مسرحمشاركات شبابية

إسلام أحمد السيد : في ” مسيرة في الغابة”.. هل يبحث العالم حقًا عن السلام ؟

إسلام أحمد السيد★
يجب أن يسأل كل إنسانٍ نفسه، ويغوص بداخلها؛  كي يأتيَ بإجابة عن هذا السؤال، فإن الدول مدعية السلام،  ومن تظهر حبها للسلام وسعيها وراءه، هي نفسها أكثر الدول تدميرًا،  وتحكمًا فى الدول الأخرى، ولكنها تضع دائمًا مسمى لهذا الخراب، هو (البحث عن السلام) وهذا ما يشرحه عرض ( مسيرة فى الغابة)  لـ “لي بلسنج “،  دراماتورج  وتمثيل وإخراج  “فادي أحمد”، مع “حسن خالد”،  والذي قُدِّم على خشبة المعهد العالي للفنون المسرحية، بأكاديمية الفنون.
أفضل ما فى العرض، سهولة تقديم الموضوع،  وإيصال الفكرة بكل وضوح وسلاسة.
استسلام وحماسة.
بالرغم من اعتبار العرض ديودراما، إلا أن هذا لم يكن عائقًا بالنسبة لهما، فالحكاية تتلخص في رجلين، هما: “مستر يوشكا”  وهو رجل مفاوض منذ أكثر من عشرين عامًا، لدى دولة روسيا ، ولكنه مستسلم جدًا، لأنه لم ير أي نتيجة من مفاوضاته خلال العشرين عامًا الماضية، فقررأنه لن يحاول مرة أخرى بجدية، وخضع لليأس في مفاوضات السلام ،  أما على الناحية الأخرى،  فهناك رجل يمثل أمريكا يدعى” جون”،  وهو، يدخل لأول مرة مفاوضات للسلام، وبسبب ذلك لديه حماسة غير طبيعية،  للحصول على أفضل نتيجة، وأفضل حل لهذه  المفاوضات،  فهل ستنجح المفاوضات بين ممثلي الدولتين، أم ستبوء المحاولات بالفشل، ويخضع جون لليأس، كما خضع مستر يوشكا ؟  

مصير محتوم!
بدايةً من اسم المسرحية،  والمكان الذي تقع به الأحداث داخل الغابة،  يتنافى من الأساس مع فكرة السلام، لأن المتعارف عليه أن قانون الغابة هو:” الأقوى يفترس الأضعف، دون ردع، أو قانون يحمى الحيوانات الأضعف” فنجح المخرج “فادي أحمد ” في توظيف هذا التناقض بشكلٍ جيد، وتبدأ فقرة الصراع بين الرجلين، حينما يريد جون إدارة المفاوضات بشكل رسمي ؛ ليحل السلام على العالم، أما مستر يوشكا، فهو لا يريد إدارة المفاوضات بشكل رسمي، فهو يحب اللهو والضحك طوال الوقت؛ لعلمه أنه مجرد أداة في يد دولته، لتظهر فقط بمظهر أنها محبة داعمة للسلام، فأصبح يدرك تمامًا أن مباحثاته لن تغن أو تسمن من جوع،  فقرر الاستسلام للأمر الواقع، ولكن بعد محاولات عدة من جون بالتغيير، قرر مستر يوشكا مساعدته ولكن حينما يتوصلان إلى حل، يتلقى جون صدمته في دولته، التي طالما فخر بها أنها رافضة للسلام، ولكن يقرر كل من مستر يوشكا، وجون، أن يضعا دولتيهما أمام آخر سلاح، وهو سلاح الإعلام، ويقررا أن يعلنا السلام بين الدولتين،  وأن يضحيا بنفسيهما ، منتظرَيْن مصيرهما المحتوم.
هل نريد السلام بالفعل؟
أهم فكرة في العرض  بالنسبة لبلسنج، لخصها مستر يوشكا   عندما قال لجون:” اِسأل أي شخص، هل يريد أن يحل السلام على العالم، سيقول لك بالتأكيد: نعم، أما إذا قلت له: هل تريد أن يختفي مخزون الأسلحة والصواريخ،  من بلدك؟ سيقول لك بالتأكيد: لا”.
هذا  الحوار فعلاً يجعلك تفكر، وتستغرق في التفكير، هل يريد فعلاً الإنسانُ السلامَ، أم أنه يكذب على نفسه؟ 

سينوغرافيا العرض
أما على مستوى الصورة،  فجاء الديكور من  “سلمى حجاج” معبرًا عن الصراع الدائر في العرض، في حلبة للمصارعة، وهي رمزية مباشرة إلى حد كبير، وهى بعضٌ  من الرمزية المستخدمة في النص نفسه، وهي رمزية الغابة، وأن الجميع يتكالب من أجل البقاء على عرشه،  فكان يمكن استخدام رمزية النص من الأساس، لأن النص تم بناءً على رمزية الغابة، والديكور كذلك تم، لتوصيل نفس الفكرة، ولكن بشكل  آخر.  
أما عن الإضاءة لـ “كاجو”،  فكانت موفقة بشكل كبير جدّاً، على الرغم من بعض الهفوات الصغيرة في مدلولات الألوان، لكنها لم تُخرج المُشاهد عن العرض.  
أما عن الملابس والمكياج،  فجاءا متناسِقَين مع حالة العرض والشخصيات،  ولم يضعا المخرج في مأزق . 
موسيقى بإحترافية عالية
وبالنسبة للموسيقى، فقد كانت- من وجهة نظري-، من أهم عناصر العرض، فكانت متماشية تمامًا مع حالة العرض العامة، وتم استخدام ثيمات معينة، عندما تسمعها تُعرض، تعرف أي منحنى ستأخذ المسرحية الآن،  وتم إتقان هذه الثيمات باحترافية عالية، فكان فريق  “سى بي مول”،  يضفي رونقًا رائعًا في المسرحية بعزفهم الراقي.  


مباراة في التمثيل
أما التمثيل، فكان أهم عامل في العرض،  حيث كانت هناك مباراة أدائية بين “حسن خالد”، و”فادي أحمد”،  فتناغمهما ممتاز إلى حد لم نره في الكثير، من عروض الديودراما، فأحسن  “حسن خالد”   في أداء دور الرجل اليائس من مفاوضات السلام، ويعلم أنه ليس منها رجاء، وبرع” فادي أحمد “، في دور الرجل المتحمس للمفاوضات، لينقذ العالم من الحروب. 
ملاحظات إخراجية
أما عن الإخراج،  فكان متميزًا على الرغم من وجود بعض الملاحظات مثل: الِانسلاخ الدائم للممثلَين من شخصياتهما في أثناء البلاكات، على الرغم من تحقيق الكوميديا، وهذا لم يكن مألوفًا بالنسبة لجميع من تواجدوا لمشاهدة العرض، ولكنها هفوة إخراجية ، تمثل خروجا عن سياق العرض،  والقضية المهمة التي يناقشها،  والتي كانت لا تحتمل أي كسر للجدار الرابع، بل الأفضل أن يغوص في أعماق الفكرة،  أيضًا من الأشياء المزعجة، استخدام بعض الإيفيهات ذات الإيحاءات الجنسية، واستخدام مشاهد خارجة عن الدراما، وخارج سياق العرض تماماً، بهدف  تحقيق الكوميديا، ولكن ورغم تلك الملاحظات البسيطة نستطيع القول أن المخرج  “فادي أحمد”، قدم وجبة فنية جميلة، وأنهى العرض،  بسؤال تاركًا الإجابة للمشاهدين ، هل سينجح مستر يوشكا، وجون  في إحلال السلام، بين أكبر قوتين عظمَيَيْن في العالم، أم سيظهران أمام العالم كله،رافِضَيْن للسلام، ومحِبَيْن للحرب؟!

تفاصيل العرض
تأليف: لي بلسنج
تمثيل: خالد حسن، وفادي أحمد
إضاءة: محمود الحسيني
موسيقى: سي بي مول
ديكور: سلمى حجاج
دراما تورج وإخراج: فادي أحمد


★طالب بقسم الدراما والنقد -المعهد العالي للفنون المسرحية-مصر.

 

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى