نهلة إيهاب: “شارع ٣٠.. شقة ٩” ..حالة استثنائية للمسرح كنشاط فني جماعي.


نهلة إيهاب ★
يُعتبر المسرح – على طول تاريخه – أكثر الفنون عامة التصاقاً بالمجتمع، فهو نشاط جماعي في مرحلة الإعداد والتنفيذ، ونشاط جماعي أيضاً في مرحلة التلقي ؛ يرتبط المسرح أكثر من غيره من الفنون” بالحياة ” فهو نشاط إنتاجي جماعي جدلي ، تتحول فيه الممارسة الإبداعية إلى ممارسة اجتماعية معرفية ؛ لذلك فهو واحد من الأنشطة الإبداعية القليلة الباقية ، التي تجعلنا نمارس حقيقة الفعل الجماعي والتفاعل ، ولو لفترة موقوتة .

من هذا المنطلق قدَّم فريق مسرح “نادي الزهور الرياضي” ، وفي إطار النشاط الفني للنادي؛ العرض المسرحي “شارع ٣٠.. شقة ٩” ؛ تألف : أحمد الملواني ، و إخراج : محمد جبر ، تحت إشراف منسق عام لجنة الشباب د. أيمن بيرم ، ود. نشوى النحاس، إداري الفريق: عماد جميل ؛ إشراف عام المستشار “د. محمد الدمرداش” رئيس نادي الزهور.

فحين يخرج عرض مسرحي متكامل العناصر الفنية من مؤسسة مغايرة عن المؤسسات الفنية، أو الثقافية؛ فذلك يتطلب المزيد من الحرفة والاحترافية، والخطة الإنتاجية الواعية، وذلك ما تجلَّى بوضوح في العرض المسرحي “شارع ٣٠ .. شقة ٩”

نص سلس، ومخرج متمكن من أدواته
فبرغم من بساطة النص المسرحي “لأحمد الملواني” إلا أنه” نص مسرحي” ذو خطوط درامية عريضة ؛ يسمح بالتداخل السلس لخطوط درامية فرعية أخرى، وبشكل مرن لا يخلو من الضحك والفكاهة ؛ مما يسمح لشخصياته الدرامية بمساحات من الارتجال المنظم.
حيث تدور أحداث العرض داخل إطار كوميدي اجتماعي يُسَلَّطُ من خلاله الضوء على مشكلات الشباب في العصر الحالي؛ حيث يناقش العرضُ التحديات، التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية من الصراعات الشخصية والنفسية، في ظل الضغوطات المجتمعية “صعوبات العمل ، والأحلام المؤجلة ، تشابك وصراعات العلاقات الإنسانية …” وذلك بأسلوب ساخر، ومواقف مليئة بالكوميديا .

وفي تناوله الإخراجي للنص؛ أفصح المخرج المتميز “محمد جبر” عن فهم ذكي لفهم النص، ولطبيعة المشكلات الاجتماعية؛ تجلَّى ذلك بوضوح في اختياره المرهف لمفردات العرض من ديكور، وملابس، وموسيقى، وممثلين؛ حيث اعتمد المخرج على التشكيل الحركي والتوزيع المكاني والضوئي والصوتي، في تجسيد الدلالة المسرحية .

فبرغم من بساطة الديكور لـ” محمود صلاح” ذي المنظر المسرحي الواحد، وهو ” الشقة ” إلا أنه أصبح عنصراً درامياً فاعلاً ؛ يُبَسِّطُ دلالات الحدث، ويكثفها شعورياً من خلال الموتيفات المسرحية البسيطة، والاستغلال الجيد لعمق خشبة المسرح .
كما ساعدت الاستعراضات إلى جانب الأشعارلـ” طارق علي” ، والألحان والتوزيع الموسيقي لـ”إبراهيم الطرابيشي” ، والإعداد الموسيقي لـ “إسلام علي” ؛ في إيجاد تناغم هارموني بين الأحداث والشخصيات، مما ينقل العرض إلى نوعية المسرحيات الغنائية والاستعراضية .
كما لعب المكياج دوراً فعالاً في تحديد ملامح وانفعالات الشخصيات بشكل واضح، ومميز لطبيعة كل شخصية درامية ؛ متوافق ومتوازن مع درجات الإضاءة بشكل كبير؛ فقد لعبت الإضاءة لـ ” أبو بكر الشريف” دوراً فعَّالاً في دعم “الجو العام” للعرض المسرحي، وإضفاء البهجة والمرح؛ كذلك الملابس جاءت مناسبة لروح العرض وملائمة للشخصيات الدرامية .

أداء تمثيلي مفعم بالطاقة والحضور المسرحي
من خلال الحرفية والمهارة، التي يمتلكها المخرج ” محمد جبر ” في السيطرة علي مجاميع من الموهوبين ذوي المراحل العمرية المختلفة، اِستطاع أن يملأ خشبة المسرح حيوية وتوهجاً بأكثر من 18 ممثل وممثلة ؛ نجح المخرج في إيحاد ثنائيات درامية قوية ومميزة، تعطي للمتلقي حالة من البهجة والمتعة أثناء المُشاهدة ؛ قدَّمها “بالتبادل الثنائي” بين كل أعضاء فريق مسرح نادي الزهورالرياضي؛ كما نجح في تسكين الأدوارالمسرحية بشكل احترافي متمكن من إعداد الممثل بشكل جيد .
فقد تميز كل من ” لؤي رشاد ، يوسف حسن ، محمد عثمان ، رنا طارق ، سارة طلعت ، عمر عدلي ، وليد الجمال ، أميرة جواد ، أوركيد عبد الفتاح ، طارق إسماعيل ، نسمة الخشاب ، ياسين البربري ، حسين زوربا ، حسين أشرف ، فهد محمد ، مريم عمرو ، نورهان نبيل ، ياسر عمرو ” حيث قدَّموا “الشخصية الدرامية ” بشكل مُتقن شكلاً ومضموناً ؛ بحرفية مسرحية شديدة، وحضور مسرحي قوي .

هكذا قُدِّمَ العرضُ المسرحي ” شارع ٣٠ .. شقة ٩” تأليف “أحمد الملواني ” ، إخراج” محمد جبر” على خشبة مسرح” جراند طيبة مول” ، وتحت قيادة الفنان” تامر كرم ” ؛ من خلال إطار اللعبة المسرحية، التي بطبيعتها “لعبة تنورية” ، وشرط تحقيقها هو الحرية، وجرأة المغامرة والسؤال…
لذلك يبقى ويظل المسرح نشاطاً معرفياً يسعى إلى تنوير النفس الإنسانية ؛ من خلال الحفاظ على النشاط المسرحي، وإبقائه حياً ومتجدد الدماء؛ برؤىً فنيةٍ واضحةٍ، وبِطاقات تمثيلية واعدة .

★ناقدة ـ مصر .