رواية

شيماء مصطفى: “2ضباط ” لعصام يوسف.. ماذا يحدث حين يتزوج المال بالسلطة ؟!

شيماء مصطفى

تدور أحداث رواية “2ضباط ” لعصام يوسف ، والصادرة عن الدار المصرية اللبنانية ، والتي حظيت بشهرة كبيرة باعتبارها أبرز محطات الكاتب الأدبية، في إطار تشويقي، حول ضابطين أحدهما يدعى وليد سامي وهو ضابط معروف بكفاءته ونزاهته وتمسكه بتطبيق القانون، والآخر يدعى شريف بيومي ، ويمثل النموذج المضاد لشخصية وليد، تذهب مها زوجة وليد ، رفقة عماد شقيقه لوداعه في محطة الجيزة قبل سفره للخدمة في محافظة المنيا، فيقعا أثناء عودتهما في قبضة الضابط شريف ورجاله.

سميائية الأسماء وموقفها من زواج المال والسلطة.

حملت الأسماء في دلالتها رموز وعلامات سيمائية، فوليد اسم مشتق على وزن صيغة المبالغة فعيل ، وهو يشير إلى الولادة الجديدة ، وللمفارقة تفقد زوجة وليد مها طفلهما في مستشفى أم المصريين ، بسبب صفعة قوية تلقتها من الضابط شريف أسقطتها أرضًا وأفقدتها جنينها التي ظلت طيلة خمس سنوات منذ زواجها بوليد في انتظاره.

أما شريف فقد حمله اسمه مفارقة أيضًا إذ تتنافى أعماله المشينة، وانحرافه الأخلاقي والمهني ، واستغلاله لسلطته عن دلالة اسمه ، فهو بعيد كل البعد عن الشرف، وإن تطلع للمجد والرفعة بطرقه الوصولية.

أما راغب المحفوظ رجل الأعمال ووالد بيري زوجة شريف، فحملت دلالة اسمه سيمائية اتسقت مع تكوينه الشخصي والأيدلوچي، وبدا ذلك من تحفظه الشديد في البداية على زواج ابنته من شريف، معلنًا رأيه بشكل واضح ومباشر بأنه أمام صديقه اللواء هاشم أنه لا يريد أن تتزوج بيري من ضابط، لأنه كرجل أعمال يعلم أن الوصول للسلطة يفرض على صاحبها تقديم التنازلات، وربما اقتراف الموبقات، وزواج السلطة من المال يكون البداية لانهيار المال، وطرف الخيط لتفكك السلطة، ولهذا بدا راغب راغبًا في الحفاظ على ثروته وابنته ، ومتحفظًا في علاقته مع شريف، فحتى بعد زواج بيري من شريف ظل شريف مقصيًّا عن مؤسسة راغب.
وقد بدا هذا بشكل جلي في حوار سريع بين اللواء هاشم وراغب عن شريف:
” عايزك ترفع إيدك عن ضهره بس، وأنا متأكد أنه هيقع لوحده”

حتى الشيخ عرفان مالك شركة الاستثمارات في السعودية والتي عمل بها محمد سامي والد الضابط وليد، له من اسمه صفات، إذ أنه لم يكن ناكرًا لجميل صنع محمد سامي، فبعد وفاة محمد سامي وأداء واجب العزاء ، قدم لأسرة الراحل دعوة لأداء العمرة في الأراضي المقدسة، وطلب من الابن الأكبر وليد استمرار التواصل معه، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل أنه رحب باستقبال عماد الابن الأصغر لمحمد سامي إذ أراد العمل بالسعودية.

بين وظائف العنونة وأيدلوچية النص

وفقًا “لڤان دايك” يعد العنوان اللبنة الأساسية لبنية النص الكبرى، وهو أيضًا ” العتبة الأولى لقراءته وفقًا لچيرار چينت، وفي “2 ضباط ” أظهر العنوان عنصري الصراع ، وهو صراع غير مألوف بالنسبة للقارىء والذي أقحمه المؤلف في العمل من الوهلة الأولى بإشارته بأن العمل مقتبس من أحداث حقيقة ، وقد بدا الصراع غير مألوف كونه تمثل في صراع بين ضابطين كل منهما له مكانته في موقعه، فكان الصراع بين أبناء السلطة الواحدة والقانون الواحد متمثل في الصراع بين وليد وشريف، عكس المألوف لدى العامة من صراع أبناء السلطة وصعودهم على حساب الضحايا والأبرياء.

يقول دايفيد جاسبر” ليست النصوص ما تقوله فقط، بل هي أيضًا الطريقة التي تقوله بها”

وقد اعتمد عصام يوسف في بنية نصه السردية على المنهج المقارن، لبيان التناقض الفج بين عالم وليد المثالي وعالم شريف بيومي الذي يستغل سلطته للثراء بطرق غير مشروعة بعمله في مجال تهريب السيارات بالتعاون مع الحاج عباس صديق والده، متلاعبًا بالقوانين التي تحتم عليه تطبيقها، وبطرق مشروعة من خلال الزواج من بيري ابنة راغب المحفوظ رجل الأعمال.
وقد تمددت المقارنة بين الثنائيات فشملت النظرة للتجار بين الماضي والحاضر، في حديث بين بيري ووالدها راغب ، حين ذكرها بالفارق بينها وبين شريف.

كما جاءت البنية الحوارية بين الشخصيات بمساحة أكبر من البنية السردية ، مما أكسب النص حيوية واتساقًا مع إشارته بأنه نص واقعي.
كما استخدم المونولوج العامّي لمعاصرة الأحداث ، وليهرب بذكاء من تعقيدات اللغة وتراكيبها ، ويخلق علاقة حيوية آنية بينه وبين القارىء.

وقد استند في البنية السردية للنص على راوٍ خارجي معبرًا عنه بضمير الغائب؛ ليفصل زمن الحكاية عن زمن الحكي؛ وليضفي حيادية أكثر على السرد.

وعن بناء الشخصيات وكشف مرجعيتها الأيدلوچية والسوسيولوچية فقد اتضحت معالمهما من السرد والحوار على لسان الشخصيات، فقد لعبت التنشئة الاجتماعية والبيئة دورًا محوريًّا في تكوين عقلية البطلين، وطريقة تفكيرهما، ولإظهار الفجوة بين عائلة الحاج بيومي والد شريف القاطن بحدائق القبة ، والمالك لمعرض سيارات، وزوجته الحاجة فوزية وبناتها الثلاثة، وبين أسرة محمد سامي الذي يعمل مديرًا ماليًّا وإداريًّا، في إحدى الشركات الاستثمارية الخاصة بالشيخ عرفان في السعودية ، وزوجته مس آمال ، وابنيهما عماد ووليد، كذلك أسرة الدكتور رأفت والد مها، تختلف عن أسرة رجل الأعمال راغب المحفوظ، وقد تناول الكاتب بالشرح المفصل والوصف الخارجي وسمات أفراد الأسر الأربعة داخل العمل بدقة شديدة، فرسم أمام القارىء صورة بصرية درامية، وصورة ذهنية تبرر سلوكياتهم، ولخدمة الصراع بين الضابطين، ولهذا كان سلاح شريف الميري لا يفارقه، لأنه جزء من تركيب شخصيته، ولأنه شريف يدرك أنه لا قيمة له دون سلاح / السلطة، حتى وإن امتلك أبوه معرضًا للسيارات.

وقد اتسع المكان ليتلائم مع طبيعة عمل الشخصيات كضباط شرطة، فنجد شريف ووليد ينتقلون من أسوان إلى المنيا إلى الجيزة ، وبين إمبابة والزمالك والمنيل وحدائق القبة، والإسكندرية ، وغيرهم.

تحت مظلة القانون

اتخذ شريف من القانون وسيلة ليستعبد الجميع، وليمارس فحولته، مثلما فعل مع سحر حين أجبرها على مضاجعته، لكنه لم يكن يعتقد بأن القانون هذا هو من سيقتص منه لضحاياه.
” كان اللواء هاشم أول من اهتم بتطبيق القانون حيال إهمال ورعونة هذا الضابط”

وإن كان القانون وسيلة شريف لتحقيق مصالحه الشخصية ، فإن القانون بالنسبة لوليد وسيلة يلوذ بها المستعبدين لنيل حقوقهم ، ولهذا كان مستنكرًا لموقف العميد
هل هذا هو الحق والقانون الذي درسه ، وآمن به سنوات؟!”

ناقشت الرواية موضوع العدالة والسلطة والاستبداد، كما سلطت الضوء على العلاقة بين السلطة والمال، كما تطرقت إلى الأجواء الضاغطة التي يعيشها رجال الشرطة في مطاردة المجرمين والخارجين عن القانون، عبر مداهمة عائلة بخيت الدوكش بقرية البدري، كما استعرض نموذجين متباينين من رجال الشرطة ليؤكد أن كل مؤسسة تحوي تحت سقفها الصالح والطالح، والاحتكام للقانون وتطبيقه دون تلاعب، يحسم الصراع.

نجح العمل في إلقاء الضوء على الصراعات الداخلية والأخلاقية التي يواجهها رجال الشرطة بشكل أدبي ، وكذلك تأثير قراراتهم على الأفراد والمجتمع، كما كشف العلاقة المتوترة بين القانون الشخصيات الأساسية التي وجدت نفسها في موقف يجبرها على الاختيار بين الامتثال للقانون وتحقيق الخير العام أو بين الانصياع للممارسات غير الأخلاقية لتحقيق أغراض شخصية، العمل في مجمله رحلة مشوقة داخل عوالم رجال الداخلية وصراعاتهم الشخصية مع القانون ومع الخارجين عنه، والموكلين بتطبيقه.


★سكرتيرة التحرير.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى