عزيز ريان: “ليام الكحلة”.. لأحمد السبياع قراءة في النص.
★عزيز ريان
يقول الناقد الإسباني المعاصر ماركوس أوريونيوث Marcos Ordonos:” الناقد عليه أن يتسم بروح القابلة(المولدة)،يريد أن يخرج المولود-النص في حالة جيدة،ويكون ملازما للأم في لحظات ما بعد الولادة.”
بدء ذي بدء:برولوج النص عن السبياع
مما لا شك فيه،أن قراءة نص مسرحي هو دخول مجرد ومعلن في نص أدبي متخم بالقيم والتقنيات الدرامية المتنوعة،يدفعك إلى الوقوف أكثر على ما سُمي حاليا ب:الكتابة المسرحية العربية الجديدة والتي بدأت شعلتها في مختلف الدول العربية في قفزة مهما قيل عنها تنبأ بمستقبل أفضل لأب الفنون.
كما أن هناك علاقة بين النقد المسرحي وبين علم الجمال.علاقة تكامل وكل منهما بحاجة إلى الآخر لخدمة الإبداع الفني والمسرحي بأشكاله المتنوعة.فالنقد يتناول جزئيات العمل الفني ويستغرق في تفاصيل دقيقة لها علاقة بعناصر بنائه وتحقيقها وما إلى ذلك.وعلم الجمال يهتم بالقوانين العامة للخطاب المسرحي،والذي ساهم في تصحيح مقولات النقد المسرحي ومفاهيمه وقيمه الجمالية والتعبير ببناء جمالي مميز ومنسجم لطبيعة القيم:الجميل والقبيح،الكوميدي والتراجيدي…
والنص هو مجموعة من وحدات دالة تقترب وتبعد عن الحياة والمجتمع ونفسية المواطن والكاتب.وبحسب نظرية رولان بارث التي تعتمد على فكرة مفادها أن :”النص مقدمة يبدأ من خلاله الكاتب حوارا مع القارئ،لأن القراءة تجعل من المكتوب أفقا لا يتوقف عند حد،بل تتعدى المعاني لتتفاعل حتى تتحول كل مقدمة فيه إلى تصور جديد.
النص الذي نحتفل به اليوم هو نص الكاتب أحمد السبياع الموسوم ب:ليام الكحلة و الذي أصدر في إطار برنامج التوطين المسرحي لموسم 2019 المدعم من طرف وزارة الثقافة عن منشورات فرقة المدينة الصغيرة بشفشاون، مطبعة الخليج العربي بتطوان(من الورق المتوسط بما يقارب 60 صفحة مرفقة بصور العرض في إطار البرنامج السالف الذكر).
الدلالات والرمزية في عنوان النص:يظن الكثير أنه انطلاقا من العنوان سيكون النص محملا بمآسي أو أيام سوداء فعلا،ليفاجأ في تصور مختلف لهذا السواد الملفق. مما سيسهل عملية توالد وتفرع مكنونات تثير الكثير من الايحاء والتأويل بنيويا.فتحليل العنوان بنيويا يفرض التركيز على اللغة نفسها وخفايا العنوان دلاليا بعيدا عن سياقات أخرى خارجية للنص كالتاريخ أو الإنسان.
يضم تشكيل العنوان لفظتين :الأولى: “ليام” وهي معبرة عن الزمن الدرامي،أي الأيام التي قد تنفلت من براعة طه حسين وهو ينقل أيامه التي أرخت لنا.والثانية:”الكحلة”،وهي السوداء موحية بظلام وسوء اجتماعي متعارف عليه شعبيا..اللون الأسود كما نعرف هو ملك الألوان ويوجد في أي مكان ليعطي سائر الألوان فرصة البروز والجاذبية.هو عكس الأبيض أي في مجمل معناه فقدان الضوء واللون.ولو كان الأبيض يمتص جميع الألوان ولا يعكس منها شيئا،غير أن الأسود والتعرض له تزيد من الشعور بالحزن وتعمق الإحساس بالذات الذي يهيج الأحزان المكبوتة داخلنا.والعرب تشاءمت من الأسود كرمز للظلام والكآبة والحزن وعدم النقاء.وبعيدا عن التأثيرات النفسية المختلفة للون(المباشرة والغير المباشرة)فاللون الأسود بالنص غير الأسود الذي نعرفه،كأن أحمد السبياع اختلقه رفقة شخوصه الدرامية.
ولمعرفة مغزى العنوان بوضوح علينا الاضطلاع على النص لنعرف تفسيره المحتمل الذي يمنحنا قوة التأويل أكثر،ما دامت الشخصيات تلعب بالمعنى وتوحي بأن أيام الغنى وخلوها من أي قلق كفيل بأن تكون ملونة بلون المآسي.في بحث حتمي عن بعض المنغصات ولو متخيلة.
نقرأ تورية إحدى بطلات النص وهي تشرح، بعد دخولها عالم الفقر الجديد:”تورية:(سعيدة)ياه على حياة شحال زوينة..هادي شحال فليام الكحلة قبل ميجيو عنا هادوك الثلاثة ديال الوزارا الله ينصرهم ويطول فعمرهم.ولينا كنسميو ليام القدام بليام الكحلة.وفليام الكحلة كان كلشي قريب…”فكيف تكون أيام الغنى الفاحش سوداء وأي سواد تقصد البطلة؟
الكاتب يعطي الحرية لبطليه لكي يضعا عنوانا لنصه،في تماهي مع الشخصيات المرسومة بعناية في أبعادها الثلاثة.ويسقطنا في لعبة التشويق وذلك بعد أن يخيب ظننا ونحن نظن خطأ أن المقصود بالعنوان هو لوك مكرر لأيام سوداء نعيشها فعلا في ظل أزمات وهشاشات ما.
الحكاية السهل الممتنع:حدوثة النص عبارة عن مفارقات كوميدية بين زوجين يعشيان في هناء وسرور وغنى وسعادة،يلجأ إليهما وزراء ثلاثة لإقناعهما حتى يعودا لحياة الفقر وكذا الاحتجاج الصوري إكراما لهم حتى يحافظوا على منصبهم الوزاري والحكومي الذي يغرق في سوريالية الهدوء والغنى والمغرب السعيد.تيمة النص تتشابك أوضح ما بين الاجتماعي والسياسي الهازل. وقد تبدو الحكاية بسيطة لكنها بأبعاد فلسفية وإشكالية تدفع للتيقظ عند قراءتها وطرح أسئلة كبرى عند سردها.
بنية الحوار عند المؤلف:قد يكون الحوار مع النص،وذلك أن لكل نص أو لغة تقول لنا شيئا ما،أي أن كل حوار مع النص هو حوار بين شخص وآخر،لا يمكن أن يتجاوز ما يقوله النص إلى ما وراءه.معتمدا بذلك على اللغة،والأفعال المشفرة داخل مضمون النص،الذي رسمه المؤلف بنصه برؤية تحمل قيم إبداعية متعالية المعنى.هذه العملية آلية اتصال تنقل فكرة المؤلف إلى النص ثم إلى القارئ.وهنا يكون النص وسيطا يحمل ما يفكر فيه المؤلف إلى القارئ،على ضوء ذلك لا يمكن أن يعامل النص على أنه الآخر والذي يكون طرفا في عملية الحوار.
الحوار بمفهومه الدرامي يقوم على علاقة تبادلية بين شخصيات لها ارتباط بموضوع البناء الحكائي المدعم بلغة الحوار،والذي هو أساس أفعال وسلوك مشتركة تبين الأحداث وصفة المتحاورين،بطريقة يتم التأكيد من خلالها على الكلمة الرابطة بالموجودات البشرية،والتي تكون حوارا قد يتيح للمتلقي مشاهدته بعيدا عن السمع،نكتشف من خلال ذلك أن اللغة أو النطق بالكلام ليس أداة توصيل حقيقية،بل هي أفعال تؤكد أن الحوار يتضمن شيء ما.فالحوار المسرحي عند السبياع لا يعتمد على الكلام فقط،بل تتداخل فيه عناصر أخرى:الايقاع،الموسيقى،اللون،الإضاءة والحركة.فلا ركود في لغة المسرح.
السبياع اتكأ على لغة دارجة سهلة توضح بها ملامح اللغة وأنماطها ويكشف العناصر الدرامية كلها.فالحوار الخارجي تسيطر عليه المشهدية،والذي سمته التناوب يدل على أنه ينتقل مباشرة في حديث معين بين طرفين،ليعبر عن مستوى الشخصيات من الناحية الفكرية والنفسية،ويقدم الحدث والحكاية والزمن بأحداثه فهو حلقة من الاتصال وان كانت على المستوى اللفظي وذلك لأن الجمهور يتجاوب مع المتحاور مستخدما لغة غير منطوقة. ينشأ عن الحوار الخارجي موقف فكري بين المتحاورين.وبالنص كما لو أننا أمام متحاورين يقتربون ويتجاوزون حد الجنون والخبل.إن مهمة الحوار في المسرح هو نسج علاقات مع عناصر أخرى تبتي النص،فهو عنصر مستقطب حول الشخصيات والزمان والمكان.
تقترب لغة الوزير في كونها لغة سياسيا محنكة يمتلك صاحبها الكثير من الدهاء،مع مصلحة اجتماعية( يقول الوزير الأول مثلا:(ص:33)…حيث الحاجة الطبيعية واللي معمول بها فالعالم هو أن المواطن المحكور عندو مطالب وعندو احتياجات وفاش الوزارا يحالنا مكيهتموش بالاحتياجات والحقوق ديال المواطن كيحتج وكيغوت على حقو..علاش مكيحتجوش)فأين سنرى وزيرا يطالب الشعب بالاحتجاج؟
لغة الحوار تبدأها تتوتر بفعل تصعيد الموقف بعد موافقة الزوجين على مطالب الوزراء،ثم تنكشف صورة الغباء في المسؤول الحكومي في أسوأ تجلياته.يلعب أحمد مع شخوصه بلغة تعيدنا لمسرح العبث أو تفوقه،فمثلا في بداية النص يلعب بلفظة “الصبر” بشكل ذكي ورمزي. بعدها يلعب بلفظة “الكانة” وتعني الرغبة في الدارجة المغربية كما لو يشير إلى أن اللغة حمالة أوجه في كل اللحظات.ويكشف الحوار عن جدل فلسفي بدأت من خلاله المسرحية حوارها،فعبر الاحتجاج العقلي يبني النص حواره الخارجي،فهو يستخدم لغة منطقية تحاول اقناع الزوجين،وبحوارات الوزراء تتسم بالعقلانية(عقلانية مزيفة وحُفظت بشكل ببغائي)،وتحاول أن تؤسس حوارها عليها،بينما يحاول الوزير الآخر أن يتعكز في حواره على الإيمان العقلي فيما يخص تحكيم العقل أو العرفان في جوانبه الإستعارية التي لا تخضع لسلطة العقل.فمثلا عندما لم يقتنع “العربي” بحجج الوزراء نسمع إلى حيل سلطوية متعارف عليها:”ص:43و44:العربي:صعيبة.من الناحية الحركية ساهلة..ولكن من الناحية النفسية أنا ممقتنعش بالاحتجاج.
الوزير الأول:وحنا مكنطلبوش منك تقتنع..حنا كنطلبو منك غير الحركات تديرهم فقط.حنا بغينا غير صورة الاحتجاج..وخا ماشي الاحتجاج الحقيقي.)
يوظف أحمد استرجاعات لتوضيح سير الأحداث التي وقعت في الماضي.يقول العربي:ص:10″جدي الله يرحمو كان يعاود لي على ايام الزمان..كانت أيام جميلة بزاف.”لترد عليه تورية :ص:11″حتى جدة الله يكول عمرها كتحكي على ليامات القديمة والله ما تقول غير كتعاود على شي خرايق مالخيال..تصور”
خمس شخصيات توزع الصراع بينها إلى صراع بين جهتين:الزوجين ضد الوزراء. في تفرعات صراعية أخرى تكمل حبكة التوتر للوصول إلى النهاية.والشخصيات الخمسة تتنامى أبعادها رفقة الحدث المسرحي المسؤول عن حركة كل شخصية والشخصية مسؤولة عن حركة الصراع.وتنوعت مظاهر الصراع بالنص وارتفعت درجاته الحرارية،فنرى صراعات داخلية بين الزوجين،وبين الوزراء كل على حدة.وصراعات طبقية كونية بين الفقر والغنى أو الطبقة المقهورة والبورجواية،وبين الاحتجاج والخنوع وغيرها من المواجهات الواضحة والسرية.
دعوة إلى الاحتجاج “الحداثي”:تغلب على النص تيمة الاحتجاج وهو يحيلنا إلى تاريخ الحركات الاحتجاجية في المغرب باعتبارها ظاهرة سوسيوسياسية.وهي حركات عرفتها البلاد منذ العقدين السابقين كما في حركات الستينات بسبب الغلاء،والتنسيقيات في شكل أقليات مظلومة كما في فئة التعليم،وحركة عشرين فبراير وحراك الريف وغيرها.هي انفجارات اجتماعية كبرى عرفها المغرب منذ القديم كردود فعل جماهيرية عفوية،لكنها عميقة الجذور،على سياسات التكييف الرأسمالي مع شروط ما سمي بالتراكم البدائي للمال في يد فئة ما بالبلاد.وهي حركات تتم في سياق اقتصادي واجتماعي وسياسي تنبثق منه موضوعيا عالميا ومحليا.والنص يذكرنا بالصراع الطبقي الذي تخوضه الجماهير الكادحة دائما ضد البورجوازية المهيمنة محليا وعالميا وخصوصا بعد الجائحة والحروب والأزمات والزلازل،لإيجاد نظام لا وجود فيه لاستغلال للإنسان،كحلم يراود الطبقة العاملة لحدود الساعة.
الحكومة بالبلد تمار س لعبة الاستلقاء على الظهر أو البطن:يطرح النص- بشكل كوميدي معكوس لكن مؤلم حد النزيف-موضوع الوزارات أو الأداء الحكومي المغربي الذي يمكن تقسميه إلى حكومتين:أداء حكومة إسلاميي المغرب في ولايتهم التي ظن البعض أنها الحل لكل ما يعرفه البلد من مشاكل.وأداء الحكومة الحالية لخنوش فيما لها وعليها من بروباكاندا واضحة للعب على أذقان الغوغاء.يقول وزير ليام الكحلة:ص:53 “من غير المسموح لأي كان أن يجلس على كرسي لا يستحقه.ولا حتى لأسباب انسانية كالروماتيزم والمرارة وبوحمرون كذلك.”وهو أداء حكومي يمكن تلخيصه بحسب الخبراء بالضعيف والمتنصل من الالتزامات والمتراجع عن الحريات.هنا أحمد يعري الوزراء بشكل رمزي واضح في تصورات ساخرة مؤلمة لواقع الحال المرير.ليلتقي المسرح بالسياسة ولو بشكل ضاحك.فالمسرح: له دور في بناء الأجيال الصاعدة وباعتباره تكريسا لجماليات درامية متعددة تكتسي طابعا جماهيريا،وتتحول إلى محاكمة اجتماعية مقصودة وملتزمة لها دلالاتها.والسياسية:لقاء بين فضاء وتجمهر اجتماعي مقصود،أو باعتبارها تقاسما بين فضاء مشترك ومسؤولية جماعية. يتسائل الناقد المغربي حسن المنيعي هل استطاع المسرح العربي أن يؤسس مسرحا احتجاجيا وأن يعد له صيغا تجعله في علاقة حميمية مع الجمهور؟يشير المنيعي إلى دور مسرح السامر بمصر ومسرح سعد الله ونوس والاحتفالية،فإن المسرح لم يتمكن من تأسيس تقليد جماهيري منفتح على طبقة عمالية أو على مجموعات يوحدها حوار ديمقراطي في نطاق مجال عام.(يمكن التوسع بقراءة مقالة المنيعي المنشورة بموقع الفرجة بتاريخ:29 أكتوبر 2020 تحت وسم:مسرح الاحتجاج في المغرب)
السخرية أو الكوميدية الجديدة عند السبياع:الكوميديا عبر مسيرتها التطورية وظفت كافة أساليب الكوميدية والتهريج،والتلاعب اللفظي،والدعابة الجافة،والأكاذيب والخدع والحيل والتحايل والتنكر.مع أهمية الرسم الكاريكاتوري والتشويه والتقبيح المادي للشخصية الكوميدية لتعميق البعد الكوميدي في العمل المسرحي.وعرفت الكوميديا السوداء أو التراجيكوميديا المتميز بالطابع الجروتسكي بانطوائها على مواضيع صادمة بانتقاد الواقع بكل مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعريته فكاهيا وكاريكاتوريا ومسخه جروتيسكيا وتشويهه فنيا وجماليا وكشف نواقصه الظاهرة وتشخيص عيوبه المضمرة باستعمال السخرية والهزل والباروديا والكوميديا لرصد الواقع القائم واستشراق لحظات المستقبل الممكنة.فمسرحيات أنطوان تشيخوف ونيكولاي غوغل توصف بالكوميديا السوداء القائمة على الصلة الجدلية المباشرة بين الضحك والألم والحزن والسخرية بهدف تصوير تفاهة وفساد الإنسان الذي تستلب انسانيته.نعم تشيخوف وغوغل عشق أحمد السبياع منذ تعرفه الأول على فن المسرح وغرق في هيام الخشبة والنص المسرحي.
الجروتسك بحسب السبياع:تعريف الجروتسك:في مجال المسرح ثم استعمال “الجروتسك” لنقد الذات والآخر والواقع بطريقة كوميدية وساخرة قائمة على التهجين والمفارقة والمبالغة والأشكال الغريبة والفوضى والبشاعة الساخرة والغرابة الشاذة والتنافر والتقزز والابتعاد عن مقاييس العقل والمنطق والإسراف في النشاز والخروج عن الواقع والمألوف.الواقع المنزاح عن معايير العقل والمنطق.وفي المعجم المسرحي:هو مصطلح ارتبط عند ظهوره بالفنون الجميلة،فيما بعد توسع المعنى واستخدمت الكلمة في علم الجمال كصفة أو طابع لكل ما هو غير منتظم ويتصف بالغرائبية ولكل ما يضحك من خلال المبالغة والتشويه ويتناقض مع ما هو سام ورفيع،أي ان الكروتيسيك دخل ضمن التصنيفات الجمالية وحمل بعدا فلسفيا من حيث إنه يناقض ما هو نتاج الثقافة المعترف بها.في اللغة العربية لا توجد كلمة تعطي المعنى بكل أبعاده فقد ترجمها البعض:الشاذ أو القبيح،أو بالهزء والقبح معا مع مراعاة أن هذه المفردات كل على حدة لا تعطي المصطلح كاملا.الجروتسك فن درامي جامع للعناصر المتنافرة(كالسامي والمنحط)،(الجميل والقبيح)،(المألوف والغريب).. ويمزج الجروتسك عند أحمد السيياع بين الكوميديا والتراجيديا وعلى مستوى الأسلوب بين الجاد والساخر وبين التضادات والمتناقضات واللامنطق والعجائبي والإنكسار النفسي والمواقف الحادة،بهدف استفزاز المتلقي وتسليط الضوء على مأساة الإنسان الذي يعاني من التهميش والإحباط والتنديد بحيوانية الإنسان المعاصر و وحشيته القاتلة والتركيز على القبيح والمسخ والتشويه والفظاعة والغرابة والشذوذ البشري وانحطاط القيم الإنسانية والأخلاقية عبر تقبيح الشخصيات الدرامية وتشويهها ومسخها وبالتالي تطهيرها عن طريق إثارة الخوف والشفقة.والسخرية سلاح فعال لتوجيه النقد خصوصا ضد السلطة سواء الاجتماعية أو السياسية أو الدينية.وهي أسلوب تعبير يهدف إلى الإضحاك والنقد لمواجهة الواقع. نص السبياع يوظف مقولة التنافر وعدم الانسجام بين العناصر لتبرز نسبة كبيرة من القبح،ومستندا إلى الشخصية المسرحية الشريرة ونماذجها القبيحة بأبعادها المادية والاجتماعية والنفسية.لقد جسد صور القبح الساخرة والعابثة لقسوة وحمق الانسان.ولمن أراد أن يعرف فوائد الفقر مثلا عليه فتح النص على صفحة 19 ليغرق في ضحك حد الغضب.وظف السبياع إذن، الكوميدية بهدف إحداث تأثيرات صادمة في المتلقي وذائقته وقيمه الجمالية التقليدية.
ليام الكحلة نص مسرحي يمتزج فيه الهزل بالوقاحة أو ما يعرف بالبشاعة المضحكة وعبر مشاهد كاريكاتورية مثيرة للاستفزاز والاشمئزاز،ليكشف المؤلف أن الحياة تحكمها القسوة العشوائية وانهيار القيم الأخلاقية.هو مسرح للاستهزاء والتنقية ذروة التعبير في العمق والصدق على مضامينه اإنسانية والسياسية الساخرة وأساليبه الاستهزائية والجروتيسكية التي تطرح القبح من حيث هو موضوع النص ومن حيث هو قيمة جمالية.هو منجز أدبي يرنو منه مؤلفه درأ الانهزامية ورفع مستوى رفع درجات الحذر وايقاظ الضمير من سباته الطويل،لنكشف وجها جديدا للسبياع وهو الحس الكوميدي الخفي بشكل راقي وغير مبتذل في تسلسل مضحك حد البكاء.
منجز أدبي هام كتب في 2019،ولم يكن توثيقا أو تحليلا،بل في جزء منه رجاحة الاستشراف والتنبؤ،بتحولات وانكسارات تعيدنا لزمن الأوباش لحظة تكاثر الاحتجاج وصحو الضمير.
★★★★★
★عريز ريان- كاتب وناقد -المغرب.