إذاعة وتليفزيونرواية

باسمة العنزي: “ملح وسمرة” ومرآة الواقع

باسمة العنزي

مقارعة ضجر الصيف مدفوعة بشيء من الفضول، بالإضافة إلى بضع تعليقات إيجابية قرأتها مؤخراً، قررت أن أشاهد المسلسل المحلي “ملح وسمرة”. كانت الخطة أن أشاهد حلقتين لأحكم على العمل الذي توقعت أنه لن يتجاوز خمس عشرة حلقة، أعترف أنني لم أكن متفائلة بداية!

صادف في الوقت نفسه -أيضاً لمقارعة ضجر الصيف- أنني أخرجت كتاب “العالم” لمايسترو الرواية الإسبانية خوان خوسيه مياس بعد أن خبأته طويلاً في مكتبتي، كنت أخفي كتبه للأيام التي أرغب بأن أقرأ فيها عملاً جيداً وكلي ثقة بمن كتبه، طبعاً رهاني على أعمال مياس لم يخذلني أبداً.

شاهدت الحلقة الأولى من “ملح وسمرة” للكاتب د. حمد الرومي وإخراج علي العلي وبطولة الفنانة هدى حسين، وبعدها مباشرة الحلقة الثانية ومنتصف الثالثة، تصاعد الأحداث وربط الشخصيات بدا موفقاً، مما رفع سقف توقعاتي وجعلني أستمر في المشاهدة على مدى الأيام التالية!

مشهد من مسلسل ملح وسمرة

“ودائماً كان الشارع نموذجاً للعالم”* بدا العمل الدرامي وكأنه يعتمد في سياقه على وضع مرآة عملاقة تعكس صورة الواقع بتفاصيله المحلية التي افتقدها المشاهد في الآونة الأخيرة. فالعائلة بأجيالها الثلاثة بدت واقعية جداً، جدة تمتهن التمريض في مركز صحي وزوجها مدير مدرسة ثانوية، وأربعة أبناء يعملون، لديهم إخفاقاتهم الاجتماعية وهمومهم المتشعبة، وعمة عزباء تسكن معهم تملك روح الفكاهة وتضفي شيئاً من المرح على أجواء درامية تتشابك فيها العديد من المواضيع المهمة.

عائلة لها جيران وأقارب وزملاء عمل ودراسة، بيت عادي وأغاني نعرفها وتفاصيل مألوفة، عالم متكامل نجح الكاتب في بنائه بطريقة فذة!

“داخل وحشة كل يوم تولد لحظات سعادة غير محتملة”* مزيج قصصي تم توزيعه على امتداد الثلاثين حلقة بعناية ودراية، كتابة العمل بدت أكثر عناصره قوة وجذباً.. فحكايات العائلة ذات البشرة السمراء مع العنصرية والتنمر والتحرش والابتزاز والخيانة والعنف وغيرها من المحاور جاء مخففاً بحوار يحمل العمق والبساطة والقرب من المشاهد.

مشهد من مسلسل ملح وسمرة

التطرق لقضايا شائكة جاء ذكياً وغنياً بالأفكار القابلة للنقاش وتبادل وجهات النظر، فمواقف أبطال العمل أتت متباينة أغلب الوقت. العواطف الإنسانية جاءت متدرجة بمختلف أشكالها؛ الغضب، التسامح، الانكسار، العشق، الندم، الانتقام، الخوف. الكل له معاناته كما له لحظات فرحه الخاصة وانتصاراته الصغيرة.

“فإذا شعر أحد بالبرد وهو طفل فإنه سيظل يشعر به طوال حياته”* شعرنا بخوف البطلة من انهمار المطر وقلقها على أبنائها واستقرار عائلتها، كما شعرنا برعبها وهي طفلة منكفئة على سر مؤلم. المشاهد التي تتناوب بين ماضي البطلة وحاضرها جاءت موفقة وأعطت لشخصية البطلة “هند” بعداً أعمق من بقية الشخصيات. توظيف المطر ومشهد الطفلة على الأرجوحة وخلق عقدة البطلة من تقلبات الطقس الغائم خلقت ظلالا نفسية للشخصية.

“كانت تمطر داخل الرواية في بعض اللحظات بنفس اليأس الذي كانت تمطر به داخل حياتي”* مشهد النهاية غير المتوقع بدا مبهجا! احتفالية تحت المطر تجمع العائلة التي مرت بالكثير من الأحداث دون أن تهزم.

غلاف رواية العالم

برع الكاتب في تقديم مشكلات المجتمع وهمومه دون الإبحار بعيداً، كما أضفت شخصية العمة “نورة” التي قامت بأدائها الفنانة سحر حسين في خلق جو لطيف من المرح في محيط الأسرة التي تحاول البقاء متماسكة.

“العمل، الموهبة، القوة، الحماس.. كل ذلك يصنع الرواية”* الكتابة القريبة من الواقع، الواعية، المتعاطفة مع الآخر، ذات الحس الإنساني العالي بالتأكيد تصنع عملاً درامياً يستحق المشاهدة! ولو أخفقت بقية العناصر في أن تكون بمستوى النص ولن يتسع المجال هنا لتناول عناصر ضعف واضحة تخللت العمل من تمثيل وإخراج وتصوير.

أنهيت كتاب “العالم” الذي بدا سيرة ذاتية عن طفولة مياس ومعاناته وعائلته -وليس رواية كما كتب على الغلاف- كما أنهيت مسلسل “ملح وسمرة” في نفس التوقيت، ومثلما سأنتظر أي عمل جديد مترجم لمياس بالتأكيد سأترقب أي عمل درامي جديد للكاتب حمد الرومي لمشاهدته بسقف توقعات مرتفع.

__

 *العبارات من رواية “العالم” للكاتب الإسباني خوان خوسيه مياس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة الجوائز.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

روائية وقاصة ــ الكويت

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى