شعرمشاركات شبابية

آية الكحلاوي: القدس عروس عروبتكم… الواقع أقسى بكثير اليوم يا فلسطين!

آية الكحلاوي ★

وغزة اليوم تحاصر بوحشية من قبل القوات الإسرائيلية المسلحة في حرب إبادة لأهلنا في فلسطين ، فإن الحديث عن فلسطين عند الشعراء العرب يطول… يعجبك أحيانا وأحيانا تشعر بالاشمئزاز منه… تصبح مجرد حروف من حبر تتساقط على ورقة بيضاء لا تحمل مشاعر حقيقية، خطب رنانة، أغلبها صور عن جمال فلسطين، أهمية فلسطين، قدسية فلسطين صور من احتلال فلسطين، أو حتى اعتذار ممسوخ ينفض به الشاعر يده من القضية، كاعتذار الشاعر العربي العراقي المرموق المشهور بلافتاته النقدية اللاذعة أحمد مطر إذ يقول:

يا قدس معذرة ومثلي ليس يعتذر

ما لي يد في ما جرى فالأمر ما أمروا

فكأن البيتين كتبرئة ذمة للشاعر وهذه ليست طبيعة أحمد مطر الشاعر الثائر على كل حال.

الشاعر العراقي أحمد مطر

فإذا نظرنا لمظفر النواب وهو عراقي أيضا، نجده خالف ما عاهدناه من شعر يتخذ من فلسطين قضية محورية، فهو لا يعتذر لفلسطين لا يبرئ ذمته ولا يهرب ولا يقول شعرا غزليا مملا في جمال فلسطين، ولا يتباكى عليها، بل ومن خلال قصيدته “يا قاتلتي” الشهيرة بالقدس عروس عروبتكم نجده جمع كل ألمه ووجعه على فلسطين وكل اشمئزازه ممن اضاع فلسطين في بصقة واحدة بصقها بحدة في وجههم دون خوف أو ادعاء مثالية كاذبة.

فجعل من القدس امرأة مغتصبة (أي تمثل عارا كبيرا) كما في الوعي الثقافي الذكوري العربي واستفز وعاير بها كل رجال الوطن العربي الذكوريين الذي يعرف النواب عنهم جيدا أن المرأة وبكارتها تمثل العرض والشرف الكبير بالنسبة لهم.

مظفر النواب شاعر يساري عربي كبير لا يرمينا الزمان بمثله من جديد، وذلك ليس لعطل في الحرف العربي وليس لفساد في موهبة الشاعر وإنما لتغير الزمان وتغير السياسات وتفكك المجتمع وتغير قناعات ومبادئ الأجيال.

الشاعر العراقي مظفر النواب

كتب النواب قصيدته “القدس عروس عروبتكم” بالعربية الفصيحة على غرار شعر التفعيلة ليهاجم فيها أصحاب السلطة في تلك الفترة دون استثناء كما أشار “لا استثني منكم أحدا”، فضمنها تساؤلات استنكارية كثيرة استنكارا لموقف السلطويين الذين كانوا يتشدقون بشعارات طنانة عن الأقصى نهارا في خطاباتهم ويغتالونها ليلا من الخلف لكسب رضا الغرب وأمريكا، واصفا هذه العلاقة بالشذوذ، أن يترك حليلته العروس/ فلسطين ويسعون لكسب رضا مغتصبها، فاستهل النواب القصيدة بسؤال استنكاري للسخرية من مقولة أحد المسئولين في خطابه “القدس عروس عروبتنا” وكلامه يناقض فعله فيقول النواب في مستهل القصيدة:

من باع فلسطين وأثرى بالله

سوى قائمة الشحاذين على

عتبات الحكام

ومائدة الدول الكبرى؟

فإذا أجن الليل

تطق الاكواب بأن القدس عروس عروبتنا

….

القدس عروس عروبتكم؟!

فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟

إن النواب لا يشير فقط في الافتتاحية إلى تناقض تلك السلطة وتلاعبها في خطاباتها بمشاعر الجماهير ولكنه بدأ أيضا في كر الخيط لاستفزازها بأن صور القدس بالمرأة  التي اغتصبت ولحفظ الشرف يحاول ذويها اسكاتها، فمن يفرط في شرفه يفرط في وطنه.

هذا بجانب تصوير الوضع الراهن تصويرا جنسيا بذيئا أيضا وإن كان ناتجا من حقيقة راهنة، فهو يصف في الافتتاحية القدس بالعروس المغتصبة التي زهد فيها أهلها فلا يدافعون عنها، بل يتمسحون في مغتصبها، مما يحيلنا إلى حالة من الشذوذ الفكري عبر عنه النواب بشذوذ جنسي أيضا، ليؤكد ذلك الوضع الشاذ.
في قصيدة التساؤلات، وجه النواب فيها  عشرون سؤالا يحرج بها السلطات حينذاك ولكنه لا ينتظر إجابة لأن الاجابة يعرفها النواب سابقا، واستهل بها القصيدة حينما لخصها في وصف بوصف الكسبة.

إن النواب لا ينكر بذاءة لفظه بل اعترف بها داخل القصيدة واصفا هذه البذاءة بأنها المستوى اللغوي المناسب للموقف العربي المخزي تجاه ما يحدث في فلسطين:

أعترف الآن أمام الصحراء بأني مبتذل وبذيء

كهزيمتكم

يا شرفاء المهزومين

تبدو في هذه القصيدة حرقة النواب المؤلمة التي الهبت داخله، متألما من الوضع المأساوي لفلسطين التي تخلى الكل عنها ، ولكن النواب وعند التأمل في القصيدة نجده لا يحترق من أجل فلسطين وحدها بل من أجل الإنسان المستضعف في كل مكان فيقول :

هل أرض هذه الكرة الأرضية

أم وكر ذئاب؟

ماذا يدعى القصف الأعمى على هانوي؟

فهو يستنكر كذلك هنا اعتداء الولايات المتحدة الأمريكية على هانوي – حينذاك – ، مما جعله يصف العالم بوكر الذئاب، الذي يعتدي فيه القوي على الضعيف ويسعى إلى استعباده.

يحذر النواب من نتيجة هذا التخاذل في نصرة فلسطين، مرتين، مرة في استهلال القصيدة حينما بدأ جملته بالقسم قائلا:

أقسمت بتاريخ الجوع ويوم السغبة

لن يبقى عربي واحد إن بقيت

ثم يكرر تحذيره قبل ختام القصيدة فيقول:

سنصبح نحن يهود التاريخ

ونعوي في الصحراء

بلا مأوى…

فيحذر النواب في موضعين مختلفين من الشتات العربي إذا تمكنت اسرائيل من رقاب العرب، مشيرا ضمنيا إلى أن فلسطين هي خط الدفاع الأول عن العرب إن سقط سقطوا.

وهكذا فالقصيدة رغم أنها تنتمي للموجة الحديثة (شعر التفعيلة) إلا أن النواب التزم فيها بوحدة الموضوع أو الغرض كما في القصيدة الكلاسيكية، منوعا في القافية تنويعات رائعة، لا نؤاخذه فيها على قسوة الكلمات والصور فالواقع أقسى بكثير.

★ ناقدة – مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى