حصة الحمدان: “غازي القصيبي”.. في ذكرى ميلاده!


حصة علي الحمدان★
هناك شعراء بصماتهم خالدة في الصميم، و كتاباتهم مُلهِمة للروح، تأخذك إلى عالم آخر، إلى كوكب تصنعه روايات الحُب؛ حيث نفارق نهاياتها، بألم يعتصر قلوبنا، فهي لا تودُّ الرحيل عن صفحاتها العذبة، وكلماتها الساحرة، التي تشبه رائحة العود.
هكذا رحل عنا الشاعر السعودي غازي القصيبي، الذي تركنا نعيش مع قصائده الخالدة، وأسلوبه الراقي؛ حيث توفي رحمه الله في الرياض بمستشفى الملك فيصل التخصصي، قبل خمسة عشر عاماً.. بعد حياة حافلة بالإنجازات.
القصيبي الذي ولد في مثل هذا اليوم وتحديداً 3 مارس 1940، اِستوطنت إبداعاته قلوب الجماهير، خاصة الذين يملكون ذائقة مميزة، ومشاعر فاتنة ككتاباته.. وهذا ما يجعلنا نحتفل في شهر مارس بذكرى ميلاد شاعر أتقن رقة الكلمة، ونقاءَها، التي تشبه نقاء المياه وعذوبتها.
علاقة غازي القصيبي في الشعر
بدأ غازي القصيبي رحلته مع القراءة خلال سن السادسة من عمره؛ حيث أتقن القراءة بشكل كامل في حدود عمر السابعة، ثم بدأ يقرأ الكتب كلياً حين دخل عامه الثامن ، إذ كشف في إحدى لقاءاته بأن قراءته آنذاك تقتصر على كتابات الأديب كامل الكيلاني، الذي اشتهر بكتابته للأطفال، أما انطلاقته في كتابة الأشعار، فقد أشار القصيبي بأنها كانت في حدود سن العاشرة من عمره، واستمَرَّ إلى أن كتب أول قصيدة في سن الثانية عشرة، والتي كان وزن أبياتها ركيكاً.. حيث لم يتوقف شاعرنا غازي القصيبي إلى هذا الحَدِّ فقط ، بل استمر في محاولاته بالكتابة حتى نُشرت أول قصيده له في الرابعة عشر من عمره في إحدى الصحف البحرينية.

كانت أغلب قصائد الشاعر الراحل غازي القصيبي عن القضايا القومية بشكل عام ، والقضية الفِلَسطينية بشكل خاص، ثم خلال دراسته في الثانوية العامة خُلدت علاقته بكتابة الأشعار؛ فكان يشارك تحديداً في النشاطات المسرحية.
تطورت علاقته بالشعر عند دخوله كلية الحقوق، ففي تلك الفترة، التي كان فيها طالباً في الكلية، طُبعت أول مجموعة شعرية له في القاهرة، بعنوان (جزائر اللؤلؤ)، وفي مرحلة دراسته للماجستير طُبعت مجموعته الشعرية الثانية بعنوان(قطرات من ظمأ)، فيما بعد، وأثناء فترة تحضير القصيبي للدكتوراة؛ طُبعت المجموعة الشعرية الثالثة بعنوان (معركة بلا راية)، وبعد عودته للرياض؛ طُبعت مجموعته الشعرية (أنت الرياض).. ومن ثَمَّ استمر غازي القصيبي بنشر مجموعاته الشعرية مثل مجموعة (الحمى)، و (العودة إلى الأماكن القديمة)، و(حديقة الغروب)، (للشهداء)، و(البراعم)، و(قراءة في وجه لندن)، و(سحيم)، و(عقد من الحجارة)، و(مرثية فارس سابق)، و(في ذكرى نبيل)، وغيرها من الأعمال الشعرية، التي تعلقت بها القلوب.
