مسرحمشاركات شبابية

سندس حاتم: هل يمكن للناقد أن يصبح ممثلًا!

سندس حاتم★

هل يمكن للناقد أن يصبح ممثلاً، ويعيش حياة الممثل لفترة قصيرة؟! وهل يمكنه أن يمثل على الخشبة، النصَّ الذي أعدّه بنفسه، أو بالأحرى، شارك في كتابته؟!، ليستمع للنقد الذي كان يوجهه هو للممثلين، والعمل الفني!؟

هذا ما فعلناه قبل أيام، تنفيذاً لمشروع قمنا به في النصف الثاني من السنة الرابعة، حين كنا ندرس تخصص النقد والأدب المسرحي، للعام الدراسي ٢٠٢١/٢٠٢٢، من خلال محاضرات مادة “فن كتابة”، للدكتورة سعداء الدعاس، حيث تم إعداد نص “الجدار” عن قصة قصيرة، للكاتب الروسي “بانتليمون رومانوف”.

خطوات الإعداد؟

كنا مجموعة من الطلبة في السنة الرابعة، لم تجرب أناملنا كتابة وإعداد نص عن قصة بهذا الأسلوب من قبل، ولم نَخُض مثل هذه التجربة على الإطلاق، ففي تلك المحاضرة “فن كتابة” تعرفنا على مفهوم الإعداد المسرحي، وأدركنا أهمية الحفاظ على فكرة المسرحية، وكينونة الشخصيات، من خلال صياغتها بشكل مختلف مناسب للمسرح، مع إمكانية اللعب في الحوارات، والاسقاط على الواقع المعاصر.

فريق العمل وضيوف العرض

فمثلاً فكرة “الجدار” كانت موجودة في القصة الأصلية، ولكنها لم تكن ظاهرة بشكل كامل، أي أن الكاتب لم يبيّن كيف أُقيم الجدار، ولا كيف تمت إزالته، كما بيننا نحن في المسرحية المُعدّة، أيضاً لم يكن لضاربات الآلة الكاتبة، أي دور ملحوظ في النص الأصلي، إلا أننا في النص المُعَدّ، جعلنا لهن دوراً بارزاً ومشاركاً في الأحداث، بل ومُعلّقاً عليها أيضاً.

ومن العناصر التي ساعدت على أن يكون هذا الإعداد معاصراً في وقتنا الحالي، وجود بعض الإسقاطات على الفساد والسرقة، التي تحدث في بعض المؤسسات الحكومية، في الكثير من دول العالم.

د. الدعاس تتوسط فريق العمل

نأتي لشخصية (إيفان)، ذلك الرجل الخبيث والمنافق، فهو يعرف كيف يجني المال من لا شيء، ففي النص المُعدّ، أعطينا لإيفان مساحة كبيرة في دوره، وجعلناه يتقن السرقة إتقاناً كبيراً، مستخدماً خبثه، ونفاقه للمدير، وكأنه فن برع فيه، كما أننا أضفنا إلى هذه الشخصية، طابع الكوميديا، مما أعطى للمسرحية طابعاً كوميدياً أيضاً، وخفف من الرتابة والملل، وهذا ما فعله (عبد الهادي حسين)، الذي أدى بإتقان شديد، الشخصية المنافقة المستفيدة من فساد الإدارة.

كما أدخلنا في النص بعضاً من الإرشادات المسرحية، التي لم تكن موجودة في النص الاصلي، مثل: طريقة جلوس الفتيات في المكتب، فجعلنا كل فتاة تجلس وتعطي ظهرها للأخرى- وهذا ما غيرنا في العرض-، كما أبرزنا ملامح، وتعبيرات الشخصيات، مثل الغضب، والاستغراب، والذهول، وبالأخص تعبيرات فتيات الآلة الكاتبة، حين كن يسترقن السمع، وكيفية تعبيرهن عن ضيق المكان، والاختناق، عندما تقع إحدى الفتيات محطمة بعض الآلات، كما تمت إضافة مشهد اجتماع الفتيات، لإنقاذ الفتاة ذات الوزن الزائد، وهذا مالم يكن موجوداً في النص الأصلي.

كيف نعرض بروفة القراءة على المسرح؟

نأتي للمرحلة الأصعب تنفيذاً – من وجهة نظري- وأقصد بها مرحلة العرض، فنحن نريد أن نصنع من هذا النص، الذي ولد من رحم المحاضرات، عرضاً مرئياً أمام الجمهور، ولكن ليس كأي عرض، فقد عرضت علينا د. سعداء، أن يُعرض هذا النص كـ ” بروفة قراءة”، الأمر الذي لم أفهمه حينها، بل إن هذا المصطلح، لم أسمع به من قبل، ماذا تعني بروفة قراءة؟! وكيف نعرضها على الجمهور!؟

من خلال مشاهدتي للكواليس، وبما أنني فرد من الممثلين، فإن بروفة القراءة، هي تدريب على العرض المسرحي، فالممثلون كانوا يمسكون النص المسرحي بأيديهم، ويقرأون أدوارهم، ولكن د. سعداء، أرادت أن نعرض ذلك للجمهور، وكأننا نريد أن نقول للجمهور: إننا لا نمثّل، بل إننا نرتجل أمامكم، وكأن الجمهور يشاهد كواليس العرض، وليس العرض نفسه، فمن الممكن أن نعدّل ملابس بعضنا البعض، أو تسريحات شعرنا أمام الجمهور، بل إننا نقصد كسر الحاجز الرابع، فنحن نمارس ما يسمى ب “بروفة” أي تدريب ما قبل العرض، وعلى ذلك تمت مشاركة اثنين من الجمهور داخل العرض، بالاتفاق معهم، لينضما إلى هذه البروفة، ويقوما بالتغيير والتعديل على أداء الممثل، ولو طلب أحد الجمهور، أن ينضم للبروفة أثناء أدائها، لكنّا وافقنا، وأتحنا له الفرصة.

هذا النص الذي طالما حلمنا برؤيته على الخشبة أثناء المحاضرات، وتخيلنا كل مشهد منه في أذهاننا، وتساءلنا كيف يمكن أن يُمثّل على الخشبة؟

بعد أن أنهينا كتابته بإشراف د. سعداء، وكان لدينا كامل الاستعداد، لتمثيله نحن طلبة النقد، لتكون التجربة الأولى من نوعها بالنسبة لنا، فقد تدربنا منذ البداية، ولكن لظروف خارجة عن الإرادة، تأجل العرض لما يقارب السنة والنصف، ليتم عرضه يوم الاثنين 3/7/2023.

وطوال هذه السنة والنصف، ظل العرض في مُخيلتي، وكنت متحمسة للغاية لأدائه على المسرح، وكنت أقرأ دوري في المنزل مع عائلتي، وأقوم بتمثيل دوري أمامهم، لأسمع آراءهم، ونقدهم حول تمثيلي، وهنا صرت فجأة ممثلة، أستمع لنقد الجمهور، وأحسست بشعور الممثل، عندما يسمع نقداً سلبياً، شعرت كيف يؤثر هذا على دوره ونفسيته، كممثل.

قبل العرض بأربعة أيام، كلمتني الدكتورة سعداء، وفاجأتني بخبر رغبتها بعرض بروفة مسرحية (الجدار)، وأبلغتني أنها تريدني أن أشترك مع الفريق بالتمثيل بصحبة أصدقائي، كنت مصدومة، لأني نسيت أمر العرض تماماً، وقلت في بالي من الممكن أن تكون الدكتورة سعداء، قد صرفت النظر عن الموضوع، خاصةً وأن جميع طلبة الفرقة الرابعة، تخرَّجوا وتفرقوا، وأصبح لكل منهم حياته الخاصة، بعيداً عن المعهد، وأجوائه.

ما تعلمناه في البروفة

على مسرح لوياك تمت بروفة (الجدار)، حيث ذهبنا إلى المقر، وتدربنا لمدة أربعة أيام فقط، لنُخرج هذا العرض بصورته النهائية.

كانت البروفة أول يوم، في قاعة سعاد عبدالله في لوياك، وكنا نجلس على شكل حلقة دائرية، وفي اليوم التالي تدربنا على المسرح، وكانت د. سعداء “دائماً ما تقول لنا: كونوا على طبيعتكم”، لنجعل الجمهور يشعر أن هذه التجربة واقعية بالفعل، وكأننا لا نمثل، بل إننا نتصرف، وكأننا موظفات بالفعل في هذا المكتب الضيق.

عبدالهادي حسين بدور إيفان يهجم على يونس الشرهان بدور المدير

أما أداء إيفان (عبد الهادي حسين)، والمدير (يونس الشرهان)، فكان يعتمد على المبالغة، المبالغة في الضحك، والمبالغة في الانفعال، والمبالغة في الحركة، لأن القصة روسية، وجزء منها يعتمد على المفاجأة، لذلك أرادت الدكتورة سعداء، أن يعتمد الأداء على المبالغة الكاريكاتيرية في التمثيل، فالمبالغة أيضاً تعطي طابعاً من السخرية، والاستهزاء من الموقف، وقضية السرقة.

لم يكن هناك ديكور كما أرادت الدكتورة سعداء، فنحن كنّا نقوم بدور الديكور بحد ذاته، ولم نستخدم إلا كراسي فقط، لنجلس عليها، فقد حرصنا أن يظهر العرض بصورة بسيطة دون تكلف، لأنه في نهاية الأمر “بروفة”.

حتى الجدار، فكرنا كثيراً في كيفية إقامته على الخشبة، ولكن توصلنا الى أنها بروفة قراءة، وبما أن الديكور بسيطٌ، فسنجعل الديكور، عبارة عن كراسي فوق بعضها، وهذا أيضاً أعطى طابعاً من السخرية الكوميدية، فالجمهور لم يخطر بباله، أن الجدار سيكون شيئاً صغيراً، ومتواضعاً بهذه الصورة.

المدير وإيفان يبحثان عن وسيلة لسلب المزيد من أموال المؤسسة

حتى المدير عندما احتاج أن يرفع صوته، قام بتشكيل ورق النص الذي بيده على شكل بوق، ليرفع صوته باتجاه إيفان، الواقف بجانبه على مسافة سنتيمترات قليلة، ولكن كما قلنا سابقاً، اِعتمدنا على المبالغة.

إلى جانب ذلك، حرصنا أن تكون حركات ضاربات الالة الكاتبة، متناغمة ومتناسقة، وكأنها نوتة موسيقية، وهذا يظهر في المشهد الأخير، عندما صعدت الفتاة، ذات الوزن الزائد على الخشبة، لتمثل أنها ستختنق وتموت، كيف كنا متعاونين معاً ، وكأننا جسدٌ واحدٌ بعدة أيدٍ ، كل يد من هذه الأيادي ، تحاول أن تنقذ هذه الفتاة، وتساعدها ، فهناك من تعدل شعرها، وهناك من تستخدم المروحة، حتى لا تختنق الفتاة، ولذلك كانت فكرة إخراج المراوح الملونة، فكرة مميزة، وأعطت طابعاً جمالياً لصورة الفتيات، وظهر مشهد تجمد الفتيات، مشهداً رائعاً، وكأنه لوحة فنية مرسومة، وكان مؤثراً بالنسبة لنا نحن الفتيات، لأننا مبتدئات في التمثيل، وكنا مترددات، يظهر على ملامحنا الخجل والتوتر.

بالنسبة للأزياء، تم استخدام الأوشحة الملونة بألوان زاهية، حيث اعتمدنا على اللون الأسود في الملابس في هذا العرض، حتى لا نشتت أذهان الجمهور، بأي حُلة زاهية، أو ملونة، واكتفينا بكسر هذا اللون الأسود بهذه الأوشحة.

فتيات الآلة الكاتبة

وقد كنا نحن ضاربات الآلة الكاتبة، نضحك كثيراً على أداء الممثلين أثناء عرض البروفة، إضافة الى ذلك أن الكواليس، كانت مليئة بالضحك، من خفة ظل الممثلين حتى كنا ننسجم معهم، وننسى أدوارنا، وهذا بدوره ساعد على إبراز سمة الطبيعية على الأداء والعرض.

وبما أنها بروفة قراءة، اِختارت د. سعداء الممثلة “هيا السعيد”، لتقوم بتقديم العرض، وقراءة الإرشادات لصوتها الجهوري، وأدائها المميز.

هيا السعيد تقرأ الإرشادات المسرحية

وفي النهاية خرجت من هذه التجربة، بكثير من الدروس التطبيقية، التي لولاها لما قمت بدور الممثل على الخشبة، وكيف من المفترض أن يؤدي دوره من غير ميكروفون، حتى يستطيع أن يُظهر موهبته، وإبداعه، بلا أي إمكانيات، أو مساعدات سوى صوته وجسده، لا شك أن هذه التجربة جعلتني أجرأ، وأقوى، فأنا كنت أخجل أن أظهر أمام حشدٍ بسيط من الناس.

بالتأكيد سعدت كثيراً بهذه التجربة، التي أتاحتها لي د. سعداء، وأتمنى المشاركة في عروض أخرى مستقبلاً.

بروفة قراءة لنص: الجِدارُ
نَصٌّ مَسرحيٌّ عَنْ قِصَّةٍ قَصيرةٍ للكاتِبِ الرُّوسيِّ “بانتيليمون رومانوف”
إعداد جماعي لخريجي دفعة العام الدراسي 2021-2022: حصة العيسى – آلاء البرجس- عايشة العبيدان – سندس حاتم – محمد القلاف – عبد العزيز الناصر – حصة التميمي – شهد عادل – منال الشحية – غالية المزيدي – عالية المزيدي
يُقدمها: هيا السعيد – عبد الهادي حسين – يونس الشرهان– علي صالح – حمد الكندري – حوراء إبراهيم – حنين سالمة – حصة العيسى – آلاء البرجس – منيرة العبد الجادر – سندس حاتم
متابعة وتنسيق: حنين سالمة – يوسف العصفور – محمد القلاف – بدر الأستاد
إشراف وتأطير: د. سعداء الدعّاس

ـــــــــــــــــــــــــــــ

★ خريجة قسم النقد والأدب المسرحي ــ الكويت

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى