بحوث ودراسات

د.فاطمة لطيف: قراءة نقدية.. لخيبات أفق التوقع (سيمون سبارو ونتاجاته).

د.فاطمة لطيف★
لا يختلف اثنان على أن الفن بنية جمالية نفسية فكرية تنبع من الذات خلقًا وإبداعًا؛ لتعود إليها تذوقًا وإنتاجًا، وهي بنية مرنة قابلة للتحول والتبدل وفقًا لمقولات عدة :ذاتية وموضوعية، وما تاريخ الفن على مساره الطويل إلا دليل على ذلك، وبالمقابل لم يلق الفن على الرغم من أنماطه المتحولة قبولًا وترحابًا واسعًا في كل حلقة من حلقات تطوره المستمر، ومرد ذلك صعوبة التحايل على أفق توقع المتلقي، أو بمعنى آخر صعوبة انتزاع ما اعتاده من تأويلات دلالية تداولها وأصبحت حيلة قرائية لديه واستبدالها بأخرى تتوالد بولادة نمط فني جديد ، إذ يتطلب ذلك تحولًا في البنية الفكرية للمتلقي ذاته وهو أمرٌ ليس باليسير، فالجهد المعرفي الذي بذله لبناء أفق توقعه والذي تشكل عبر توالي القراءات يصعب خرقه واستبداله ولا يتم ذلك إلا بوجود نتاجات فنية تحمل من قوة الشد والجذب والتأثير ما تفوق بنية أفق التوقع التأويلية ذاتها؛ لذلك نجد أن تحولات أفق التوقع تصاحبها تحولات فكرية غاية في الخصوصية والجدية معًا، ولا يتم هذا التحول إلا بانبثاق أنماطًا فنية تحدث هزة قرائية لدى المتلقي، وقد كانت نتاجات الفنان ( سيمون سبارو ) من أشد المؤثرات جذبًا وخرقًا لأفق توقع المتلقي سواءً كان متذوقًا أم ناقدًا ، محدثةً بذلك تحولات فكرية جمالية على مستوى التلقي والتأويل .


ففي عمله ( بلا عنوان ) 1985 الذي تألف من مواد مختلفة كالخشب و الخيوط والخرز والقماش و مواد استهلاكية أخرى تم تجميعها بأسلوب تجريدي يدنو كثيرًا من أساليب الأطفال في التجسيم والتجسيد إذ تبدو حرية الأداء والتفكيك والتركيب واضحة الفاعلية هنا، دليلنا في ذلك توزيع البنى الشكلية بعيدًا عن أي فكرة أو منطق يدفع أيًّا منها إلى المقدمة، أو تجعل أخرى في الهامش الأقل أهمية فكل الأشكال لها وضعها المتفرد ضمن المشهد البصري كله، ففي وسط هذا التشكيل تم تجميع عددًا من الخرز وخيوط الصوف؛ لتكون شكلًا يوحي بأنه وجه إنسان نفذ بأسلوب يقترب من أسلوب الأقنعة الإفريقية فيما توزعت أشكال حيوانية وآدمية وأخرى مركبة على يمين ويسار وأسفل هذا الوجه، أما الجزء الأعلى فقد احتلته أشكالًا لنجوم وتراكيب غير واضحة الملامح منفذة بقطع صغيرة جدا من الخرز الملونة فبدا العمل الفني مكتظًا بالعناصر والمفردات التي تعكس خرقًا حقيقيًّا لمثاليات الفن التي توارثتها أجيال من عمالقة الفن والفنانين.
عمد (سبارو) إلى مخالفة النظم البنائية في معالجته لموضوعة الفن ذاته ، إذ لم ينتمي عمله هذا إلى أي جنس من هذه النظم وإنما اختص لنفسه أسلوبًا وتقنيةً جمع فيها بين جمالية الخامة ودقة التركيب وتعددية التأويل خلخلة وخرق فيها أفق توقع المتلقي فيما يخص ماهية العمل الفني أساسًا الذي لم يعد معنيًا لديه بنقل أو سرد قضية بقدر ما أصبح فرضًت عليه أن يكثف الإحساس بفاعلية الذات، وقدرتها في التجميع والتركيب وترك باب التأويل مفتوحًا ليملء المتلقي ثغرات العمل الفني ويعدل آفاق توقعه مع قراءته كل بنية فنية فيه، فالأشكال المنفذة بخامة الخرز والخيوط التي تنوعت بين الأشكال الآدمية والحيوانية لم تسرد قصة ما ولم تنتقد أخرى ، بل أنها وجهت الانظار صوب معالجات بنائية جمالية تثير المدركات البصرية وتعطي للشكل قيمة مضافة كونه شكلًا ابتكاريًّا لا محاكيًّا مستقلًا لا تابعًا لمرجع، يحمل تغريب مادي وبصمة حرة في فضاءه دون قيد ، وهو ما مكنه من إزاحة الفهم التقليدي والتقييم الأكاديمي لمفهوم الشكل الفني وقيمته بل وحتى في مطابقته للمضمون الذي تراجع في هذا العمل ( بلا عنوان ) لصالح جمالية الشكل الخالصة التي ارتقت إلى مصافي اللعب الحر بالبنى الفنية، والتشكلات العلائقية فيما بينها وتبعًا؛لذلك أصبحت لتقنية بناء هذه التشكلات دورًا حاسمًا في التحول فكريًا وجماليًّا صوب حداثوية التقنية وانزياحها عن المألوف وبما يمنح العمل الفني بمجمله تفردًا ضمن المساحة المعرفية التي يمتلكها المتلقي عند الشروع بالحوار معه؛ لذا انماز بتفعيل القراءة وبناء المعنى ومن ثم هدم المعنى والبحث عن معنى ربما لن ينته بناءه بانتهاء القراءة ذاتها .


لقد جسد هذا النموذج خرقًا لأفق توقع المتلقي المعرفي وذائقته الجمالية عبر تعارض لغته الفنية التي اعتمدت على تجميع عناصر غرائبية (خرز، خيوط، قطع قماش ) مع اللغة الفنية والتي وان تغيرت بدءًا بظهور الانطباعية صعودًا إلى مرحلة ما بعد الحداثة إلا أنه نجح في استمرارية هذا التعارض فقوض ثبوتية وهيمنة العناصر البنائية واستبدلها بعناصر مادية تُظهر تفهمًا كاملًا لإمكانية الخامة في التعبير وفي مخالفتها للأنماط المعرفية التي جرى وفقًا لها تقييم النتاجات الجمالية سابقًا كما أمكن له أن يوظف ثقافة الاستهلاك ويحيلها من سياقها التقني المتسارع الى سياق أكثر بساطة وبهجة وسلالة في الرؤية والتلقي، وذلك عبر تفكيك الفنان لهيئة الأشكال وتلاعبه ببنيتها وتحويلها الى تشكلات إيحائية لا محاكاتيه فعل من قيمتها الجمالية استخدامه كرات الخرز الصغيرة وجعلها بنية فنية أساس في دلالة واضحة فعلت من اهمية المهمش، والبسيط وجمالية التجريد والتبسيط في التجريب الفني الحديث إزاء هذا الكم الهائل من الفوضى والعبث الذي تعج به الحياة الواقعية وهو تفهم وتحول معرفي جديد لمعنى حياة العمل الفني وآليات خلقه. وعلى الرغم من أن هذا العمل لم يتخذ من القضايا الوجودية كفكرة اساس إلا أنه قد احتوى على أنساق نفسية مضمرة دللت على اهتمام بالغ بذاتية الذات عبر السعي لتزويدها بمساحة قرءاتية هادئة لنصوص جمالية مزخرفة عبر تقنية تخرق المألوف وتدنو من ما كان متداول وكأنها تفتح للمتلقي نافذة الطفولة؛ ليطل منها على عالم سحري مفقود لديه؛ لذلك عمد الفنان إلى جعل هذا العمل خطابًا إنسانيًا، أو محطة ذكريات يوازن فيها بين انفعالات الذات وعالمها الموضوعي الذي اصبح أكثر تعقيدًا من السابق، وقد مضى في هذا التوجه كثيرًا عندما ناقض برجوازية الحياة بالتعبير عنها بما هو مهمش وبسيط وقليل التداول وكأنه ينقل متلقيه إلى حالةٍ من النكوص النفسي التي تناقض مرحلة النضج المتعبة والمليئة بالاغتراب، وتبعًا؛ لذلك نجد أن ( سبارو ) وعبر اتباعه لتقنية التجميع هذه قد خرق أفق توقع المتلقي عبر تقويضه سلطة العقل والمنطق واللجوء إلى قدرة الخيال الابتكاري في خلق نمط فني يحاكي الروح ويدنو من الاحاسيس بعيدً اعن سطوة الثوابت، وهو بذلك إنما يؤسس الى خرق وتبدل حقيقي لوظيفة العمل الفني؛ ليحيل دوره من الاكتفاء بطرح التساؤل إلى مرحلة صنع الحلول ووضع بدائل نفسية كانت أم معالجات بنائية.


عمل( سبارو ) على إجراء تبدل جمالي ونوعي في أفق توقع المتلقي؛ ليجعل منه منظومة معرفية تتغاير بفعل تعدد القراءات وتواليها بكل ما تحمله من خطابات محايثة وأنساق مضمرة وسياقات مرجعية مع ملاحظة تحولها من نسق ونمط تقني ودلالي إلى آخر وهو ما يسهم ويسمح بتداخل الانساق السيوسيوثقافية فيها التي بدت فاعلة جدًا في تغير أفق التوقع وفقًا لمحمولاتها الدلالية والمقولات والبنى المتشكلة في علائقية عناصرها البنائية من جهة والمرونة وعدم ممانعة البنى المعرفية للمتلقي من التحول قرائيًا نحو تحولات الخطابات الجمالية وفضاءاتها الأسلوبية وطروحاتها الفلسفية والمفاهيمية من جهة أخرى . وبذلك عمد ( سبارو ) إلى جعل أفق توقع المتلقي حصيلة خبرية يزداد رصيدها القرآءتي بامتزاج القوى الإدراكية لديه في وحدة تلقي واحدة وفقً السياق عمله الفني، إذ يقوم المتلقي بعملية تأليف وتنسيق ولعب حر ببُنى العمل الفني؛ ليولد صور ذهنية متنوعة دلاليًّا، تتناسب واللغة الحوارية التي ينطق بها العمل الفني ، وعلى هذا النحو يُخترق أفق التوقع بفعل أثر العمل الفني ليتحول صوب أفق جديد ويحدث معه تحولات ( فنية / بنائية ) حيث تمكن ( سبارو ) من إزاحة وتقويض التقييم التداولي لمفهوم الفن واستهلاكه بوصفه بنى فعالة في حياة المجتمعات وحد من النظرة التقليدية التي ترى فيه معادلًا موضوعياً للواقع وحوله إلى رؤية تجد فيه واقعًا جديدًا في حد ذاته، وهو ما انعكس بشكل واضح على أفق توقع متلقيه، الذي معه تم استبدال المعايير المتوارثة بأخرى أكثر انفتاحًا ومتعة على مستوى البنية الفنية والأساليب الأدائية سواءً على مستوى الشكل أم المضمون أم التقنية ، إذ اسهم عمله (بلا عنوان ) عبر معالجاته البنائية في التأسيس لمنظومة دلالية خاصة به تعتمد تقنية إظهار تتسم بغرائبية تجميع الخامات وزجها في تفاعلية جمالية فنية، أمكن لها أن تخترق أفاق التوقع وتحدث تحولا فكريًا هامًا حول مفهوم العمل الفني، تستدعي قوى معرفية في التأسيس لأفق جديد يوازي في فاعليته القرائية إرسالية لهذا العمل ومحمولاته الدلالية وتعزز بالتالي من شفافية التنافذ بين الفن والواقع الاستهلاكي للفرد والمجتمع .
فضلًا عن ذلك عمد ( سبارو ) في عمله هذا إلى تقويض الثوابت والمرتكزات ( الشكل،المضمون، التقنية ) التي مجدتها تيارات الحداثة وما قبلها، وذلك من خلال إزاحة العلاقة بين ثنائية الدال والمدلول واستبدالها بتحول جمالي تقني منفتح الدلالات يعتمد التكثيف في إعادة بناء المعنى وتركيز فاعلية الفكر في قضايا الوجود بكل إفرازاتها المادية والمعنوية وهو تحول فكري ينتج عنه تبدل حقيقي في أفق توقع المتلقي لما يؤول إليه العمل الفني، ولما يمكن أن يطرحه، أجرى بذلك تحولًا فكريًا لأفق توقع المتلقي عبر سعي الفنان الى نقل تناقض العالم المادي في تفاصيل فعله اليومي بكل موضوعيته وغموضه مستعينًا بذلك بتقنيات ومواد لم تكن ذات أهمية أو قيمة بل أنها مخلفات حضارة معاصرة بغية التفعيل من التبدلات الفكرية لبنية النتاجات الفنية ذاتها وعلى هذا النحو اعتمد الفنان على الأسلوب والتقنية الغرائبية وترك باب التأويل الدلالي مفتوحً اللمتلقي، فهو المستقبل والمشارك في آن واحد، وهو ما يعدل أفق توقعه نحو المتبدل واللحظي الذي ساد ثقافة القرن العشرين وما تلاه .


كسر(سبارو) أفق توقع المتلقي واحدث فيه تحولاً فكريًا معرفيًا/ مفاهيميًا حيث أجرى تحولًا هامًا لمفهوم الهوية الفنية عبر إزاحته لأفق توقع المتلقي لأي جنس فني يمكن أن يزج به المنظومة البنائية لهذا العمل الفني، وذلك عبر جمعه لخامات وعناصر ومعالجات بنائية متعددة الجذور والانتماء فتنفي الحدود بين آلية الرسم وحرفية النحت ودقة التركيب؛ لتفكيك الهوية وفتح الأنساق الفنية على القضايا الإنسانية دون تحديد لقضية ما، إذ أن تعدد الثقافات وتنوعها وعواقب الحروب المتتالية في المجتمع الغربي فضلًا عن الصيغ التبادلية بين الفنون ذاتها عملت على تفتيت الهوية وإشاعة التجنيس، وهو ما أسهم في تحول فكري معرفي جديد حول عالمية الفن والخروج به نحو أُطر الهوية التي لم تعد لها أهمية تذكر إزاء فاعلية العمل الفني القرائية وأثرها على المتلقي، وتبعًا لذلك نجد انغ الهوية الفنية قد تعددت وتداخلت ولم تعد تتراوح بين المادي والمثالي، بل اخترقها ( سبارو ) عبر جعله لكثيرٍ من المفاهيم بأن تبدو فاعلة الأثر كالتقويض والاستهلاك والتفكيك والتهميش، إذ شكلت مفاهيم متداخلة ومترابطة ومتفاعلة، مما يفسح المجال لذات المتلقي لتأويل آلية إنتاج الخطاب الفني وأسلوب تجميعه على الرغم من تعقيدها وصعوبة فهمها، فهو – أي المتلقي- في أقصى غايات التعقيد يقوم بتنظيم العلاقات البنائية ذات الطابع الحواري المتعالق والخطابات الفنية التي سبق وأن تم له فهمها إذ استدعى هذا النموذج بنى معرفية تتصل بآلية الخرق القرائتي التي تعرض لها المتلقي من حيث الصياغة، إذ عمد الفنان إلى تحويل عمله الفني الجمالي إلى خطاب غارق في التغريب من حيث الفكرة والتنفيذ والإخراج دون إغفال عنصر الجذب البصري للتأكيد على لانهائية المعنى، وتفعيل قوى الفهم والتفسير للمعطى الدلالي، فضلًا عن ذلك فقد تخطى ( سبارو ) حدود التعبير التداولي للعمل الفني ذاته وآلية تلقيه واستبداله بانزياحات ومعالجات شكلية وتقنية أظهرت قدرة المادة المهملة في التعبير وهو تحول فكري اعتمد على الاشتغالات ( الذهنية / البيئية ) وسحبها إلى فضاء الأنساق الجمالية التي أصبحت أسلوبية ذات قيمة استثنائية نظرًا لغرائبية العلاقات البنائية بين المواد والخامات والعناصر الفنية الأخرى من المنطلق ذاته. استحدث ( سبارو ) خامات فنية خرقت أفق توقع المتلقي إلا انها منحته حرية أوسع لتعديل مفاهيمه النفسية عبر إتاحة الفرصة له للإطلاع على بدائل أسلوبية فنية عبر مادة دالة تصلح لأن تكون خير معبر عن إرهاصات واقعه الذاتي والموضوعي بكل تناقضاته وصراعاته، بدائل تتسم بمرونة التعبير وتنوع الأسلوب الذي اتسم بالتغريب، كما أنه قوض بشكلٍ لا يقبل الشك من سلطة العمل الفني الذي يعتمد القراءة البصرية عبر تشكلات خطية او لونية واستبدلها بازدواجية بنائية تعتمد الثراء التعبيري الذي يحقق الصدمة والدهشة والاستغراب ولا يشترط الانخراط التأملي الباحث عن مرجع معنوي أو إحالة دلالية ، وهو ما يعكس ذلك الكم الهائل والكبير من حرية الأداء التي تمتع بها ( سبارو ) لابتكار لغة جمالية تتحايث مع اغتراب الذات وتهميشها، وتسمح في الوقت ذاته بتفاعل وتنافذ الثقافة الفكرية للفرد والمجتمع، فضلًا عن ذلك فقد بدا أثر النزعة التصميمية التي تخالف افق التوقع للمعنى واضحة، وذلك عبر تأثير الخصائص الانفعالية التعبيرية للمواد والخامات الموظفة في هذا العم التي جمعها تناسب كلي على مستوى التأليف والتركيب، وهو ما سمح بإبراز نزعة النكوص نحو عوالم بدائية بسيطة تتكامل فيها الذات مع بيئتها، وهي في ذلك تدخل في سرديات مجازية تخترق فيها الحدود الزمكانية وصولًا إلى عوالم فنتازيا مفقودة؛ لذلك عُولجت الاشكال بفعل قوة الخيال لا بقوى المنطق العقلي، وعلى هذا النحو بدا أثر الخطاب الوجودي بالغ الواقع والهيمنة في نتاجات ( سبارو ) التجميعية فاعتمد المستهلك والبالي والزائل كبنية من أبنية الثقافة المجتمعية التي تنتمي الذات لها؛ لذلك بدت مجمل التحولات الفكرية المصاحبة لخرق أفق توقع المتلقي متنامية مع طبيعة التطور الاقتصادي والاجتماعي والتقني الذي شهدها عصر ما بعد الحداثة، كما أنها تهادنت مع تنامي التجارب الإبداعية للفنان التي دخل التمرد على المتداول عنصرًا فاعلًا ومؤثرًا فيها التي أسهمت أيضًا بمنح المتلقي فرصةً يشهد تحول فكرى ذاتي في إجراء تقابلات بين الفن ووظيفته المعاصرة والفهم الفني المعاصر له، وتفسير السلوك الإنساني بحس فني ينظر إلى الذات من الداخل الذى يمكن القول بأن اختراقات ( سبارو ) التقنية هي من أجمل الاختراقات الجمالية بنائيًا و دلاليًا لأنه اتخذ من عمله الفني قناةً للانفتاح على الذوات الاخرى ومحاورتها محاورة غاية في الدقة والخصوصية بعيدًا عن تشكلات العقل والمنطق، فالعبث هو الأجدر بالاهتمام كونه ينفس عن الكبت الدفين ، والفوضى هي التي تلملم الذات التي بعثرتها القيم البالية، وعلى هذا النحو أصبحت خروقاته ضرورة فنية و أمرًا حتميًّا جماليًا للبحث عن كل ما هو ثوري قراءةً وتلقي، وهو بذلك اخترق أيضًا أو قوض أي سلطة من شأنها أن تغلق المتلقي على نفسه أو على قراءاته التقليدية، فيحدد لها مسار قراءتي ما، واستبدلها بأيديولوجيات معرفية مرنة، تقدم تفسيرًا أشمل للظواهر الانسانية والأنماط الفنية، تتعدد وتتنوع وفقًا لتنوع المتلقين ذاتهم والنتاجات الفنية ذاتها، وهو خرق أفضى لتحول في أفق التوقع عبر إجراء مقابلة ثنائية بين المتلقي والعمل الفني ذاته، ونتيجة لهذا التقابل أصبح على المتلقي أن يعدل آلياته القرائتية في التعاطي مع العمل الفني وأن يركن في ثقافته القرائتية إلى علم اجتماع القراءة كي يفك الشفرات ويحيل دلالاتها إلى حقلها المرجعي الأساس، وهو تحول فكري ذاتي موضوعي في آن واحد .


باحثة أكاديمية-كلية الفنون الجميلة -جامعة بابل-العراق.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى