خالد الرويعي: في ذكراه الأولى “عبد الله السعداوي “… إنَّهُ كَانَ عَالِمًا مَسْرَحِيًّا.


خالد الرويعي★
أستعدُ للقاءك… لكني لم أعرف أني أستعدُ لمواراتك الثرى.
وَأَمَّا مَسْرَحِيًّا… فَهُوَ شَيْخُنَا الَّذِي حَازَ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَكَأَنَّنَا كَوَاكِبُ نَسْبَحُ فِي فَضَائِهِ. فَهُوَ العَارِفُ الَّذِي أَدْرَكَ، فَعَمِلَ بِمَا أَدْرَكَ، وَزَادَ فَزَادَنَا. فَمَا نَحْنُ إِلَّا فَيْضٌ مِنْهُ. فَلَمْ يَشْغَلْهُ شَيْءٌ فِي الحَيَاةِ سِوَى المَسْرَحِ.
فَإِذَا جَلَسَ لَمْ يَدَعْ لَنَا مَا نَقُولُهُ، بَلْ يَدَعُ لَنَا مَا أَلْهَمَنَا بِهِ. يَعْجِنُ بَيْنَ رَاحَتَيْهِ عُلُومَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَيُصَيِّرُهَا مَسْرَحًا. فَكَيْفَ بِهِ وَهُوَ يَقْرَأُ الجَمَالَ فِي المَسْرَحِ وَيَجْعَلُهُ حُرُوفًا تُقْرَأُ. وَهَذِهِ مَكْرُمَةٌ لَا تَسْتَقِيمُ لأَحَدٍ. فَعِلْمُ الجَمَالِ فِي العَرْضِ المَسْرَحِيِّ لَا يَرْتَكِزُ عَلَى تَحْلِيلِ العَلَاقَاتِ السِّيمِيُولُوجِيَّةِ لِلْعَرْضِ، وَلَا عَلَى نَظَرِيَّاتِ مَوْتِ العَرْضِ المَسْرَحِيِّ – كَمَا مَوْتِ المُؤَلِّفِ لَدَى رُولَانْ بَارْتْ – وَمَبْعَثِهِ فِي ذَاتِ وَمُتَخَيَّلِ المُتَفَرِّجِ. فَالعَرْضُ يُنْتِجُ جَمَالِيَّاتِهِ الخَاصَّةَ. ثُمَّ يُحَدِّثُكَ بِهَا وَكَأَنَّكَ تَلْهُو بِجَمَالِيَّةِ العَرْضِ بَيْنَ يَدَيْكَ.

وَأَمَّا عَالِمًا. فَيَضَعُكَ أَمَامَ الامْتِحَانِ الأَعْظَمِ… فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَكَذَا المَسْرَحِيُّ وَإِمَّا فَلَا. فَهُوَ قَرِينُ الكِتَابِ. المُتَذَوِّقُ لِمَا بَعْدَ الغِلَافِ، الكَاشِفُ مَا بَيْنَ السُّطُورِ. المُحِيلُ لِمَا قَالَ ذَلِكَ وَذَاكَ، المُطَّلِعُ عَلَى حُرُوفِ العَرَبِ وَالأَعَاجِمِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ. المَشْغُولُ بِالمَعَارِفِ وَالمُمْتَنُّ لِلْعَارِفِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ دَأْبُ الكِبَارِ. لَمْ يَكْبَرْ عَلَى أَحَدٍ. وَلَمْ يَصْغُرْ فِي حَضْرَةِ أَحَدٍ. ذَلِكَ هُوَ عَبْدُاللَّهِ السَّعْدَاوِيُّ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ بِهِ.
لَكِنَّهُ حَاضِرٌ فِي التَّفَاصِيلِ أَيْضًا. وَهَذَا مَا لَمْ يُدْرِكْهُ أَحَدٌ. فَهُوَ الحَيَاةُ كَوْنُهَا حَيَاةً. فَرَحُهُ المُمتَدُّ وَمَقْدِرَتُهُ عَلَى تَفْرِيقِهِ بَيْنَ مَنْ حَوْلَهُ. وَعَطَاءُ الجَبَلِ الَّذِي يُشْبِههُ.. يَقْتَنِصُ الغَيْمَ فَيُوَزِّعُهُ مَطَرًا عَلَى مَنْ حَوْلَهُ. الزَّاهِدُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. مَنْ تُسْعِدُهُ لُقْمَةٌ بَسِيطَةٌ وَشَرْبَةُ شَايٍ أَوْ قَهْوَةٍ.
وَمِنْ تِلْكَ التَّفَاصِيلِ أَذْكُرُ مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا. وَلَوْ أَنِّي أَخْشَى مِنْ أَنْ أَبُوحَ بِسِرِّهِ، لَوَدِدْتُ أَنْ أُفَصِّلَ وَأَزِيدَ، ثُمَّ أَنْثُرَ سِيرَتَهُ بَيْنَ النَّاسِ لِيَعْرِفُوا مَنْ فَقَدُوا:
مَا بَالُكَ تُصَلِّي طِوَالَ اليَوْمِ وَكَأَنَّكَ سَتَمُوتُ غَدًا؟
أُرِيدُ أَنْ أُعَوِّضَ مَا فَاتَنِي.
مابَالُكَ تَصُومُ يَوْمًا وَتَتْرُكُ يَوْمًا؟
أَخْشَى أَنِّي نَسِيتُ يَوْمًا.
مَا بَالُكَ تُصَلِّي وَكَأَنَّكَ “جَعْفَرُ الطَّيَّارُ”؟
أُرِيدُ أَنْ أَخْلُوَ بِرَبِّي.
مَا بَالُكَ تَقْسِمُ أَمْوَالَكَ الزَّهِيدَةَ وَكَأَنَّكَ قَارُونُ؟
هِيَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، سَيُعْطِينِي غَيْرَهَا.
مَا رَأْيُكَ فِي فُلَانٍ؟
وَمَنْ أَنَا لِأَقُولَ رَأْيِي فِيهِ؟وَفُلَانٌ؟
أُسْتَاذٌ كَبِيرٌ وَمُعَلِّمٌ.
لِمَاذَا لَمْ تُلَقِّنْهُ دَرْسًا؟
لِمَاذَا؟ رُبَّمَا كَانَ فِي مِزَاجٍ غَيْرِ المِزَاجِ الَّذِي نَعْرِفُهُ، غَدًا سَيَأْتِي مُعْتَذِرًا… فَيَأْتِي ذَلِكَ الغَدُ وَيَأْتِي مُعْتَذِرًا… أَلَمْ أَقُلْ لَكَ؟
فِي ”حَيِّ الحُسَيْنِ“ يَتَجَمَّعُ حَوْلَهُ الفُقَرَاءُ وَالمُحْتَاجُونَ، فَيُعْطِيهِمْ فَرْدًا فَرْدًا… وَهَكَذَا فِي كُلِّ عَامٍ.

فِي سَيَّارَاتِ أُجْرَةِ القَاهِرَةِ… لَا يَأْخُذُ السَّائِقُ أُجْرَتَهُ مِنْهُ… فَكَانَ كُلُّ مَكَانٍ يَحُلُّ فِيهِ، تَكُونُ البَرَكَةُ فِيهِ.
يَسْتَحِقُّ مُكَافَأَةً بِمُنَاسَبَةِ فَوْزِهِ… ثُمَّ يُوَزِّعُهَا عَلَى مَنْ حَوْلَهُ.
٣٠٪ لِلْكُتُبِ – ٣٠٪ لِأَكْلِهِ – ٤٠٪ لِأَهْلِهِ.
أَيْنَ نَصِيبُكَ؟
لَا أَحْتَاجُهُ… أَعْطَيْتُهُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ.
اطْلُبْ لِي فُلَانًا فِي الهَاتِفِ.
لِمَاذَا؟
لِأَنِّي لَمْ أَرَهُ مُنْذُ مُدَّةٍ.
اشْتَقْتُ إِلَيْكَ…
هَكَذَا يُعَبِّرُ عَنْ مَشَاعِرِهِ بِبَسَاطَة.
أَنْتُمْ أَوْلَادِي… لَا أُحِبُّ أَنْ يَتَطَاوَلَ أَحَدٌ عَلَيْكُمْ… لَقَدْ وَبَّخْته.
إِيَّاكَ أَنْ تَسُبَّ أَحَدًا.
المَسْرَحُ الَّذِي لَا يُعِيدُ تَرْتِيبَ إِنْسَانِيَّتِكَ لَيْسَ بِمَسْرَحٍ.
يُؤَلِّفُ قُلُوبَ الأَحِبَّةِ وَيَكْرَهُ الجَفْاء.
لماذا تجمع أشيائي؟
من أجل حفل تأبينك.
(……….)
ما هذا؟
هذا من أجل حفل تأبيني.
لكني لم أعرف أنك تريد الذهاب هكذا وبسرعة.. لم أعرف أنك زهدت كل شيء. حتى زهدت نفسك.
1991
أريد أن أخرج مسرحية من مسرحيات ”طاغور“.
1993
لماذا اخترتني؟
كنت أريد أن أخلص ”طاغور“ منك… ثم يضحك
أغرقني في الليل.. ثم صحى مبكراً.
★مخرج مسرحي ـ البحرين.