مسرحمشاركات شبابية

نواف السرحان: حين تصبح السخرية ضد الوعي الشعبي

نواف ماجد السرحان★

عندما قدَّم بريشت الملحمية كمذهب، ووضع لها المبادئ والأصول، كان مفهوم الوعي في مقدمة النظام! حيث إن جميع العناصر البريشتية المختلفة موجودة، حتى تساهم في عملية تصدير الوعي من الملقي إلى المتلقي، كان يدرك ضرورة مثول وعي يشارك في كل ما يحصل، عندما يرى الذي حصل سوف يتبنى موقفاً مضادَّاً!

 أراد من الكل أن يكون صاحب موقف مما يحصل، موقفاً يكون مدفوعاً من وعي جمعي، لا وعي منفصل عنه يباع ويشترى، فهو نظام يصل إلى الغاية الكبرى، عندما يصبح الكل مفكراً!

بروتولد بريخت

اِستخدمت مسرحية “المحترمين” القالب الملحمي شكلاً لها، يضفي على الرؤية السينوغرافية، والحركية بصمة مشهديه باهرة، دون أن يكون له انعكاس ضمني! لم يتعاملوا مع الأدوات الملحمية بالشكل الصحيح، وكيفية توظيفها، حيث دفع ذلك التنافر بين الأداة والمؤدي، إلى إعدام عامل الوعي بشكل كليّ!

حدّثني صديق حضر للمرة الثانية مسرحية “المحترمين” التي حضرتها برفقته، أن نصف الحوار يختلف عن العرض الأول، وأن زمن العرض استمر نصف ساعة زائدة! في الغالب تكون الردود الارتجالية على النص غير واعية وركيكة، وتطعيم النص بمصادر خارجية فوق إمكانياته الواعية، يسفر عن شرخ واضح، ويلقي بالظلال على عامل الوعي، بحيث يكون هو النجم!

مسرحية المحترمين

خرج عبد الحسين عبد الرضا في مسرحية “سيف العرب” عن النص لنتء الأفكار الذائعة، ونقدها بنهج السخرية، وأحياناً تجاوز النص لمغالطة الحوار والتعقيب عليه! هنا؛ توجد فكرة أصيلة، لكن لم يتم التصرف معها بالشكل الواجب، لو اقتصر العرض على النص وحده لتجاوزوا الكثير، وانجرفوا مع تيار الارتجال، فكان شكل الارتجال ماثلاً على السخرية ضد الوعي، بالسخرية على هيئات الممثلين، والإطناب بحوارات لا تصب بمصلحة الفكرة، كانوا يتورطون أكثر بالإطالة، والخروج عن النص مع علو قهقهات الجمهور، كأن قهقهاتهم مخدراً لهم، فهذا لا يخدم نظام بريشت، وإنما أنظمة أخرى!

لم يكن الامر محصوراً على الارتجال؛ فالوصلات الغنائية كانت فائضة عن النص، تخلق فجوة بين المشاهد لتسع أغنية، منعزلة عن الثيمة، يصب كأسها فارغاً في الفكرة الرئيسية، إنما تشارك في شل وعي المتلقي! تهميش اللغة البريشتية، التي تعمل على بعث الماضي والبناء عليه!

مسرحية سيف العرب

الفن بشكل عام، والمسرح بشكل خاص، يؤدي دوراً ناجعاً في التأثير بوعي الشعوب والتأثر بها، سواء آمنا بذلك، أو كابرنا، فهو كائن مصور، يوثق لحظة التحولات الرئيسية، وأحياناً يمزع صوراً، ويدمغها بصورٍ أخرى، فيخلق حكاية مصورة.

هو قوى تأثيرية ناعمة، يستلزم موقفاً فنياً في تصدير الوعي، إنما الفن الذي يجند لتصدير اللاوعي، ويبدد حقيقته، يخلق فناً يوثق للأجيال اللاحقة تاريخاً وفناً مزوراً.

 نحن بحاجة إلى مسرح مثل “حامي الديار” يدحض المقولة الدارجة “زمن الطيبين”!

أكثرية الاعمال المسرحية، التي نفذت النظام البريشتي في الوطن العربي، كانت أرض إعدامات لفنه! بسبب النقل الخاطئ لمفاهيم بريشت، فلا يتعرفون على بريشت الاشتراكي، ولا يدركون المعنى المراد وراء مسرح بريشت، وطرائق أساليبه جيداً، فالمعظم يتعامل مع أدواته وأفكاره، بصورة سطحية ومتاخمة من العشوائية المنظمة، وهناك من يستخدم قالبه المسرحي، دون حجة واضحة كالمسرحيات التجارية.. كهذه المسرحية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ خريج قسم النقد والأدب المسرحي ــ الكويــت

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى