كاظم النصار: صاحب المعطف
كاظم النصار★
جئت إلى معهد الفنون متأخرًا زمنيًا، وبعد جهود كبيرة، وتضحيات جسام لخمس سنوات متواصلة، حصلت على المركز الأول على قسم الفنون المسرحية، ثم وضعوني في الصف الثاني في كلية الفنون مباشرة، كان الفارق العمري بيني وبين أي طالب في الكلية، يتجاوز عشر السنوات، كما كنت متأثرًا بسيرة وسلوك وموضات وأشكال ما قرأته في السيرة والروايات للكُتَّاب والفنانين، فشعري طويل، ولحيتي أطول، وأرتدي معطفاً ثقيلاً بلا مناسبة، وذاهل، وجيبي يصفر (خال)، وكل صفنة (تأمل)، تستغرق مني ساعتين ونصف، مثل شخصية قافزة من إحدى روايات فيكتور هوجو، للتو بدأت أنشر نصوصي الشعرية في الصحف والمجلات، وبدأت ألملم مجموعتي الشعرية (قبعات الأرامل ترفرف عالياً)
لكن أنساق العرض المسرحي وأسراره، تختلف عن كتابة قصيدة، وظل كثيرون يقدمونني بصفة الشاعر، لكنني كنت أهرب باتجاه أسرار العرض وثقافته، حتى كان يعتقد البعض أنه وبسبب رواسبي الشعرية، سأهتم بالمضمون، وأظل أسيراً له، لكن ذلك يتعارض مع ما تعلمته من أسرار العرض، التي درستها وتعلمتها في المعهد، وفي الكلية، وفي بروفات العروض، وجلساتها النقدية الفخمة، من منظومة بصرية وسمعية، وتلاحمهما.
يوماً جاءني الشاعر حكمت الحاج، وقال لي: يا أخي اِحلق لحيتك، وارمِ معطفك الثقيل، واحلق شعرك …وانفتح على زملائك …. طالع جنك(كأنك) بوهيمي، ومرة دخلت الكلية صباحاً، فصرخت إحدى الطالبات يمه اسم الله ….. تف.. تف.. أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم.
كنت معتداً بنفسي، واكتشفت بعد حين أن أمامي زمناً طويلاً، ورحلة طويلة، لكي أضع قدمي بقوة في حيثيات المارثون المسرحي، الصعب والشائك معرفياً وعملياً.
مع هيبة جعفر السعدي، اِزددت معرفة أسرار الإخراج، بعد أن درسته في المعهد، على يد أساتذة أجلاء، مثل: عزيز جبر، ويوسف رشيد، وعماد الصافي، ثم مع أسعد عبد الرزاق والمسرح العربي، ثم مع بدري حسون فريد، في الإنتاج وأسراره وتقاليده، وطرق الإخراج، ثم سامي عبد الحميد، وتنوع الأساليب الإخراجية، ثم مع صلاح القصب ومحاضراته، التي تزعزع قناعاتك الثابتة، ومفاتيحها المهمة، عدا عن أساتذة أجلاء، يفككون لنا ماهية المسرح، وعلاقاته المجاورة في النقد والادب، مثل: مالك المطلبي.
قدَّمت وأنا مازلت طالباً، عرضين حازا على جوائز هما (حياة مدجنة)، وعرض (أمام الباب)
في أول إطلالة لي مع محور عروض حياة ما بعد الحرب، حصلت على أفضل ممثل، وأفضل مخرج في عرض (حياة مدجنة)، فأرسل الأساتذة بطلبي، يستفسرون عن هذا الكائن صاحب المعطف، من أين هبط عليهم.
أحدهم، وهو أستاذ قال لي: يعني ماكو (أليس هناك) غيرك بالبلد، لتأخذ جوائز الإخراج والتمثيل بوقت واحد.
ما علاقتك وأنت شاعر؟
كالعادة ابتسمت، وهربت …
وفي عرض (عائلة توت) الذي قدمته في الكلية، قام أحد الطلاب، وفضح المضمر من النص، وقال بالقلم العريض: لماذا لا يفصح المخرج عمن يكون الجنرال؟
وهنا لملم رئيس القسم آنذاك الجلسة النقدية، وأنهاها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ مخرج ــ العــراق