رأي

علاء الجابر: ورحل السلاموني.. أنيق الكلمة والمظهر

علاء الجابر★

لم أكن أعرف الكاتب الكبير محمد أبو العلا السلاموني، الذي فارقنا ظهر اليوم الأحد الثامن عشر من يونيو، إلا من خلال مسرحية (ديوان البقر)، التي تعلقت بها كثيراً، لقدرة الكاتب الفذة على صياغة متقنة، وجذابة للتراث العربي، لقد ساهم في إعجابي الشديد بها قراءتي لما بين السطور، من رأي واضح وصريح، مهما حاول الاختباء خلف ستار الحكاية.
في عام 2017، وتحديداً في المهرجان القومي للمسرح المصري منحني أستاذنا وحبيبنا الغالي د. حسن عطية رحمة الله عليه الفرصة، لأقترب أكثر من الراحل الكبير السلاموني حين شرفني باختياري عضواً في لجنة تحكيم المهرجان.

الراحل السلاموني يجلس وعلى يساره الناقد الراحل د. حازم عزمي ثم علاء الجابر ،وعلى يمينه الفنانة القديرة فردوس عبد الحميد فالراحل د. حسن عطية ثم د. عايدة علام، ثم المخرج ناصر عبد المنعم

لمست من خلال عملي في اللجنة، المحبة والاحترام المتبادل بين د. حسن عطية، والكاتب السلاموني، ونظرة التقدير والإجلال، التي ينظر فيها كل منهما للآخر.
ورغم تقارب السن بينهما، إلا أنك تكاد تشعر بأن كل منهما ينظر للآخر، وكأنه أستاذ له، خاصة في لحظات الجد والعمل، أما في الأوقات الأخرى، فإن التعامل الإنساني البسيط يطغى على تصرفاتهما.
في تلك الأيام اقتربت كثيراً من السلاموني، أنيق الكلمة والمظهر، فقد كان حين يتحدث مع كل فرد منا، كمن يمارس نظاماً من أنظمة الأتيكيت، بحيث يختار ألفاظه بدقة شديدة، حتى في وقت انفعاله، أو اختلافه معنا.
كنت في البداية أحسبه متجهماً لا يمكنه أن يبتسم، لكنني وبعد مدة بسيطة اكتشفت العكس، حين بدأت التحاور معه، ووجدته يحمل روح طفل، ويحب المزاح، بل إن لديه قدرة كوميدية رائعة عند تبادل التعليقات والقفشات مع د.حسن عطية.

الراحل محمد أبو العلا السلاموني وعلى يمينه د. سامح مهران، ثم علاء الجابر وعلى يساره الراحل د. حسن عطيه فمهندس الديكور فادي فوكيه، ثم محمد البنان

الجانب الآخر الذي وجدته في شخصيته، التمكن الكبير من اللغة العربية سواء في النقاش، أو أثناء صياغة المادة المكتوبة، مع أنه تخرج حاملاً لواء الفلسفة، ورغم ذلك التمكن إلا أنه كان يسترشد بآرائنا وتصويباتنا، ولا يمارس سلطته علينا، أو تمسكه بأسلوبه باعتباره رئيساً للجنة التحكيم.
ومن خلال تلك الفترة التي زاملته فيها، لمستُ فيه تمسكاً بآرائه في مواضيع عدة، خاصة فيما يتعلق بالجانب الوطني، الذي يظهر فيها تحيزه بعيداً عن التحزب الضيق، ورغبته الكبيرة في مواجهة كل من يرى أنه يشكل عنصراً مضاداً لهذا الوطن.
من جانب آخر، عرفت عنه تمسكه بقناعاته التي لا يتزحزح عنها، أتذكر ذلك من خلال حواراتي معه حول (صنوع) واختلافنا حول حقيقة تلك الشخصية خاصة بعد ما طرحه د. سيد علي اسماعيل من وجهة نظر حول أكذوبة (صنوع)، ودوره المسرحي.

في حفل اختتام المهرجان القومي للمسرح 2017.من اليمين الى الشمال الراحل السلاموني ، الفنانة فردوس عبد الحميد ،علاء الجابر، وزير الثقافة الأسبق حلمي النمنم، د. رانيا يحيى، الراحل د. حسن عطية

وفي جميع تلك النقاشات، حتى وهو في ذروة الحماس، كان السلاموني شخصية راقية جميلة، تنصت للطرف الآخر بكل احترام، وتتبادل الآراء بالاتفاق أو الاختلاف، في منتهى الرقي والتهذيب، مع ما وصل إليه من مكانة أدبية وفنية كبيرة.
ورغم أن المهرجان الذي تعرفت عليه فيه مَرَّ عليه 6 سنوات بالتمام والكمال، إلا أننا بقينا على ذلك التواصل الراقي، حيث كان آخر تعليقٍ له على صفحتي في الفيس بوك قبل يومين، حين بارك لنا صدور مجلتنا نقد × نقد.
لنفاجأ بعد ظهر اليوم بالخبر المؤلم من قبل الصديق محمد الروبي، حين أرسل لي على بريدي الخاص خبر رحيله المفاجىء.
وداعاً للرجل الراقي الأنيق، الذي يفيض علماً ومحبة، وحماساً لا حدود له؛ لوطنه وآرائه.
سلاماً لروحه الطيبة، وله الرحمة والمغفرة، ولأهله ولنا، ولكل العاملين في المسرح الصبر على فراقه.

ــــــــــــــــــــــــــ

★ رئيس التحرير

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى