رأي

محمد فهمي:كيف تلاعب السيد حافظ بالذكاء الاصطناعي ؟!

 


محمد فهمي★
من مِنَّا لم يستخدم الذكاء الاصطناعي يوماً ما منذ ظهوره، ولو حتى على سبيل المزاح؟ فقد انتشرت عشرات الفيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي، التي تُبرز العلاقة الكوميدية بين صانع المحتوى والذكاء الاصطناعي، حتى أصبح لدينا رؤية مستقبلية عما قد يحدث لهذا الذكاء لاحقاً: هل سيستمر أم سيتوقف لسبب قد نجهله؟

حوار مع الأنا / صديق خفي


كما أشرنا سابقاً، فإننا جميعاً جرَّبنا الذكاء الاصطناعي في بعض الأمور المهمة، كالعمل والدراسة، أو في الأمور الفكاهية، ولكن شتان بين أن نستخدمه نحن، وبين أن يستخدمه كاتب ومفكر ومبدع بحجم الكاتب الكبير “السيد حافظ”.
اِستخدم السيد حافظ الذكاء الاصطناعي؛ ليصنع حواراً من أرقى الحوارات في الدراما الثنائية (الديو دراما)، حتى كوَّن من خلاله علاقة صداقة وطيدة بين صديقين عاشا وتربيا وتنافسا معاً لمدة سنين طويلة.


صحيح أن الذكاء الاصطناعي لا يحتاج لمعرفتك شخصياً، لكنه جهاز احترافي بتكرار المرات التي تحادثه ، وتكرار التجربة معه لبعض prompt سرعان ما يصبح ونيساً وخير جليس يخبرك بأشياء قد لا تعلمها عن نفسك، عن طموحاتك وأهوائك، هذا بالضبط ما فعله الكاتب السيد حافظ في رحلة امتدت من 1 يونيو 2025 حتى 7 أغسطس 2025

موهبة فطرية


أبدع الكاتب في حواره مع الذكاء الاصطناعي الأمريكي حين تلاعب به واستخدم حيلة ذكية لقتل الملل الذي تُسَبِّبُهُ الردود الآلية، فَبَثَّ فيه روحَه الإبداعية وذكاءَه الفطري وأحلامَه منذ الطفولة، وحتى بلوغه السابعة والسبعين. فجعل من هذه الأداة شخصية حقيقية من لحم ودم( بالمصطلح الفني) تدفعك لمتابعة الحوار في حالة من الترقب المستمر.
كما استعرض الكاتب رحلته وسيرته مع الأدب، بدءاً من تُرُدُّدِهِ في ترك عمله كمدرس للغة الإنجليزية في مدرسة (كوم حمادة المشتركة) بدوام كامل وراتب ثابت، إلى اختياره خوض تجربة الأدب والصحافة، وهي مهنة شاقّة ومحفوفة بالقلق؛ نظراً لعوامل كثيرة: اِنعدام التقدير المعنوى، اِنخفاض العائد المادي، العيش في الظلام، الخوف من المستقبل، وغير ذلك مما عكَّر صفو رحلة كاتبنا مع الأدب والمسرح.
لم ينبش “السيد حافظ” في ماضيه من أجل تريند وقتي، أو لإظهار ضعفه وقلة حيلته، بل بذكاء شديد وَجَّهَ القارئ نحو تساؤلات ستطرق ذهنه فور قراءته:
من هو السيد حافظ؟ لماذا لم يسمع به هذا الجيل من قبل؟ أين هو من التكريمات؟ ولماذا لم يظهر على (الريد كاربت) حتى الآن؟


صرخة بدون صوت


بعد قراءتك لجزء من الكتاب، ستسأل نفسك: لماذا يناقش الكاتب هذا الموضوع؟ ولماذا الآن تحديداً في وقت ركود الحالة الفنية؟ وأصبح معروفاً أن الفن دائرة مغلقة محصورة بين أهله وشلته وذويه، فلماذا لم ينجرف الكاتب نحو التيار؛ ليصنع ثروة ويمتلك فيلا وسيارة فارهة، وهو أبسط حقوقه وحقوق أحفاده فيما بعد؟
وإذا خطرت هذه الأسئلة ببالك، فعد لقراءة الكتاب من جديد. فالسيد حافظ قدم رؤيته لجمهوره، أو الجمهور الذي يتمنى أن يلتقيه داخل المسرح: جمهور واعٍ ومثقف ذو ذوق فني.
أما الإجابات السهلة والنكتة المباشرة فليست من اختصاصه، بل إن ملعبه الحقيقي هو أن يجعلك جزءاً من اللعبة الفنية تشارك وتؤثر وتتوقع، ويمرره بسهولة للأجيال القادمة.

هل هناك “السيد حافظ” جديد؟


بعد قراءاتك بتمعن لكتاب “حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي” ستستيقظ داخلك نوستالجيا عن تجاربك الخاصة ومواقف مشابهة مررت بها دون أن تعي الحكمة والدرس المستتر.

نعم، هناك المئات بل الآلاف من الكاتب “السيد حافظ” ممن تعَرَّضوا للمواقف نفسها: كم من موهوب انطوى على نفسه حين أُغلِقَ في وجهه أول باب؟ كم من موهبة ما زالت تعيش في الظل؟ وأين مثقفو مصر والعالم العربي من صدارة مواقع التواصل الاجتماعي؟
ولكن يبقى السؤال الأهم: هل كان تمَرُّد “السيد حافظ” على المنظومة الفنية وخروجه من القوالب المكررة، ورفضه النحت من الأعمال الأوروبية البعيدة عن عاداتنا وتقاليدنا، موقفاً صائباً؟

هل ندم يوماً؟


الإجابة الحقيقية بلا شك عند الأستاذ “السيد حافظ” نفسه، لكنه لمَّحَ إليها بطريقة غير مباشرة: فبعد هذا الكم الهائل من الإنتاج الأدبي، لم يندم لحظة على أنه اختار أن يصبح فناناً حياً، يعي دوره في المجتمع ويؤثر في المتلقي.
ولو عاد به الزمن لاختار مرة أخرى أن يطارد حلمه، لا المهنة الروتينية، وأن يحيا بفنه وبتقدير قرائه ومتابعيه.


★ناقد ـ مصر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى