مسرح

أسماء طارق: (بعيد عنك) دراما اجتماعية، بنكهة كوميدية

أسماء طارق★

بمزيد من الشجن، يُفتتح عرض “بعيد عنك” عن أغنية أم كلثوم ” بعيد عنك “، على خشبة مركز الإبداع الفني، تحت إشراف المخرج خالد جلال، وقصة العرض مستوحاة من مسرحية، ” ليلة ساهرة من ليالي الربيع” للكاتب المسرحي الإسباني إنريكي بونثيلا، والعرض من تأليف وإخراج محمد عبد الستار، وشارك في التمثيل: هدير الشريف، محمد الدمراوي، ريهام سامي، أمجد الحجار، عبد العزيز حسين، أحمد الشاذلي، وليد عبد الغني.

كيف بني عبد الستار معالجته الدرامية؟
يناقش العرض، موضوعاً اجتماعياً في إطارٍ كوميدي، وهو الصراع الزوجي التقليدي، الذي يحدث بين أي زوجين، بعد مرور فترة طويلة من الزواج، حيث تدور الأحداث، حول العلاقة الزوجية المتوترة، بين سالي وزوجها المهندس شريف، ويصل بهما الأمر، إلى قرار الِانفصال، وتنطلق المواقف الكوميدية، والتعرف علي باقي الشخصيات، من عند هذه النقطة، وقد احتفظ عبد الستار، بالخط الدرامي الخاص بالنص الأصلي، والذي يتمحور حول توتر العلاقة، وقرار الِانفصال بين الزوجين، ولكنه أضاف معالجته الخاصة، حسب الرسالة التي أراد توصيلها، ففي العمل الأصلي، كان سبب الخلافات، وقرار الِانفصال بين الزوجين، هو حالة الفقر، التي وصل لها الزوج، وعدم القدرة على الإنفاق مرة أخرى، حتى توصلا إلى قرار الِانفصال، لمدة عامين، لحين تحسن أوضاعه المالية، ومن ثم العودة مجدداً، والجدير بالذكر أن هذه القصة، التي كتبها بونثيلا، هي أحداث حقيقية، حدثت بالفعل، بين بونثيلا وزوجته.

تصوير:سمير سعيد
تصوير:سمير سعيد

ولكن عبد الستار، جعل السبب، أوالصراع الدرامي بين سالي وشريف، هوعدم اهتمام شريف بزوجته نفسياً، وعدم فهمه، ومراعاته لأحاسيسها، وعدم مشاركته لها في اهتمامتها الشخصية، ووضع المبرر الدرامي له، بانشغاله المستمر في عمله، والضغط المهني الذي يواكبه يومياً، ولم يحتفظ عبد الستار بكل شخصيات العمل الأصلي، بل ورسم أبعاد مختلفة، لبعض الشخصيات، فقد اقتطع عبد الستار، شخصية أم الزوجة، وعمة الزوج، ويقابل شخصية المحامي في المسرحية، خال شريف في دور المحامي في العرض، واحتفظ أيضاً، بشخصية الجار، والوصيفة الخاصة بالزوجة، وأضاف شخصية، اِبن خال سالي، وشخصية موظف الأمن. والمعالجة الدرامية، التي بني عليها المخرج عرضه، تخص موضوعاً شائكاً، ومازال يتعرض له معظم الأزواج حتى الأن، حيث إنه حاول تفكيك العلاقة المعقدة، التي تنشأ بين كل زوجين، نتيجة ترسخ بعض الأفكار الاجتماعية السائدة، سواء في ذهن الرجل، أوالمرأة ، ثُمَّ طرح بعض الحلول، التي يمكن أن تساهم في تغيير تلك الأفكار، ومن ثَمَّ لَمّ الشمل مرة أخرى، كما حدث في نهاية العرض.

كوميديا مبالغ فيها:
خلق حالة من الكوميديا، أو تجسيد موضوع اجتماعي في إطار كوميدي، بما يناسب الدلالات الثقافة، في المجتمع الحالي، ليس بالأمر الهين، فلابد أن يكون صاحب العمل على دراية واسعة، بالدلالات اللفظية الفكاهية الدارجة، السيئ والجيد منها، فليس كل لفظ فكاهي، يمكن أن يبعث على إطلاق الضحكات، فمعظم المواقف، والأداءات الكوميدية، سواء الحركية أواللفظية، تم توظيفها بشكل مبالغ فيه، حيث أضاف العرض، جرعة زائدة من الإفيهات، أو كما نطلق عليها في لهجتنا الدارجة ” الألشات” كان من الممكن توظفيها بشكل أقوى، أو حذف بعضها، لذلك كانت كوميديا العرض تتأرجح بين القوة والضعف.

تصوير: سمير سعيد
تصوير: سمير سعيد

نجد شخصية “هاني” جارهم، قد قام المخرج بتغيير بعض السمات الشخصية به، فمثلاً نجد أنه في النص الأصلي، كان رجلاً كهلاً، وصديق والدة الزوجة، أما في العرض، هو صديق الزوج فقط، ولم يظهر في شكل رجل عجوز ، بل كان أصغر من ذلك، يرتدي ملابس ملونة أنيقة، تعطي لنا دلالة على شخصيته الفكاهية، أما وجه التشابه بين الشخصيتين، فهو الثقافة والرقي، والتنكر في أكثر من شخصية، مثل السباك، واللص، كما في النص الأصلي، وقد تأرجح أداؤه الكوميدي، ما بين المبالغة تارة، وضبط الأداء، وبعث الضحكات، تارة أخرى، أما عن أداء شخصية الخال، فقد تمكن من ضبط الأداء، الذي اعتمد على أدائه الصوتي القوي، بالتوازي مع الِانفعالات الفكاهية، أما شخصية عبد العزيز، في دور موظف الأمن، فقد كان كتلة من الطاقة الفكاهية، و كان دوراً ملائماً له، سواء على مستوى أدائه الحركي، أو الاِنفعالي، أواللفظي، وكان له حضورٌ ملموسٌ رغم صغر دوره.
وكانت شخصية نورا، وصيفة سالي، لها نصيبٌ أيضاً من الحضور والقبول، حيث أجادت تجسيد الأداء الكوميدي الممزوج بالجدية، والحدة في الكلام، والتحول اللحظي في الِانفعالات، ويوجد تشابه بين سماتها، وسمات الوصيفة في النص الأصلي، مثل: الجدية، وقوة الشخصية، والتدخل في الخلافات بين الزوجين، ولكن لصالح الزوجة.
وقد ساهم عنصر الملابس، في إبراز تلك السمات، حيث كانت ترتدي نورا، زياً باللون الأسود القاتم، بالإضافة لتصفيفة شعرها الحادَّة أيضاً، وحركتها الآلية، أثناء مواجهة الزوج، وحركتها الرقيقة، في مشاهد التعبير عن إعجابها بهاني، أما عن شخصية كلٍ من سالي وشريف، فعلى الرغم من الأداء المبالغ فيه، في بعض المواقف، لكنهما تمكنا من تجسيد حالة التوتر، والخلافات، والتناقضات، أما عن شخصية مهاب، فقد أجاد هو الآخر، تجسيد شخصيته المتناقضة في المشاعر، حيث يمكن إيجاد مبرر نفسي له، فيما يخص علاقاته المتعددة بالنساء، فمع تتابع الأحداث، نعرف حبه القديم لسالي، ورغبته في الزواج منها، ولكنها فضلت عليه شخصاً آخر، ومع ذلك ظل متمسكاً بالأمل، وقد دارت كل الأحداث في منظر واحد ثابت، وهو غرفة نوم سالي وشريف، وقد لعب الديكور، دوراً مهماً في إرسال بعض المعلومات، مثل مكتبة الكتب الموجودة في الغرفة، وهي تشير لاهتمامات شخصية سالي، المتمثلة في حبها لقراءة الروايات، وقد تم توظيف عنصري الموسيقي، والمؤثرات الصوتية، بشكل جيد، حيث تم ربط كل شخصية، بموسيقى خاصة بظهورها، مثل شخصية نورا، وشخصية عبد العزيز، وأغنية أم كلثوم” بعيد عنك” كخلفية للمشاهد الخاصة، بسالي وشريف، وتعزيز حالة التناقضات بينهما.
و لعب عنصر الإضاءة أيضاً، هو الآخر دوراً مهماً ، في تعزيز الجو الدرامي، فقد تنوعت الإضاءة، ما بين الإنارة العامة، والإنارة الخاصة، عند تسليط بؤرة الضوء، على ممثل بعينه، مثل مشهد هاني، وهو يلقي مونولوجه عن حياته الشخصية، ومشهد المواجهة بين شريف وهاني، حيث تحولت الإضاءة، للون الأحمر، نظراً لصراع الحب الخاص بسالي.

تصوير: سمير سعيد
تصوير: سمير سعيد

بعيد عنك..حياتي عذاب:
الموسيقى، أو الأغاني، عناصر فريدة، لها مكانتها الخاصة، وسط مجموعة كبيرة من عناصر المسرح، فعند ربط مضمون الأغنية، بمضمون العرض، ينتج عنه تعزيز الحالة الدرامية في وجدان الجمهور، بشكل أكبر، ويظل آثر هذا الربط في ذهن المتلقي، فكان المشهد الآخر، بين سالي وشريف، منسجماً مع كلمات أم كلثوم “بعيد عنك”، فيمكن وصفه بال ​Master scene في العرض، ويمكن اعتبار هذا العرض، موجهاً بشكل خاص لكل الأزواج، فهو فرصة جيدة، لفتح آفق التفكير، لدى الرجل والمرأة، في كيفية التعامل في العلاقة، وفرصة لبدء اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية، في تكوين علاقة أكثر صحية، متجاوزين بذلك الأفكار التقليدية، التي يدسها المجتمع في العقول، ولكن يظل هناك بعض التساؤلات: هل العرض يدين غريزة، وتركيبة المرأة في تعاملها مع زوجها؟ أم يبرر لها، ويضع المسؤولية على كاهل الرجل، على اعتبار قوامته، من حيث الاحتواء العاطفي، والذكاء في حل الخلافات؟ وهل رسالة العرض، ستصيب الهدف في الاستفادة من الحلول المقترحة، أم ستشعل نيران التراكمات، بين الأزواج؟

تصوير:سمير سعيد
تصوير:سمير سعيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ناقدة- مصر 

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى