سينما

عاطف أبو شهبة: إعادة حق “الأراجوز” الذي ظلمه فيلم لقاء بعد الغروب؟!

عاطف أبو شهبة★ 

حين تبحث عن بقيه طاقم العمل عن طريق محركات البحث المتعددة، ستجيبك بالتأكيد، ولكنك لن تجد للأسف اسماً مهماً جداً لبطل آخر، وصاحب نص موازٍ للعمل يظهر في فترات يصعب حينها أن تجد بديلاً شعبياً يجذب الجمهور، هو اسم فنان الأراجوز، ويخبرك مخرج العمل أنه يستخدم الفنون الشعبية، في أول مشهد في الفيلم، وهو يركز بلقطة (لونج شوط) للبيانول، التي كانت من فنون الشارع مثل الأراجوز، والحواة، وغيرها من الفنون، التي كانت موجودة قبل ظهور السينما، وظل وجودها لفترة طويلة، حيث لازال الأراجوز من الفنون، التي تظل تقاوم، وترفض أن تندثر.

نعود إلى الفيلم، وتحديداً نستعرض دور الأراجوز، وأهمية وجوده ونسأل: لو اختفى الأراجوز من الفيلم، هل كنت تشعر بأهميته؟ وهل وجوده إضافة للفيلم؟ وماهي مبررات وجوده أصلاً؟ كلها أسئلة سنجيب عنها من خلال استعراضنا للفيلم، بتركيز على دور الأراجوز فيه.

يستعرض الفيلم حياة زوجة جميلة شابة رومانسية، تعيش مع زوج فرضته عليها الظروف، والأهل، وكانت هذه هي التيمات الغالبة في المجتمع وقتها، والزوج طيب لديه ميراث كبير، أموال كثيرة، وفيلا في الإسكندرية على البحر، تزوجها زواج صالونات، ورغم أن الزوج يحب أسرته، لكنه يشعر بالوحدة، فيشغل نفسه كباقي أثرياء ذلك الزمن، بالصيد في لنشه الخاص، والذهاب إلى نادي البيلياردو، يحب الأكل، ولا يهتم بالجانب الرومانسي مع زوجته، ولا يجيد التعامل مع طفله المدلل،  أما الزوجة التي تعيش فراغاً، فتؤمن بقدرها، و ترضى بالأمر الواقع.

 تدور أحداث الفيلم بالإسكندرية، التي كان لها دور مهم في نسبة كبيرة من الأفلام الرومانسية، حيث كانت تُنْسَجُ قصص الحب على شواطئها، وتحمل العديد من الذكريات الجميلة، للعديد من الناس، فللمصيف في الإسكندرية، مذاق خاص.

فجأة يظهر للزوجة حبيبها الأول على شاطئ (ستنالي)، حيث تقيم، يطاردها محاولاً الالتقاء بها، ليعرف سبب ابتعادها عنه، هنا يظهر الأراجوز بكشكه المعروف، والذي كان حينذاك يُحمل على الظهر، ويتجول به اللاعب، حيث نجده أمام الفيلا في الشارع، وهو يغني بصوته أغنية شهيرة وقتها للفنانة (فايزة أحمد) وهي أغنية (بتسأل ليه عليا، وتقول وحشاك عنيا)

يتوقف الطفل أمام الأراجوز مع الأسرة، ويُصِرُّ على ذلك، وهنا يقول لك كاتب السيناريو: اِنتبه، هناك بداية لنقل القصة إلى مستوى آخر، حين تهرب الزوجة تاركة الأب والطفل يشاهدا الأراجوز، لتجد التليفون في انتظارها بجرسه، وصوت الحبيب يعاتبها لماذا تهرب منه، ويلح في طلبه للمقابلة، وهي تردد “ما فيش فايدة” كي تغلق الطريق، لكن نتيجة إلحاحه على اللقاء، توافق، ليكون أول لقاء في نفس المكان، لآخر لقاء بينهما الساعة الخامسة (قبل الغروب بقليل)، ليستعرض لك سبب الفراق بينهما وهي لعبة الأهل، الذين كانوا يخفون خطابات الحبيب المسافر للدراسة، المرسلة عن طريق البريد، وهي الطريقة المتاحة وقتها، حين كان الطالب تجبره ظروفه، لتغيير عنوانه دائماً، مما يؤدي لعدم وصول خطاباتها له، ومصادرة خطاباته من قبل أهلها.

حيث ظلت الفتاة ترفض الزواج من غيره، إلى أن حضر زوج بمواصفات يصعب رفضها، فهو رجل غني طيب، ولديه ميراث كبير، ومع ضغوط العائلة، تتخلى عن حبها، بعد أن قرأت خطاباً جاء لابن عمها من حبيبها، كشاب يتحدث فيه عن نساء باريس، وزيجات شباب المصريين، وهذا ما جعلها تشعر أنه تزوج، ونسي حبها، وتمر الأحداث، وتتعدد اللقاءات بين الحبيبين، دون أن يتعدى كل منهما حدود إيقاظ علاقة حب حقيقية.

حتى يطلب الحبيب أن يلتقي بها في الشاليه الخاص به، بعيداً عن الناس.

هنا يبدأ اهتمام الأم بالطفل يقل، بعد الاهتمام الكامل به، وهنا يتدخل السيناريو المكتوب للأراجوز، ليكشف لك (نمرة) مكتوبة خصيصاً للفيلم، وليست من تراث الأراجوز، ويؤكد لك ذلك بظهور الأراجوز بجلبابه المعروف دون الطرطور، لينبهك للأمر، لنعود إلى (النمرة) وهي تتحدث عن الخيانة الزوجية بواسطة عروسة، تمثل شاباً يغني أغنية معروفة وقتها، وهي (زنوبة) ويتغزل بها، وتظهر زنوبة، أو زوجة الأراجوز، وتعرف أنه يحبها فيرقصان معاً.

فجأة تظهر دمية تمثل الزوج، لتعلن ضبط خيانتها، وهو يحمل الشومة المعروفة كأداة العقاب لدى الأراجوز، ويرتدي كما أشرنا سابقاً جلباب الأراجوز دون الطرطور، وبصوت أجش لا استعارة فيه، باستخدام الشومة يقوم بتأديب الِاثنين معاً، وهنا يمكن أن نحسب الموقف، أنه استخدام للدمى، ولكن من خلال مسرح الأراجوز.

في هذه الأثناء، يظهر الطفل (اِبن الزوجة) بين مجموعة الأطفال، والجميع سعيدون وفرحانون، ويسقط المخرج برمزية شديدة على الواقع، فيلا الطفل كاملة من داخل شباك الأراجوز، ليؤكد لك أهمية استخدامه للأراجوز، عندما يأتي موعد لقاء الزوجة مع الحبيب يتبعها الطفل، في حين تعتقد أنه نائم في فراشه ليشاهد – دون أن تشعر هي وحبيبها – أمه ترقص في أحضان رجل آخر غير أبيه، وتظهر للطفل نفس (النمرة) على صفحة المياه، فيتخيل الطفل نفسه مكان الأراجوز، ممسكاً بالشومة، ليضرب عشيق الأم.

لا تعلم الأم بمتابعة الطفل خطواتها، واكتشافه خيانتها، لكنها تشعر بالجفاء الذي يبدو عليه هو، فتحاول أن ترضيه، لكنه يرفض، هنا يتأزم الموقف، مما يجعلها تحاول أن تستدر عطفه.

تدخل الأم البحر، وتتعرض للغرق، فينقذها حبيبها الذي كان يتابعها عن بعد، وبهذا يدخل إلى العائلة بشكل شرعي، ويصادف هذا اليوم، عيد زواجها.

تحاول الزوجة الهروب، لكن هذا الموقف يجعل الزوج يدعوه لحفل ذكرى زواجهما، فيحضر ومعه هدية، لكن الزوجة توضح أمام الزوج والِابن أن الهدية للعائلة، وليست لها فقط.

يقوم الطفل بكسر هدية العشيق، فيعنفه الأب، وحين تستوضح الأم سبب ذلك الموقف الذي قام به الطفل، يخبرها الطفل بأنها فعلت مثل ما فعل الأراجوز، ويتهمهم جميعاً أنهم أراجوزات، هي والأب، والعشيق.

في هذا المشهد  يظهر  تأثير الأراجوز في الفيلم، وسبب ظهوره، ومع إصرار الحبيب على التواجد، نجد أن الزوجة التي تشعر بضعفها، تحتمي بزوجها بالتقرب له، والهروب من ضعفها، لكن الزوج رغم اكتشافه لمناطق ضعفه أمام زوجته، وأنه مدرك أنها لا تحبه، وأنه يحاول أن يقدم لها كل ما يملكه، وهي تشعر رغم ذلك بالحماية في وجودها مع الأسرة، لِأنها تستنكر شكل الخيانة، رغم انجذابها للحبيب، وتقرر أن تشارك زوجها حياته، وتخرج معه في رحله صيد، لنفاجئ بأن الحبيب يظهر في نفس اللحظة، فيدعوه الزوج الطيب، لمشاركتهم الرحلة، لكنها تكون الرحلة الأخيرة، حيث يتعرض الزوج للسقوط من القارب وهو يصطاد، ورغم محاولات إنقاذه من الزوجة والحبيب، لكن  يلقى مصيره، ورغم أن الحادث قضاء وقدر كما أثبتت النيابة، إلا أن  الطفل يعتقد أن الأم والعشيق، تآمرا على الأب وقتلاه.

يعاقب الطفل الأم بالابتعاد عنها، والنوم في غرفة الأب، ورغم محاولات الأم توضيح الأمر، لكن الطفل يرفض هذا.

يختفي الحبيب محترماً حالة الحزن، التي تجتاح الأسرة، ولا يعلم بكل هذه الاحداث.

يظهر الأراجوز للمرة الرابعة، ليعطي الطفل درساً آخر عن طريق جزء من أغنية لعبد الوهاب (قولي عملك إيه قلبي)، ورغم ذلك يهرب من المنزل، وتطارد الأم نفس (النمرة) للأراجوز (نمرة) الخيانة، وتقف حائلاً بينها وبين العشيق، وتبحث عن الِابن دون جدوى، هنا  يظهر الحبيب للمساعدة، بعد أن يقرأ الإعلان الذي نشرته الأم، بعد أن أعياها البحث، لكنها ترفض، وتطلب منه الِابتعاد، وفي نفس لحظة الحوار الدائر بين الأم والعشيق، نجد الطفل يتسلل إلى المنزل، دون أن يشعر به أحد، ويأخذ الشومة التي كان يملكها الوالد، ويتخيل نفسه  يضرب العشيق مثل الأراجوز، فيسمع الطفل كلام الأم، ومدى حبها، وحب الأب لهما من خلال ترديدها  جملة “يكفي أنها فقدت الزوج لا تستطيع أن تفقد الِابن أيضاً” وهي حكمة مقصودة في الفيلم تدل على أن الانسان لا يُقَدِّرُ ما لديه، وأنها رغم وجود الحبيب، لكنها تفتقد وجود الزوج والِابن، فالحب الحقيقي لا يمكن له ان يهدم أسرة.

يؤكد الحبيب كلامها مشيراً، بأن وضعهما لا ذنب لهما فيه، وهنا يقرر الحبيب الابتعاد بعد أن يرجع لها ابنها، وينجح في ذلك، فيجد الِابن، ويوضح له أنه لن يكون السبب في اِبتعاد الأم عنه، بل سيضحي من أجل الطفل.

يستمع الطفل لكلام الحبيب لحظة الوداع، ويتأثر حين يذكر له أن أمه تحتاج إلى قلب رجل، وهو يحتاج إلى من يمد له يده، يتركها ليذهب إلى الشاطئ، ويجد الطفل الذي يهجم عليه بالعصا مثل ما شاهد في الأراجوز، ولكن باستسلام العشيق له، ويفهمه العشيق أن الأم في احتياج له، وتبكي من أجله، وعليه العودة، فيتصالحا، ويعود إلى الأم، ونفاجأ بأن الطفل يكرر نفس الجملة التي قالها العشيق، وهي أنها تحتاج إلى قلب رجل، والطفل يحتاج إلى يد كبيرة، لتساعده، وينتهي الفيلم بمشهد الثلاثة في السيارة عائدين إلى القاهرة.

لو راجعنا مواقف الأراجوز في الفيلم، سنجد أنها مهمة، ولا يمكن الاستغناء عنها في السيناريو، حيث إنها تعتبر نصاً موازياً، يفتح دوماً مناطق، ويضيء على مناطق أخرى، لكننا للأسف، لن نجد اسم لاعب الأراجوز ضمن تتر الفيلم، ولا نعرف من كتب سيناريو الأراجوز، ونعتقد أن هذا اللاعب، تنازل عن حقه الأدبي، ولم يهتم صناع الفيلم به رغم أهمية دوره، والغريب أننا لو ناقشنا فيلماً آخر، وهو فيلم (الأراجوز)، الذي قام ببطولته الفنان عمر الشريف، سنجد نفس الأهمية لوجود الأراجوز في الفيلم، وتلك حكاية أخرى.

                                 لقاء في الغروب

قصة وسيناريو وحوار وإخراج: سعد عرفة

بطولة: مريم فخر الدين، رشدي أباظة، عدلي كاسب، أحمد صبري(الطفل)، جمعة إدريس، على لوز.

مساعد المخرج: أنور الشناوي

تاريخ العرض: 10 مارس 1960.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ مخرج مسرحي – مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى