Deprecated: htmlspecialchars(): Passing null to parameter #1 ($string) of type string is deprecated in /home/jzhfpuiesk8e/public_html/naqd-x-naqd.com/wp-includes/formatting.php on line 4650
رأيمشاركات شبابية

منيرة العبد الجادر: د. سعداء الدعاس النجمة التي دلتني على طريقي


Deprecated: htmlspecialchars(): Passing null to parameter #1 ($string) of type string is deprecated in /home/jzhfpuiesk8e/public_html/naqd-x-naqd.com/wp-includes/formatting.php on line 4650

منيرة العبد الجادر★

لم أتصور أن يأتي مثل هذا اليوم، وأكتب مقالاً في حق إنسانة تعلمت منها الكثير، ولا أزال أتعلم، حين أحاول استعادة ذكرياتي معها، أجد أن الكلمات تهرب جاريةً من عقلي، ثم تعود كأمواج البحر، لكنها ليست هادئة، بل تأتي في فترات متقطعة، حتى تهددني بأن الدكتورة سعداء الدعاس تنتظر منك مقالات نقدية، حتى ترفع أيادي القراء للتصفيق، ولا تعلم عما أكتب الآن، لأول مرة منذ التاريخ الذي عرفتني به، وهذا ما شجع المفردات والأحرف على أن تتمرد علي.

ويقينا ستتفاجأ د. سعداء بهذه المقالة، التي ستنشر دون أن تعرف شيئاً عنها.

اللقاء الأول

في أول يوم لي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، كان ذلك اليوم مرتبطاً بالورش، التي تزود الطلبة بالمعلومات اللازمة عن التخصص، الذي تم التسجيل به، جلست في القاعة دون قلم وورقة، حتى أن ‏هذا الأمر أثار استغراب والدي، لأن ‏كل الحضور كانوا نقيضي.

دخلتْ يومها تلك الإنسانة اللطيفة، ومن الوهلة الأولى رسمت ابتسامة على شفاه الجميع، بنصيحتها البسيطة المقترنة بطريقة الكتابة، في اختبار القبول، وهي: من فضلكم (ماما) اِستهلكوا ذاكرتكم قدر المستطاع، بما سبق مشاهدته، وتتذكرونه من الفصحى من الرسوم المتحركة، التي كنتم تتابعونها، حتى تتمكنوا من الكتابة بلغة عربية ‏فصحى نوعاً ما.

ثم نسجت لنا موقفاً من وحي خيالها، عن طالب كتب الاختبار باللهجة العامية، ويشاء حظه العاثر أن يأتي أستاذ من جنسية أخرى، ليصحح الورقة بأسلوب مغاير، فلم تتحقق عملية الفهم لديه، مما أضاع الفرصة عليه بالقبول، هي صاغت المثل على أرض الواقع بطريقة تلامسنا، وتجعلنا نضحك على أنفسنا، مشيرة بأنه ليس بالضرورة أن تكون لغتنا كأحد الأدباء الفطاحل منذ البداية، والأيام أمامنا، وأي شخص ‏على وجه الأرض قابل للتعلم، مما منحنا الثقة بأنفسنا.

يوم اختبار القبول، اِستضافتني بمكتبها، ولظرف ما حصل مع الكاتبة التي تم تخصيصها، لألقنها أجوبتي لكتابتها في ورقتي، تولت الدكتورة سعداء قراءة جميع الأسئلة لي، وكانت حريصة جداً على أن أستوعب المطلوب، وفي اليوم الثالث “المقابلة الشخصية” تم طرح عدة أسئلة، لكن السؤال الذي شدني، حين رجعت إلى ورقة اختباري، لاحظت من خلالها شرحي للديكور، وطلبت مني توضيحاً أكثر، من هنا اِستشفيت ذكاءها بالآلية، التي اتبعتها لمعرفة مقياس نظري.

منيرة العبد الجادر وجوري العازمي مع د. سعداء الدعاس

مكتبها المفتوح دوماً لنا

في فترة رئاسة الدكتورة سعداء لقسم النقد والأدب المسرحي، كنا عندما ننتهي من أي محاضرة، نتجه مباشرة لتلك الغرفة الصغيرة في حجمها، والكبيرة من حيث احتشاد الطلبة فيها، ذلك هو مكتب د. سعداء، أو مكتب رئاسة القسم، وتعودنا حينها عندما نفتقد أحد الزملاء أو الزميلات في ‏القاعة، ندرك حتماً، بأنه يجلس في مكتبها لأمر ما، أو مشكلة يحتاج منها لحلها.

 مخيلتي توحي لي أن مظهرنا يبدو كقرية السنافر، الذين يتشابهون بالشكل، مع تباين شخصياتهم طبعاً، والطلبة كانوا في مكتبها من جميع الأقسام.

وأمتع ما في هذا الأمر، أننا كنا في ذلك المكتب، تشاركنا بموضوع معين، وطرح وجهات النظر، حتى أنه في بعض الأحيان نتعرف على بعض الأشخاص، الذين لم نتحدث معهم من قبل، ونكتشف ‏طبيعتهم عبر ما يتفوهون به، أو عدم المشاركة على الإطلاق، كما تلونت هذه الغرفة حسب ما يقتضيه الموقف، تارةً تصاحبها الضحكات الصاخبة، وتارةً دروس في الحياة، وغالباً نقاشات حارَّة عن المسرح الذي تعلق بنا أكثر مما تعلقنا به.

د. سعداء الدعاس تتوسط طلبة قسم النقد

 حين نجوع

ما إن يزورنا الجوع الكافر، ويضعنا في ضفة إيقاف العقل المتوسم، حتى نسرع بالذهاب لمكتب الدكتورة سعداء، فتستقبلنا بجملة “تعالوا ماما علاء يايب لكم فطاير” الأستاذ علاء الجابر، الجندي المجهول والمنقذ المحبوب، رصيد حسناتك ارتفع إلى أقصى درجة، إلا أننا على دراية أن ما تحضره ليس لنا، لكن لا بأس بالمشاركة؛ وبسبب دخولنا المتكرر لسد الجوع، لاحظنا أن العلبة أخذ حجمها يتضخم فيما بعد من أجلنا.

د. علي العنزي عميد المعهد العالي للفنون المسرحية الأسبق مع د. سعداء الدعاس وبينهما الطالبتان منيرة العبد الجادر وجوري العازمي

قاعة المحاضرات

ربما لم أفصح لك من ذي قبل، لكن كرسي الاعتراف همسه لا يفارق سمعي، حين أتذكر محاضراتها، فليس فقط عدد الزملاء من يكتمل في محاضرات الدكتورة، بل حتى دعواتي وأمنياتي بأن وقت المحاضرة يزداد عن الحد، وأنا على يقين أن البعض يتفقون معي، ولطالما تمنيت وجود آلة الزمن لأوقف عقارب الساعة، التي لا أنزعج من سرعة جريها إلا في محاضراتها، ولم أكتف بذلك وحسب، بل أود حضوراً لجميع الدفعات السالفة واللاحقة، وأضيف عليها قبعة الإخفاء، لأنني قد أكون كدقات عقارب الساعة.

طلبة قسم النقد مع الدكتورة سعداء الدعاس

هي والرأي الآخر

طيلة السنوات الدراسية الأربع في قاعتها، لم تتلفظ بكلمة (غلط أو خطأ)، شفهياً وهذا ما هو معروف عنها من الغالبية، في حين، على الجانب الأخر وفي حدث منفصل كتب لي أحدهم على ورقة التكليف المطلوب، عبرت فيه عن رأيي بأنه (رأي غير مقبول) بحيث لا توجد ذرة جرأة للتلفظ به مباشرة بوجهي حتى؟ أمر مثير للضحك فعلاً.

الأهم أن ‏الدكتورة سعداء تؤمن بمسألة الإقناع، وإن لم تقتنع فإنها تحترم الرأي الآخر، ولا أنسى اليوم الذي أخبرتها به أني غير مقتنعة بفكرة وجود النص المسرحي بسبب؛ غضبي من بعض العقول التقليدية.

وما كان منها إلا أن عرضت لي بالمحاضرة أهمية النص وسبب كتابته: (يعتبر توثيقاً) ونشره: (كنوع ‏من الأدب المقروء)، والزملاء شاركوا بتأييدها، وأنا ذكرت لها فن الاِرتجال، وتوافر المقالات، التي تكتب عن العروض سابقاً، وموت النص الذي تدب فيه ‏الحياة على خشبة المسرح، وتفاجأت بعد انتهاء المحاضرة، أنها على دراية بأني لم أقتنع، ونبهتني أن هناك فرقاً بين الحقيقة الثابتة، وهي “النص”، والرأي “العرض”‏، ولا يخفى على أنها ‏نفس مبدئي.

وعلى الرغم من أني لا أميل إلى مادة النصوص المسرحية، لكن بعد تدريس الدكتورة سعداء لنا في الكورس الثاني من السنة الثالثة، أحببتها كثيراً، ما أعرفه عن اللمسات السحرية أنها قد توضع في الطعام أو الشراب، لكن كيف انعكست على الصفحات؟، بيد أن قراءتي سمعية، ربما هذا ساعدني في التأثر ‏بشكل أسرع؟، وهنا لا أقوى على استئناف أمر يخصك، دون مداعبتك، وليس بوسعك الِاعتراض.

أما مادة (نقد تطبيقي) المتعلقة بالعروض المسرحية، فكانت تحدياً شهي المذاق بالنسبة لي، خصوصاً حين نتلقاها على يد الدكتورة سعداء، التي دائماً ما تعرض لنا فيديوهات لعروض مسرحية، إخراجها غير مألوف، إلى جانب تميزها بلغة الجسد، أو المسرح الأسود، أو ما يطلق عليه المسرح الفقير، حتى وإن لم أنتبه على التفاصيل الدقيقة، أنتظر بفارغ الصبر من الدكتورة، حين تضع مشهداً يصعب رؤيته، حينها تأتي مسرعة، لتشرح لي الشكل المصور في الشاشة.

طلبة القسم مع د. سعداء الدعاس

لا ورقة وقلم

أما بالنسبة للورقة والقلم، الفكرة التي تعودنا عليها، والتي يستخدمها البعض لتلقيننا، لأغراض تجمد أذهاننا، بينما عند الدكتورة سعداء، لا تعترف بهما طوال المحاضرة، إلا في النهاية للإجابة على التمارين، وتستعمل معنا أسلوباً يعتمد على الفهم، هنا أبدأ برفرفة جناحي، لكي أحلق إلى مناطق بعيدة أترجمها في الورقة، التي أخذت أعاملها كنوت مذكراتي، أو مخططاتي المستقبلية، أدون عبرها أفكاري، التي قد تكون غريبة بعض الشيء، لكن الدكتورة سعداء تفهمها، وهذا ما يميزها.

د. سعداء الدعاس بين طالبتها ومن بينهم الطالبة منيرة العبد الجادر

في الِامتحان

 لا يمكن أن أتجاوز موقف الدكتورة سعداء معي، عندما احتجتُ وقتاً إضافياً في الِاختبارات، الأمر الذي غاب عن عقول البعض دون سابق إنذار، وأجزم أن أي مادة تكون أستاذتها د. سعداء تحديداً، كنت أجلس ساعات طويلة دون الخوف من عقارب الساعة، التي لا تزعجني إلا بالِامتحان فقط.

وهكذا استمر الوضع طوال رحلتي في دراسة النقد والأدب المسرحي، فمع دكتورة سعداء، وبفضل جهودها الكبيرة معنا بشكل عام، ومعي بشكل خاص، أصبح للمسرح طعماً آخر.

 ذات الشعر الأسود

أود ختام  مقالي هذا، بحكاية  نحات أغرم بفتاة قصيرة القامة، ذات شعر أسود طويل،  فقرر تصميم تمثال لها، أتم صنعه، ووجد أنه طبق الأصل منها، وتحديداً نقاء قلبها المنعكس على ملامح وجهها، فاعتقد أن أفكاره خرافية، وقال: سوف أستمر بعملية نحتها مجدداً؛ والسبب يرجع لسعادته بالوقت الذي مضى بسرعة البرق، والإنجاز يتجسد أمامه دون عيب واحد، قام النحات بعمل عشر مجسمات لا يشبه أيٌّ منها الآخر، وصعق بتشوه إحداها، فغضب جداً لأنه أدرك أن حتى المجسم الأول، هو مجرد شكل جميل لا تنبض به الروح، فلا جدوى من التقليد أو الِاستنساخ، فالأصل هو الخالد، ولا يمكن استنساخه، تلك هي د. سعداء الدعاس.

ـــــــــــــــــــــــ

★ خريجة قسم النقد والأدب المسرحي ــ الكويــت


Deprecated: htmlspecialchars(): Passing null to parameter #1 ($string) of type string is deprecated in /home/jzhfpuiesk8e/public_html/naqd-x-naqd.com/wp-includes/formatting.php on line 4650

Deprecated: htmlspecialchars(): Passing null to parameter #1 ($string) of type string is deprecated in /home/jzhfpuiesk8e/public_html/naqd-x-naqd.com/wp-includes/formatting.php on line 4650

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى