إذاعة وتليفزيونمشاركات شبابية

بدر الأستاد: لماذا لم يأخذ “عيش أيامك” نصيبه من الشهرة؟!

بدر الأستاد★

كثيراً ما أفتقد الأعمال، التي يعتبرها البعض من أبناء جيلي “كلاسيكية”، حيث إن لها متعة خاصة بالنسبة لي، تحديداً المسلسلات المصرية، التي يكون بطلها، الفنان الراحل نور الشريف، والفنان يحيى الفخراني، والفنانة عبلة كامل، وغيرهم من  نجوم الدراما الفنية المصرية.

مشهد من مسلسل عيش أيامك

قبل أسابيع قليلة، وبينما أنا أستمتع بالبحث عن هذه الأعمال، فوجئت بعمل درامي بعنوان “عيش أيامك” اِجتمع فيه كل من الفنان الراحل نور الشريف، والفنانة عبلة كامل، هذا الثنائي الجميل، الذي اتفق الجمهور بأنه من أفضل الثنائيات الدرامية العربية، من خلال ما قدماه من إبداع تمثيلي في مسلسلهما المميز “لن أعيش في جلباب أبي”، الذي عرض في عام 1996، للسيناريست مصطفى محرم، عن رواية للكاتب إحسان عبدالقدوس، وإخراج أحمد توفيق.

مشهد من مسلسل لن أعيش في جلباب أبي

وبسبب نجاح “لن أعيش في جلباب أبي” تمت الاستعانة بنفس الثنائي، ونفس السيناريست في مسلسل “عيش أيامك”، لكن ما لفت انتباهي، أنه لم يأخذ نصيبه من الشهرة مثل المسلسل الأول، ولم يسلط عليه الضوء، فقررت أن أتابع هذا العمل للمخرج محمد النقلي، والذي شارك فيه نخبة من النجوم منهم الراحلة رجاء الجداوي، وإنعام ابراهيم، وعماد رشاد، ومنى عبدالغني، والراحل محمود الجندي، وغيرهم.

تدور أحداث المسلسل حول سعيد، الذي يعيش مع زوجته ناهد في جو اجتماعي روتيني، فاليوم كأمس، وأمس كما بقية الأيام السابقة، حتى يستشعر بأن الزمن يمضى، والناس من حوله، أصبحوا في خبر كان، من هنا بدأ القلق يسيطر على سعيد، ليقرر الفرار من الحياة النمطية.

مشهد من مسلسل عيش أيامك

فكر فلسفي

تلك الأعمال التي تدور حول شخصيات ذات فكر فلسفي وجودي، تثير انتباهي، وأستمتع حينما أراها، حيث تجعلني أطرح تلك التساؤلات الفلسفية بيني وبين نفسي، ولا مانع لدي أن أشاهد تلك الأعمال مرة أخرى، لأنني أفتقدها في هذه الأيام، بسبب محدودية فكر بعض الكتاب، وأسلوبهم الدرامي الركيك.

في “عيش أيامك” نجد بأن الصراع في هذا العمل بين جيلين مختلفين، جيل الشباب ، والجيل الأكبر سناً، حول فكرة الحرية والقيود، وهي شبيهة بإحدى الأفكار الجانبية في مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي”، ولكن الاختلاف في “عيش أيامك” جاء بين شخصيتي؛  فاطمة وأنيسة، فالأولى لديها قوة التعبير عن الرأي، وتحديد حياتها، واختيار شريك حياتها، والأخرى لا تستطيع أن تقول  (لا)، وهذا واضح منذ بداية الحلقة من خلال نظرة والدتهم ناهد (عبلة كامل) المتحكمة في المنزل، لأنيسه الفتاة المطيعة، التي اختارت لها والدتها زوجها، رغم سلبياته العديدة، وأهمها البخل، في مقابل الفتاة الأخرى، فاطمة المتمردة، التي اختارت زوجها المستقبلي، زميلها في الدراسة.

من جانب آخر برزت فكرة الوجود والاختيار، التي تم مناقشتها من خلال شخصية الأب “سعيد”، حيث أراد الكاتب أن يعبر عن معاناة الجيل السابق، الذي لم يتمتع بحرية الاختيار.

مشهد من مسلسل عيش أيامك

ما الاختلاف بين أعمال اليوم والأمس..؟؟

أكثر ما شدني في هذا العمل، الحوار الطبيعي المتناغم، البعيد عن الخطابات المباشرة، التي أشبه ما تكون بالمحاضرات الجامعية المليئة بالحكم والمواعظ، والتي نجدها منتشرة اليوم في مسلسلاتنا العربية، خاصة الخليجية، وأظن أن السبب في ذلك يعود، لرغبة بعض الكتاب في إبراز ثقافتهم، عن طريق الخطاب المباشر.

في هذا العمل كانت جميع الشخصيات، تعبر عن ما بداخلها في إطار الشخصية وكينونتها، وليس على لسان الكاتب، فنجد نور الشريف “سعيد”، يكرر بمشاعر عميقة، وعبر حوار يومي عادي، كم أصبحت حياته مملة، وأنها عبارة عن قنبلة موقوتة لا بد أن تنفجر، وبالفعل حينما انفجرت تلك القنبلة، بدأ يعيش حياته باختياره، عكس ما حدث معه في كل حياته، حين اختارت له والدته كل شيء حتى زوجته، وحرمته من الفتاة التي كان يحبها.

مشهد من مسلسل لن أعيش في جلباب أبي

ما أمتعني في هذا المسلسل، ليس الحوار، أو الأداء الطبيعي فحسب، بل قدرة الكاتب على طرح فكرته، من دون أن يفرضها على المتلقي، ليتأثر بها، بل جعل القضية مفتوحة للنقاش، فبعد انفصال “سعيد” عن زوجته “ناهد”، قرر الجميع أن يعيش حياته كما يريد، ليعودا إلى بعضهما مرة أخرى، وانتهى المسلسل بمشهد الفرح أو العرس، دون أن يوضح العمل ، ما إذا كان كل منهما قد عاش في نفس الوضع السابق، بل ركز على  فكرة الاختيار، ووضع سؤالاً للمتلقي، كيف سيعيش الآن..؟! مما أعطى حرية الاختيار للمتلقي، بوضع النهاية.

كما أن الكاتب حين قرر أن يعود “سعيد” إلى زوجته “ناهد”، بعيداً عن حبه القديم، كأنه أراد أن يقول، بأن فرصة الحب لا تأتي إلا مرة واحدة، فتمسك بها.

على الرغم من أن فكرة الوجود، تركز على تحرر الإنسان من كل القيود، والعادات والتقاليد، والفكر القديم، إلا أنني شعرت بتمسك الكاتب بفكرة الدين، والعادات والتقاليد، حيث وضع حواراً على لسان إحدى الشخصيات المتحررة، يعبر عن الحرية بحدود مع مراعاة الدين، والعادات والتقاليد، كما نجد أن “سعيد” المتحرر في بعض المشاهد، سرعان ما يغضب، كأي رجل شرقي، وكأنه يريد أن يقول، بأن عقلية الرجل الشرقي مهما تحررت، ستظل تعاني من الرواسب، التي لا يمكنه التخلص منها.

مشهد من مسلسل لن أعيش في جلباب أبي

ولازال عنصر المكياج، منذ تلك الفترة إلى يومنا هذا، العامل الأساسي، الذي يضر بالشخصيات النسائية في كل عمل، حيث المكياج المبالغ به، خصوصاً في مشاهد النوم، رغم الأداء الطبيعي المميز، إلا أن المكياج، شوه المتعة عند المتلقي.

أخيراً، أفتقد كثيراً هؤلاء الفنانين، الذين رحلوا عن عالمنا، مثل الفنان نور الشريف، والفنانة رجاء الجداوي، والفنان محمود الجندي، الذين تركوا بصمة جميلة في عالم الفن، كما أفتقد الفنانة عبلة كامل، التي اختفت عن الوسط الفني، وحرمتنا ظهورها المميز الجميل، الذي لا يشبه  أحداً،  لا يشبهه أحد، جميع هؤلاء الراحلين، ورغم غيابهم، لازالوا متواجدين بيننا، بأعمالهم الفنية الراسخة.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

★ ناقد فني ــ الكويــت

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى