حصة الحمدان: أربعون عاماً على (خالتي قماشة)
حصة علي الحمدان★
جميل أن يحتفي مركز جابر الثقافي بأغاني المسلسلات، حيث يخصص حفلا لأجمل تترات الأغاني التي لازالت في ذاكرتنا، مثل تتر مسلسل (خالتي قماشة) الذي عُرض لأول مرة في 27 يونيو 1983.
أربعون عاماً مرت على أغنية التتر التي تميزت بإحساس مختلف، حيث أن لكل أغنية إحساس داخلي، لا يشعر به كل مستمع، فقد تبدو كلماتها مليئة بمشاعر الحب، في حين أن لها معانيَ تلامس البطل الحقيقي، الذي يعيش في الواقع، ويعاني من نزيف حاد لا يمكن أن يسيطر عليه، على سبيل المثال هناك أغانٍ كثيرة تعبر عن الأمن والأمان في الوطن، ولكن عندما نستخدم الميكروسكوب، نجد أن ذلك الوطن يعاني من حروب، وفقر، وفساد، كما أن هناك عشاقاً تعثرت آمالهم، فتأتي أغنية في الراديو، لترفرف على قلوبهم، بكلمات لا يفهمها إلا هم، وحتى لا يكشفهم أحد، يقدمون إيحاء مخالفاً للحقيقة، ويعبرون عن سوء الأغنية، وبأنها لم تعجبهم، ولكنها بالواقع تعبر عن إحساسهم الداخلي، بل ذكرتهم بالأيام المليئة بالحب، ولذلك هناك دائماً تنهيدة داخلية عميقة جداً، لا يشعر بها أحد، أنينها ساكن في الروح إلى حد الضيق.
حاصرني الفضول عند استماعي لمقدمة مسلسل (خالتي قماشة)، للشاعر الغنائي عبد اللطيف البناي، ولأنني لا أتذكر إلا لقطات من الحكاية فقط، توقفت عند عدة مشاهد، جاءت في شريط ذاكرتي، ومن هنا قررت أن أعيد مشاهدة جميع حلقات المسلسل، حينها تأكدت من أن الأغنية كتمت أنفاسها بكلماتها، حتى لا يبين شهيقها، وتعمدت عدم الكشف عن قلب (خالتي قماشة) الضعيف، الذي يراه أبناؤها جبّاراً، بينما تشعر بضعفه حين تتسارع نبضاته، يريد أن ينادي ليعبر عن مشاعره، ولكن تملكه إنسانة عظيمة وقوية، لم تستمع إليه، ليس بدافع القسوة، بل السبب الأول هو خوفها من الضعف أمام الآخرين، مما قد يؤدي لتوقف ذلك القلب عن الحياة، حيث تقول معبرة عن قوتها:
أنا قماشة أناسيدة هذا البيت أنا قماشة أنا فزولي لي مريت
الكل يسكت لي مني تحجيت والكل يرجف.. لي حمقت وخزيت
وفي مقطع آخر من الأغنية، يوصف الشكل الخارجي بلسان إحدى الشخصيات:
يمة يمة منها يمة منها وخرو وخرو عنها وخرو عنها يتكم بقعة الزيت
خالتي قماشة ليست سيئة إلى هذا الحد الذي يراه الجميع، بل هي الوطن، والسكن، والمسكن والمأوى لجميع الشخصيات، حيث ترمز الشخصية للملجأ الذي نلجأ إليه، كلما أصبحت الدنيا كالظلام، وأحاطتنا بمكان لا يشبه قلوبنا… لكن عندما تشعر (خالتي قماشة) أن هناك مخلوقاً واحداً في هذا الكون، يحاول أن يهدم ما بنته، ويحاول احتواء أبنائها بدلاً عنها، تحاول أن تزيله عن الوجود بكل الطرائق.
لم تكن الألحان العنصر الذي جعلني أدرك كل هذا فقط، بل عنف الكلمات، التي صاغها الشاعر عبد اللطيف البناي، هي التي جعلتني أفطن بأن القسوة أحياناً، يكون بداخلها كونٌ مغايرٌ، توجد به أرواح رقيقة، ترفرف بأجنحتها إلى منطقة اللين، المليئة بالفراشات، وأصوات عصافير صفراء اللون، نقية جداً، وكأنها موازية للقسوة.
هذا ما تتضمنه أغنية تتر مسلسل (خالتي قماشة) من شعور داخلي لم يكشفه أحد، ولكن بينته أفعالها، وملامح وجهها، وعيناها اللامعة، وطبقة صوتها، التي فضحت مشاعر الحب والعتب الذي تحمله لأبنائها.. فالوطن لاشيء دون أبنائه.
وعلى الرغم من أن الشاعر عبد اللطيف البناي، صاغ أغنية مقدمة (خالتي قماشة) بعكس إحساسها الداخلي، نجده في كتابته لأغنية تتر مسلسل (على الدنيا السلام) يكشف الإحساس الداخلي للشخصيات، حيث يعبر بصورة مباشرة، عن الأختين (محظوظة ومبروكة) اللتين هُدمت أحلامهما، وتحطمت قلوبهما، قهراً من خيبة الأقرباء والغرباء، حيث تقول الأغنية:
منهو فينا مانجرح في هالزمان منهو فينا يضمن الود والأمان
كل ما استبشرنا خير نلقاها غير رحمة رحمة يا أهل الضمير
وتظل الكلمات تعبر عن هذه المشاعر، التي تؤكد إدراك (محظوظة ومبروكة)، بأن البشر يُثبتون دائماً: أن “على الدنيا السلام”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ خريجة قسم النقد والأدب المسرحي ــ الكويت