غازي القصيبي والرواية
أبدع الكاتب غازي القصيبي في مجال الرواية أيضاً، إذ كتب عدة روايات؛ طرح فيها أفكاره الخيالية، وآراءه بطريقته الخاصة، وكان الذي يميز الكاتب غازي القصيبي؛ هو وجهة نظره السياسية الجريئة، التي جعلت رواياته موضع اهتمام الناس، مثل رواية(سعادة السفير) المليئة بالإسقاطات السياسية المطروحه بشكل عبقري من قبل القصيبي، وأيضاً لغازي القصيبي أسلوبٌ مغايرٌ؛ شُبِّه بالكوميديا الساخرة؛ حيث طرح أفكاره في رواية (أبو شلاخ البرمائي) بالسياق الساخر لبطل الرواية، الذي يقضي وقته بالكلام الكاذب مع أحد الصحفيين.. نظراً لنجاح الرواية، وجذبها لانتباه القراء، والمهتمين بالأدب ، تم اقتباس الرواية كمسلسل، وكعمل مسرحي..، لم يكتفِ غازي القصيبي بتلك الأفكار العبقرية فقط، بل اتجه لكتابة رواية (سلمى) إذ وَظَّفَ فيها المرأه العربية الأصيلة من طباع وعادات وتقاليد ومعتقدات …كان للقصيبي فكرٌ مختلفٌ؛ نجده في رواية(شقة الحرية)، التي تدور أحداثها حول أربعة شباب من دول الخليج؛ يواجهون مع بعضهم المواقف والأحداث، التي اختلفت عنهم من ناحية خروجهم من المجتمع الخليجي إلى المجتمع المصري، الذي يحمل فروقات بشكل كبير وواضح بين المجتمعين ، كما حملت الرواية إسقاطات سياسية ، وإسقاطات دينية، مثل المذاهب، وغيرها.، ولا يمكننا أن ننسى الرواية، التي حصدت المرتبة الـ 35 ضمن أفضل مئة رواية عربية، وهي رواية (العصفورية)، التي تحدَّث فيها القصيبي عن مستشفى الأمراض النفسية، ولا تخلو روايات القصيبي من التطرق إلى الشخصيات السياسية، وغيرها.. ولدى القصيبي روايات أخرى، مثل رواية (سبعة) ، ورواية (دنسكو)، ورواية (حكاية حب)، …إلخ
غازي القصيبي والإدارة
أصدر غازي القصيبي كتاباً بعنوان(حياة في الإدارة)، مشيراً بالسبب الأول لهذه الفكرة ؛ اقترابه من سن الستين، وخوفه من فقدان الذاكرة، ومن هذا القبيل كتب عن سيرته الإدارية، كما وجَّه هذا الكتاب في المقدمة إلى فئتين بشكلٍ خاص، الفئة الأولى هي أبناء الجيل الصاعد؛ حيث كان يطمح بهذا الكتاب المُوَجَّه لهم قائلاً “آمل أن يتمكنوا من أن يتذوقوا من خلاله نكهة الثورة التنموية، التي عاشتها المملكة ، والتي كان من قدري أن أعاصرها.”
أما بالنسبة للفئة الثانية، فهي لفئة الإداريين الشباب في القطاع العام والخاص؛ معبراً لهم بكلماته، التي كانت على هذا السياق:”أرجو أن يجدوا في تجربتي الإدارية الطويلة؛ بعض الدروس النافعة ، وأن يستخلصوا منها بعض العِبَر المفيدة، في الإدارة متغيرات كثيرة ، وثوابت أكثر”.
في كتاب “حياة في الإدارة” يسعى الكاتب غازي القصيبي لتقديم مهاراته المتنوعة في حياته، التي نالها من قِبَل عمله في عدة مناصب إلى الشباب للانتفاع منها، وبناءً على ذلك؛ يأتي الكتاب على شكل سيرة ذاتية مقدماً فيها كل ما توفَّر له في حياته الوظيفية، مشيراً بأن الحزم مع السلطة يكملان بعضهما ، فيرى القصيبي بان النجاح يكمن بوجود السلطة مع الحزم، وأن النهضة الإدارية عملية شمولية يجب أن تكون حاضره في شتى الجوانب بوقت واحد، بالإضافة إلى المواقف التي خُلدت بصفحات ذكرياته، وتجاربه العديدة.
غازي القصيبي وحب الكويت
كان الشاعر الراحل غازي القصيبي مغرماً بالكويت؛ حيث قدَّم أمسية شعرية بعد تحرير الكويت، طرح فيها كلماته الشعرية الملامسة للروح ، ومن أشهر أشعاره، التي كتبها للكويت هي قصيدة ( أقسمت يا كويت)، ولم يتوقف غازي القصيبي عند هذا فحسب، بل كان يطرح رأيه، وموقفه الثابت بجانب الكويت، وكلماته الجميلة، التي تُبَيِّن صدق المحبة، التي يُكِنُّها في جوفه.
ولأن دولة الكويت لا تنسى الذين أحبوا هذه الأرض بقلب ينبض بالولاء والصدق، فقد أطلقت اسمه على إحدى مدارس البنين فيها؛ تقديراً لموقفة الثابت تجاه الكويت، ولقيمته الأدبية الكبيرة.
★ناقدة ـ الكويت.