سينمامشاركات شبابية

منة الله طارق سلامة: كيف نواجه خيباتنا وماضينا المؤلم في (Drive my car) ؟!

منة الله طارق سلامة ★ف

فيلم(Drive my car)من إخراج ريوسو هاماغوتشي -مخرج وسيناريست ياباني- مستوحى من قصة من تأليف الروائي “هاروكي موراكامي” من مجموعته القصصية (رجال بلا نساء)، الصادرة عام 2014 م.

هاماغوتشي، هو الكاتب المشارك لسيناريو الفيلم مع تاكاماسا أوي، يحكي الفيلم قصة يوسوكي (يؤدي دوره هيديتوشي نيشيجيما) ، مخرج وممثل مسرحي، يشعر بالحزن لفقدان زوجته، ويكافح للتأقلم مع حزنه.

جوائز
عُرض الفيلم لأول مرة، في مهرجان كان السينمائي 2021، وحصد جائزة الأوسكار، لأفضل فيلم بلغة أجنبية، وجائزة Japan Academy Prize for picture of the year ، وجائزة Golden Glope، لأفضل فيلم بلغة أجنبية.
اِنقلاب
يتناول الفيلم قصة الممثل ( يوسوكي كافوكو ) الذي يعيش مع زوجته الممثلة (أوتو) حياة هادئة ومريحة، ومليئة بالحب و الشغف، تتخلل حياتهما العديد من الأحداث، منها الشائق والمثير ، ومنها المثير المفجع؛ مثل: فقدانهم لابنتهم ذات الأربع سنوات، عندما أصيبت بعدوى شديدة، وتوفيت على إثرها، مما قلب حياتهما رأسًا على عقب.


بعد مرور عدة سنوات، يعود الشغف لأوتو مرةً أخرى، لتأليف القصص، وعن طريق ممارسة الحب مع زوجها يوسوكي، وسردها له في تلك الأثناء، يتذكرها هو لاحقًا، وتقوم هي بكتابتها مرة أخرى، وقد لاقت تلك الطريقة نجاحًا كبيرًا بالنسبة لها، حيث حصدت أوتو، العديد من الجوائز، وأصبحت من أهم المؤلفين، وأكثرهم رواجًا، ولكن تنقلب حياة يوسوكي مرة أخرى، حين يعاني من فقدان زوجته فجأة، ويواجه تحديات في معالجة الحزن، والتأقلم مع الفراغ، الذي تركته زوجته، وممارسة عمله كممثل ومخرج مجددًا، وكفاحه في التأقلم مع الحياة اليومية، وقبول عرض إخراج مسرحية ( العم فانيا ) في هيروشيما.
يقبل يوسوكي العرض، ولأسباب تقنية تضطر الشركة المنتجة لتعيين ، “ميساكي” سائقة له، وهي ذات الثلاثة والعشرين ربيعًا، لتبدأ رحلة من الدراما الشائقة، حيث تنشأ بينهما علاقة صداقة قوية، وثقة متبادلة، فهما يتشاركان أحلامهما وآمالهما، ويجدان الراحة والدعم العاطفي، في بعضهما البعض.

تأثير الماضي
أحد الجوانب الملحوظة في الفيلم، استكشافه للعلاقات الإنسانية، والتفاعلات المعقدة بين الشخصيات، حيث يتم تسليط الضوء على العلاقة بين يوسوكي وزوجته المتوفاة، من خلال العديد من مشاهد العودة والذكريات، التي تعكس حبهما وألمهما ؛ يتناول الفيلم موضوعات مهمة، مثل الهوية، والتمثيل، والغشاوة العاطفية، والتصالح مع الماضي، والشفاء، ويتم استكشاف تأثير الماضي، والأحداث الغامضة على الشخصيات، وكيف يؤثر ذلك في تشكيل حاضرهم ومستقبلهم .
للصمت دوره أيضًا
يتميز الفيلم بتصويره الجميل، والتصميم السينمائي، الذي يعزز الأجواء الراقية، والمشاهد الدرامية، ويستخدم الإخراج السينمائي الهادئ والرزين، الصمت بشكل متقن، لإيصال العواطف والمشاعر الداخلية، للشخصيات.
ثغرات
يعاني الفيلم من ثغرات فنية في بعض المشاهد، حيث عدم التركيز، والبطء في السرد، فتمتد بعض المشاهد لفترات طويلة، دون الحاجة الدرامية الواضحة، مما يتسبب في تشتيت انتباه المشاهدين، وإحساسهم بالملل ؛ قد يكون الفيلم يهدف إلى إبراز الصمت والهدوء، كجزء من تجربة الشخصيات، ولكن هذا يمكن أن يكون تحديًّا للمشاهدين، الذين يفضلون الأحداث، والتطورات السريعة .
علاوة على ذلك، الفيلم معقد في بعض الأحيان، حيث يتطرق إلى العديد من المواضيع المهمة و يتناولها، مثل الحب، والفقدان، والتسامح، والمصالحة الداخلية، والعلاقات الإنسانية، بحيث يمكن أن يشعر بعض المشاهدين، بأن الفيلم يفتقر إلى اتساق في التركيز على موضوع محدد، مما يجعله يبدو عبارة عن مجموعة من الأفكار المتناثرة.


تحديات وصعوبات
يتناول الفيلم مجموعة من المواضيع العميقة، والمهمة خلال تطور الشخصيات، مثل الحب والفقدان، بشكل محوري ؛ يوسوكي يعاني من فقدان زوجته، وتبقى صورة الماضي، والذكريات العاطفية حية في ذاكرته, يتعين عليه مواجهة تلك المشاعر، والتعامل مع الحب، الذي لا يزال موجودًا في قلبه، يتم تناول موضوع التسامح والمغفرة أيضًا، تواجه الشخصيات تحديات، وصعوبات في حياتها، وتحاول تجاوز الماضي المؤلم، والخيبات الموجعة , و يُظهر الفيلم أهمية التسامح والمغفرة، في بناء العلاقات المتينة، وتحقيق الشفاء العاطفي، ومسامحة الذات والآخرين، والتمسك بالحياة مهما كانت الظروف، و مواجهتها، وعلى الرغم من أن الفيلم يميل إلى البطء في السرد، إلا أنه يتميز بقوة الأداء، والتعبير العاطفي للممثلين، يقدم هيديتوشي نيشيجيما أداءً مميزًا، في دور يوسكي، حيث ينقل ببراعة، الألم والحزن العميق للشخصية، كما تتألق توكو ميورا، في دور ميساكي، حيث تجسد جمالية الشخصية، وقد برعت في نقل مآسي حياتها بشكل سلس، حيث تقدم أداءً مقنعًا، يلقي الضوء على التطور، والنضج العاطفي للشخصية، على مر الأحداث، فكانت توفر لمسةً من النقاء والبراءة.


وفي النهاية فيلم Drive My Car، يعتبر قصة مؤثرة ومعقدة، وهو يستكشف عمق الشخصية البشرية، وعوالمها الداخلية، حيث يسلط الضوء على التعقيدات العاطفية، والتوترات التي تنشأ في العلاقات الإنسانية.
يتميز الفيلم بأسلوب فني راقٍ، ورؤية متقنة من قبل المخرج ريوسوكي هاماغوتشي ؛ إنه فيلم مؤثر ومعقد يستحق المشاهدة، لمن يتطلعون إلى تجربة سينمائية مميزة، تتحدث عن العواطف البشرية والتحديات، التي نواجهها في الحياة، وكيفية مواجهتها .


طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى