مسرحمشاركات شبابية

آية سيد: كيف تتعامل مع (سالب واحد)؟!

آية سيد سعد الدين★

 عندما يُولد الطفل تقوم عائلته بالنظر إلى أصابع يديه وقدميه وعدِّهم، والتأكد من كونهم عشرة أصابع، ولكن في بعض الحالات، لا يتم النظر إلى الأصابع، إنما يتم النظر إلى ما هو أعمق من هذا، فعندما يُولد الطفل المعاق تنشغل عائلته بحالته المرضية، ويمكن أن لا يتم النظر إلى وجه الطفل بالأساس، وكأنه يُحاسب على ما ولد عليه، وعلى الرغم من أن عملية ولادة الطفل تعد بمثابة معجزة بحد ذاتها، إلا أن ولادة الطفل المعاق، هي كذلك بمثابة معجزة مخيبة للأمل عند بعض الناس.

 تم تقديم العرض المسرحي “سالب واحد” على خشبة مسرح الغد بمسرح البالون، ويذكر أن العرض من إعداد محمد عادل، وإخراج عمرو جلال، فكرة العرض المسرحي مقتبسة من رواية “أين نذهب يا بابا” للكاتب الفرنسي جون لوي فورنييه، تدور الرواية حول معاناة رجل، نتيجة إنجاب طفلين غير طبيعيين، أما العرض المسرحي ” سالب واحد” فهو يدور حول عائلة صغيرة مكونة من أب وأم، وطفل، يعاني الطفل من إعاقة جسدية، تجعله غير قادر على النطق أو الحركة، على الرغم من العلاقة العاطفية التي سبقت زواج الأب والأم، إلا أن ذلك لم يمنع النزاع، وحالة التفكك، التي وصلت إليها العائلة بعد المعرفة بإعاقة طفلهم، يلقي كل واحد منهما اللوم، ومسؤولية مرض الطفل على الأخر، غير منتبهين لتأثير ذلك على الطفل، الذي يسمع جميع أحاديثهم بالتفاصيل.

يسود الظلام جميع أرجاء المسرح، لينبعث ضوء في أحد جوانب المسرح، ويظهر شخص يتحدث إلى الجمهور بشكل مباشر، ويتضح من ذلك أنه الراوي، ويقوم بدوره (أحمد حسنين)، ويتحرك هذا الشخص في خط مستقيم ممسكاً في إحدى يديه مكعب روبيك، ثم يقوم بتعريف الجمهور على الشخصيات المسرحية.

 تم تجسيد العلاقة العاطفية بين الأب (محمود إسماعيل) والأم (هالة فؤاد) في مشهد مبسط، بداية من لحظة تعارفهم لأول مرة، ثم مرحلة الاعتراف بالحب، والتي يليها مرحلة الزواج، ولهفة الأب والأم على الإنجاب بعد فشل محاولتهما الأولى، وكل تلك المراحل تم عرضها في لحظات قليلة، تتخللها الإضاءة السوداء، فانبعاث الضوء على الأب والأم، كان يمثل مرحلة تختلف عن الأخرى.

 يحاول الأب والأم معالجة الطفل على يد الطبيبة، التي لا يصدر منها إلا الاستهزاء والاستهتار بحالة الطفل، حتى وصل سنه إلى خمسة عشر عاماً، بعدها يحاول الأهل إحضار معلم ذي شهرة، يقوم بإرشاد الطفل وتعليمه النطق بغير جملة “هنروح فين يا بابا”، ولكن هذا المعلم لم يتعامل مع الطفل بطريقة مناسبة مع حالته الصحية، بل يقوم بتعذيبه.

اِستخدام شخصية الطبيبة، وشخصية المعلم، إشارة إلى الجهات الصحية والتعليمية، التي لا تجيد التعامل مع الأشخاص، ذوي القدرات الفائقة، خاصة الأطفال، فلم يتم التعامل معهم بطرائق مختلفة عن الأطفال الأخرين.

 بعد فشل المحاولات الطبية والتعليمية في تحسين حالة الطفل، يلجأ الأب والأم إلى طرائق خارج الصندوق، تتمثل هذه في الشعوذة والدجالين، فيتم إحضار دجال كي يقوم بمعالجة الطفل، لا تختلف طريقته عن الطرائق السابقة، بل تكون أشد تعذيباً، وعلى الرغم من أن الأم كانت ترفض هذه الطريقة، إلا أنها اتبعتها لتحسين حالة ابنها، كما أن الدجال يسيطر عليهما من خلال ادعاء قدراته في شفاء ابنهما، وقد ظهرت سيطرته من خلال وقوفه في مستوى أعلى منهم.

 الحوار في العرض المسرحي يغلب عليه المونولوج، نظراً لأن المونولوج من أسهل أنواع الحوار، التي توصل إلى الجمهور، معاناة الشخصية ، فقد كان هناك حوارات بين الأب والأم وبين الجيران، إلا أن المونولوج كان مسيطراً على العرض المسرحي، حيث انفرد كلٌ من الأب والأم في مونولوج خاص، يعبران فيه عن أفكارهما، وصراعاتهما الداخلية نحو الطفل، فالأب كان يتمنى أن يكون لديه ابن يرثه في كل شيء، يستطيع أن يفتخر به أمام الناس، كما أنه فكر في أن يقتل الطفل، حتى يتخلص من العبء الذي يحمله، وبالتالي يتضح أن الأب تفكيره حاد مثل الآخرين، على عكس الأم، التي تغلب العاطفة على مونولوجها ، فهي لا تريد سوى أن ينطق طفلها باسم ماما، وعندما يتشكل الخطر حول طفلها، تقوم الأم بمواجهة هذا الخطر.

 أما الطفل ( قام بدوره أيمن عبد اللاه) فلم ينطق إلا بجملة “هنروح فين يا بابا” وهذا ما يبدو للجميع، حيث إنه يدور بداخله حوارات مع نفسه، يوجه الكلام إلى الجميع، ولكن لا يسمعه أحد، ويتضح ذلك من خلال الراوي (الطفل بصورته السليمة) وبالتالي يتضح سبب الطريقة، التي يسير بها الراوي في خط مستقيم، ومكعب روبيك الذي يمسكه، وتواجد يديه بجانب جسده، كل ذلك يفسر الحالة النفسية، التي يعاني منها الطفل، في ظل محاولة الأب والأم للبحث عن طريقة من أجل شفاء طفلهم، كان الطفل أيضاً يقوم بالبحث عن شيء يهون عليه ما يدور برأسه، وبالفعل نجح في ذلك من خلال خلق صوت وهمي عذب، يستطيع الطفل من خلاله، الابتعاد عن كل ما يدور حوله، وقد ظهر هذا الصوت في العرض على هيئة فتاة ترتدي فستاناً أبيض، وكأنها ملاك، والاستعراض الذي يجمع بين الطفل والفتاه، يبرز نجاح الطفل في الهروب من الضغوط النفسية.

 الديكور في العرض المسرحي( صممه أمجد ماجد)، عبارة عن سرير، أشبه بسرير المستشفيات في أحد جوانب المسرح، وفي الجانب الآخر بعض قطع الأثاث المكونة من كنبة، وغسالة، وثلاجة، وهو الجانب الأكثر فوضوية، حيث إن الملابس موجودة بشكل عشوائي على الأرض، لتوضيح نمط حياة هذه العائلة، أما الكنبة فقد كان يختلف تكوينها حسب الحالة، التي تمر بها العائلة، تارة تكون الكنبة مفككة، وتارة في مستوى واحد، وكان الجانب الآخر الأكثر هدوءاً، حيث كان يجلس فيه الطفل بهيئته السليمة، وهو يتحدث مع الجمهور، وكأن هذا يتم في أحد جوانب عقل الطفل.

 ظلت جميع الشخصيات المسرحية، مرتدية نفس الملابس طوال الأحداث المسرحية، لتوضيح أن الشخصيات المسرحية، ظلت متمسكة بنفس أفكارها ومبادئها، ولكن كان يتم إدخال بعض القطع البسيطة على الملابس، لكي تخدم المشهد المسرحي، كتغيير الحجاب الخاص بالأم، فالحجاب في فترة الشباب يختلف عنه في الفترة الأكثر نضوجاً، وأيضاً ارتداء الأب نظارة، لتدل على كبر السن، ومرور خمسة عشر عاماً.

 أما ملابس الطفل، فيظهر الطفل المعاق مرتدياً ملابس أطفال، حتى عندما كبر بالسن، على عكس هيئته السليمة، التي ترتدي بنطالاً وقميصاً، دلالة على رؤية والديه، أنه سيظل طفلاً مهما كبر سنه.

 نجح الطفل في نقل الحالة النفسية، التي يعاني منها من خلال الأداء الحركي له، وذلك خلال مشهد الدجال، وطريقة تعذيبه للطفل، فظهر بثلاث هيئات – الطفل المعاق، وصورته السليمة، والفتاة ذات الصوت الوهمي- جميعهم كانوا في صراع، يحاولون الهروب من ذلك المشعوذ.

عبَّرت موسيقى مصطفى يسري، وأشعار سامح رخا، عن المشهد الذي ظهرت فيه، وكأنها مونولوج للطفل، تحمل كلمات معبرة عن حالته.

 كان اللون الأحمر يسيطر على المشاهد، التي يتم تعذيب الطفل بها، وعلى الشخصيات التي قامت بالتعذيب، كما كان اللون الأزرق منبعثاً على مكان جلوس الطفل، للشعور بالهدوء، على عكس اللون البرتقالي، الذي كان مسلطاً على الراوي أثناء حديثه، ليبرز الصراعات التي بداخل الطفل.

يقتنع الأب والأم بضرورة نقل الطفل إلى مصحة من أجل مصلحته، ويدور الحديث أمام الطفل، ليقرر الطفل قبل انتقاله، أن يتخلص من كل هذه الضغوطات التي يعاني منها، والتي يسببها لوالديه من وجهة نظر المجتمع، فينام على الأرض معلناً رحيله، ويظهر في يديه مكعب روبيك، بعد حله بالكامل، وبالتالي التخلص من كل الصراعات النفسية الداخلية، بسقوط الطفل على الأرض، تسقط النبتة الصناعية، التي كان يرويها الأب كل يوم بمثابة البديل الموضوعي للطفل، عند ولادة الطفل المعاق، تحزن عائلته، لأنه شخص غير كامل، ولكن عند وفاته، يتم الحزن عليه، مثله، مثل أي شخص كامل آخر.

 اِستطاع الممثلون نقل الحالة النفسية الخاصة بكل واحد إلى الجمهور، وقد ساعد على ذلك التقارب بين الجمهور، وبين الفضاء المسرحي، على الرغم من أن فكرة العرض المسرحي، مباشرة، إلا أن المخرج عمرو جلال، اِستطاع تقديمها بشكل درامي مسرحي متميز.

 

سالب واحد

إعداد: محمد عادل، إخراج: عمرو جلال، تمثيل: محمود اسماعيل، هالة فؤاد، أحمد حسنين، أيمن عبد اللاه، هدى المصري، أسماء أبو إبراهيم، علاء ديغم، محمود أبو لمون، طه أبو الفتوح، أحمد حامد، هنا عمرو، أمنية الخطيب.

موسيقى وألحان: مصطفى يسري، أشعار: سامح رخا، ديكور وملابس: أمجد ماجد، مخرج منفذ: أحمد ماميش، تنفيذ ديكور: إبراهيم موسى.

ــــــــــــــــــــــــــــ

★ باحثة ماجستيــر ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى