمة تلد أخرى!
عرض (بيت روز)، الذي يعتمد أساساً على (النص)، عرضٌ مُلَغَّم بكثير من الحكايات، التي تعني المرأة، وتعاني منها في الوقت ذاته، والتي استلها المؤلف محمود جمال الحديني من تفاصيل الحياة اليومية بذكاء شديد، وقام بغزلها بعمق، فأصبحت كل أزمة تلد أخرى، وتكبر بالتدريج إلى أن بات يصعب إزاحتها، لتسد مجرى الحياة، وتُضَيِّقُ علينا حتى أنفاسنا.
نحن أمام مجموعة من النساء يتظاهرن بالفرح والسعادة، وتبادل الدعابات والهِزار، إلا أن كل واحدة منهم، تحمل على كاهلها عبء السنين.
هن ودون أن يعلمن، أو يشعرن أنهن يقمن بدورين في آن واحد، دور الضحية/الجلاد – الجاني/المجني عليه، فنجدهن يشتكين من قسوة الزمن والأهل والرجال، فيما يقسين على بعضهن أحياناً، وهن في الحقيقة، مشاركات أيضاً في صنع مصائرهن، بخضوعهن حيناً، واستسلامهن أحياناً ، وتبريراتهن حين يعجزن عن تحقيق أمنياتهن.
كلهن مهشمات، مكسورات، مهانات بطريقة أو بأخرى، أو في أضعف الأحوال، مجروحات من الداخل، بخدوش تركت شظايا نابتة في جوف القلب.

عالم مزيف
حتى صاحبة البسمة الدائمة، سيدة “الهِزار”، ومركز السعادة، التي أدت دورها (سماح سليم)، والتي تعطينا يقيناً منذ اللحظة الأولى بأننا أمام أمرأة لا تحمل أي هم، سعيدة بزوجها وأولادها، تفاجئنا بصورتها المغايرة ما إن تغوص بقية الشخصيات بثقل الأحزان، حتى نجدها لا تختلف عنهن، بل قد تكون الأسوأ بينهن، كون الظاهر يعكس ما هو مخالف للواقع، حتى النكتة والفرح، اللذين تنشرهما بينهن، ماهو إلا وسيلة خادعة للهروب من عالمها القاتم، الذي لا يبدو أن هناك حَلّاً له يلوح في الأفق، وهكذا مع الأخريات، اللواتي يصنعن عالماً مزيفاً يُدارين فيه إحباطاتهن المستمرة.

سماح سليم

كما ثور الساقية
تَعَمَّدَ المخرج (الحديني) العمل على دائرية الحكاية، ودائرية الشكل، الحكاية تبدأ بنفس الهم، وتنتهي به دون أن يكون له حَلّ، مثله مثل دائرة الحياة، التي تطحن تلك النفوس، وتطحننا معها.
كما أن هذا الدوران الذي يظل يدور بالأرض (الخشبة) من تحتهن، والأشبه بالآلة، التي يرتبط بها ثور الساقية، ليخبرهن بأنهن سيبقين هكذا يدرن حول الساقية، دون أن يصلن أبداً. يؤكد ذلك وجود شريط فيلم (الباب المفتوح)، الذي يحيط بهن من كل جانب، ليؤكد بأنه ما من جديد سيحدث لهن، مثلهن مثل بطلة الفيلم، التي ظلت مستسلمة لسلطة القهرالاجتماعي.
جلسة الفتيات التي احتلت نصف المسرح، وإن شكلَّت نوعاً من التواصل الحميمي بين الجمهور، إلا أن ما يعيبها أنها لم تكسر (بعض) الملل، بأي نوع من الحركة للفتيات الأربعة، خارج نطاق الطاولة المستديرة، إلا بشكل طفيف، حتى الفتاة الخامسة خارج الطاولة ،مريم( الجرسونة)، لم يتم استغلال طاقتها التمثيلية، أو حتى وجودها خارج نطاق الدائرة، إلا مرة واحدة، وكان يمكن أن تُضيف، وتساهم بشكل كبير في دفع عجلة التصاعد الدرامي بشكل أكبر، كونها من خارج نطاق المستوى الاجتماعي المتماثل إلى حد كبير للفتيات الأربعة، مما سيمنحنا بُعداً اجتماعياً ونفسياً جديداً.
كما أن العرض لم يُفعل تلك الحميمية التي خلقها المحيط ليتفاعل مع جمهوره كون العرض أشبه ما يكون بجلسة بوح لم يتم استكمال دائرتها مع الجمهور مما قطع هذا التواصل، أو الاستفادة منه كنوع من العلاج عن طريق التفاعل والمشاركة.

أداء تلقائي
التمثيل اشتغل على الأداء الواقعي البعيد عن التكلف، وبشكل تلقائي مباشر، بعيداً عن الاصطناع أو التحذلق، مما جعله قريباً من روح المتلقي، قدَّمته لنا مجموعة فتيات مبدعات، بتلقائية شديدة، وخفة دم (سماح سليم، شكلت بهجة العرض، بروحها الشقية، وعفويتها المحببة، ومنار حسن، تميزت بمرحها الخجول، الذي لا يريد مفارقة الطفلة في داخلها، وهكذا كانت هاجر حاتم، حيث سيطر على أدائها التردد المفخخ بالرغبات المتعددة، وسالي سعيد، التي أتقنت شخصية المتحررة القوية من الخارج والمنكسرة من الداخل، إضافة إلى مريم عيد، التي اجتهدت رغم المساحة المحدودة للشخصية في العرض).

منار، سماح، سالي، هاجر

أما الإضاءة، فلم يكن لها دور ظاهر، عدا الإنارة الكاشفة العادية، التي شملت كل الصالة، ويبدو أن الأمر كان مقصوداً، لإضفاء مزيدٍ من (الكشف) للحدث والشخصيات، بلا حواجز.
وكذلك الأمر مع الموسيقى، التي غَطَّت بعض المشاهد البسيطة، تأكيداً على إبراز بعض الحالات النفسية للشخصيات.
كترك المخرج حرية ارتداء الملابس للممثلات، كونه لا يريد أن يظهرهن، في حالة تمثيل، بل في جلسة إنسانية حميمية.
عرض (بيت روز)، يستحق تحية تقدير لجميع أعضاء فريقه، بدءاً بمؤلفه ومخرجه محمود جمال الحديني، وصولاً لجميع صُنَّاعه.

عدسة مدحت صبري

هذا العرض الذي يجب أن يشاهده كل الرجال؛ ليبصروا بعضاً من صورهم البشعة في عيون النساء، لعل وعسى أن يساهم العرض في التغيير، عبر الحفر في وجدان المتلقي، محاولاً أن يمنح قضايا المرأة بعضاً من الاهتمام، في ظل عالم يتجاهلها رغم كل التطورات التي تشهدها مجتمعاتنا العربية، إلا أن المرأة كانت ولا تزال تعاني، وأعتقد أنها ستظل كذلك طالما بقيت الكثير من العقليات الذكورية الرجعية، تهيمن على حياة مثل هؤلاء الفتيات.

فريق العمل:
تأليف وإخراج :محمود جمال الحديني.
تمثيل: سماح سليم، سالي سعيد، نادية حسن، هاجر حاتم، بالاشتراك مع مريم عيد.
تصميم ديكور وأزياء: هبة الكومي.
تصميم إضاءة: محمود الحسيني (كاجو).
موسيقى: رفيق يوسف.
مساعدو الإخراج: مها مصطفى، رنا عادل.
مخرج منفذ :عبد الخالق جمال.


★رئيس التحرير

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى