مسرحمشاركات شبابية

محمد القلاف: ما العلاقة بين مسرحية سالومي وكربلاء؟

محمد علي القلاف★

للمسرح مشتركات مع بقية التخصصات العلمية والثقافية، كالفنون التشكيلية في مدارسها، من ناحية تَبَنِّيْ أفكارها عندما نشأت، وكذلك الدينية، أي في بدايات المسرح عند قدماء اليونان (الإغريق)، حين نشأ فيها المسرح في القرن الخامس قبل الميلاد، عندما ازدهرت الثقافة الهيلينية، ذات الطابع الديني، حيث نجد الجوقات، تقدم خلالها الأناشيد والرقصات، تكريماً للإله ديونيسوس، ومن أبرز الرواد المؤسسين للمسرح اليوناني، أسخيلوس، وسفوكلس، ويوربيدس، ثم بعد ذلك لم تنفك المسرحيات الدينية، أو ذوات الملامح الدينية في كل حقبة، سواء كانت مسرحية كاملة، أو أجزاء منها، في تناول قضية، أو مسألة في الدين.

ففي القرن السادس عشر، كتب كالديرون دي لاباركا، مسرحيته الدينية الشهيرة ، (تاج أبسلون) عن النبي داود (عليه السلام)، حيث رسم هذه الشخصية في مسرحيته، كشخصية تراجيدية كما وصفها أرسطو في كتابه (فن الشعر)، وليس كما صوَّرها المؤرخون، حيث يقول:

تقوم على أفعال الشخصية، وعلى الأخص البطل وتخرجه، سواء بإيجابياته، أو سلبياته أي (الخطيئة) بالبعدين، إما بالتفكير أو النية.

مقتبس من النص:

داود: ….، وانت يا سليمان مهما كان قدرك، فأنا أتعهد لك بالنصيحة، والآن لا فرحة في هذا النصر العسكري، بل عويل أليم، أجل فلنجعل أصوات الحزن، تصحب هذا النصر، عند عودتي إلى أورشاليم، مغلوباً لا غالباً، ولندع شعر أبسلون حاضراً في ذاكرتنا، ليسامحنا على أخطائنا الكثيرة.

وقد اعتمد النص (القصة) على الكتاب المقدس.

وعلى صعيد السينما، اِعتمد ميل غيبسون في فيلم (آلام المسيح)، على الكتاب المقدس، كما أوضحت الممثلة مونيكا بيلوتشي، التي جسدت دور “مريم المجدلية”.

وإذا عدنا للمسرح، نجد أن الراحل عبد الرحمن الشرقاوي في رائعته (الحسين ثائراً وشهيداً)، قد أبدع في كتابته الدرامية، وخاصة الحوارات ما بين الحسين وابن مروان، وهنا مقتبس له:

“وهل البيعة إلا كلمة ؟

ما دين المرء سوى كلمة

ما شرف الرجل سوى كلمة

ما شرف الله سوى كلمة

ابن مروان: ( بغلظة ) فقل الكلمة، واذهب عنا

الحسين: أتعرف ما معنى الكلمة…؟، مفتاح الجنة في كلمة، دخول النار على كلمة، وقضاء الله هو الكلمة،الكلمة لو تعرف حرمة، زاد مذخور، الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور، بعض الكلمات قلاع شامخة، يعتصم بها النبل البشري، الكلمة فرقان بين نبي وبغي، بالكلمة تنكشف الغمة، الكلمة نور، ودليل تتبعه الأمة، عيسى ما كان سوى كلمة، أَضاء الدنيا بالكلمات، وعلَّمها للصيادين، فساروا يهدون العالم!، الكلمة زلزلت الظالم، الكلمة حصن الحرية، إن الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو الكلمة، شرف الرجل هو الكلمة”

إذاً المسرح لا ينسلخ من المسائل الدينية وذكر القصص، والحكايات والأحداث، فالمسرح للكل، وليس حصراً لغرض معين.

عندما كتب أوسكار وايلد مسرحية (سالومي) كان التحدي الكبير له، المواجهة الشرسة، سواء مع الكنيسة، أو المجتمع، كونها مسرحية دينية؛ لذا اعتمد على بعض أجزاء الأناجيل والتراث، فهذه المسرحية مختلفة عن مسرحياته، فهي من فصل واحد، حيث قام الممثل الكبير آل باتشينو بِدور (هيرودس) في مسرحية سالومي، وكان دوره في قمة الإبداع (المسرحية متوفرة كتابياً، وإذاعياً، وسينمائياً).

تدور أحداث المسرحية حول هيرودس وسالومي، وكيف أن أمها غدرت بأبيها، وهي كذلك تفعل نفس الطريقة، مما أرادت أن تقابله بعدما سمعت صوت “يحيى”، ولكن الحراس يحاولون منعها من أن تقابله بأمر من الملك، وبعد إصرارها اقتربت منه، وسمعت كلماته أكثر من مرة، واستوعبت أنه يتكلم عن أمها، وما اقترفته، وعندما التقيا، ودار الحوار بينهما، ما بين الوعيد منه، وتنبيهها بأن لا تقترف الذنب مثل أمها، ولكنها تُصِرُّ عليه، وتريده بعلاقة محرمة، ثم غادر هو عنها، فغضبت وأرادته بقوة، هنا وبعدما دار الحديث بين (الملك) وسالومي عن أوضاعه، حزن وأراد التخفيف عن نفسه، فقال لسالومي: أُرقصي لي، فرقصت إلى أن انتهت، فقال لها ما هو طلبك؟

فقالت: أريد أن يؤتى رأس يوحنا حالاً على طبق من فضة..، فضحك، وقال: كنوزي رهن إشارتك، أطلبي أي شيء إلا هذا، فقالت: لا.. أريد رأس يوحنا، هنا تردد وخاف من الطلب، فحاول جاهداً أن تعفيه من هذا الأمر، ولكنها تكرر أكثر من مرة أريد رأس يوحنا، فما كان منه إلا أن لبَّى طلبها، فأحضروا لها الرأس، فقامت تتحدث مع الرأس وتقول:

اِفتح جفنيك، إرفع عينيك يا يوحنا، لِمَ لا تَطَلَّعُ إليّ هل أنت خائف يا يوحنا، لِمَ لا تنظر إليّ، ولسانك الذي كان كالثعبان الأحمر، ينفثُ السم لم يعد يتحرك، لم يعد يقول شيئاً يا يوحنا.

لم يتحمل الملك الوضع البائس، فقام وقتل سالومي.

هنا مقتبس حواري من المسرحية، يدل على طهارة النبي يوحنا، من الانجراف لسالومي، وتحقيق رغباتها السيئة:

يوحنا: من هذه المرأة التي تنظر إليَ؟

 لن أدعها تنظر إليّ.

 لماذا تنظر إليّ بعينيها الذهبيتين، من تحت حاجبيها المذهبين، لا أدري من تكون، ولا أود أن أعرف من تكون. قولوا لها أن تذهب، ليس إليها ينبغي أن أتحدث.

سالومي: أنا سالومي، ابنة هيروديا، أميرة الجليل.

يوحنا: اِرجعي يا ابنة بابل! لا تقتربي ممن اختاره الرب.

 إن أمك قد ملأت الأرض بخمر آثامها، وقد بلغت صيحات خطاياها آذان الرب.

سالومي: تكلم ثانية! تكلم ثانية يا يوحنا، وقل لي ما يجب أن أفعل.

يوحنا: يا ابنة سدوم، لا تقتربي مني، بل استري وجهك بحجاب، وانثري رماداً على رأسك، واذهبي إلى الصحراء فابحثي عن ابن الإنسان.

سالومي: ومن هو ابن الإنسان؟ هل هو بمثل جمالك يا يوحنا؟

يوحنا: اُغربي عني، إنني اسمع في القصر خفق جناحي ملك الموت.

مسرحية سالومي تتشابه مع واقعة كربلاء في أحد مشاهدها من ناحية الشخصيات والأحداث، فنجد شخصية هيرودوس في المسرحية، هي شخصية المتكبر الجائر في واقعة كربلاء، والنبي يحيى، هو الإمام الحسين (ع)، وسالومي هي جيش الظالم في كربلاء.

سالومي وقاتلو الحسين، يمثلون الشهوة أي (الدنيا)، نجد النبي يحيى قد صدح بالحق، ووصف هيرودوس بالطاغوت، وأيضاً الإمام الحسين عندما قال: مثلي لا يبايع مثلك.

عندما قالت سالومي لهيرودوس: إنها تريد النبي يحيى يلبي رغبتها (الفاحشة الخبيثة)، اِشترط عليها أن تقضي حاجته وهي (الرقص)، ثم ينفذ أمرها، فلبَّت أمره، وبعدها أمر بقطع رأس النبي يحيى، وهذا ما فعله (لع)، ثم عندما أحضروا الرأس لها، اِستهزأت به، وخاطبته بأنها الآن استطاعت فعل ما تريد؛ لذا قرر بعدها الطاغية قتلها، فقتلها، ولكن السبب الأعمق في قتله، والذي لم يتطرق إليه أوسكار وايلد هو: (ووجدت يحيى (ع) يصرخ بوجه هيرودس: إنّك فاجر، حتى يقطع رأسه) -كتاب العجل.

وأما في كربلاء فتنافس جيش العدو، فيمن يقتل الإمام عليه السلام، وكان هدفهم أن يقتلوه بأمر منه (الجبروت) فقد قال لهم: اُقتلوا الحسين، ولو كان معلقاً بأستار الكعبة.

تبين الحادثتان أن حادثة سالومي، وواقعة كربلاء متطابقتان؛ لذا فإن التطابق موجود في بعض أجزاء المسرحية (أحداثها) وقصتها مع واقعة كربلاء، حيث تم قطع رأسي النبي يحيى، والإمام الحسين عليهما السلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

★ ناقـد ــ الكويــت

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى