رأيسينما

شيماء مصطفى: كيف صنع الغرب من الأفلام سلاحًا؟

شيماء مصطفى

في ضوء الأحداث الأخيرة المتلاحقة التي شهدتها المنطقة العربية عامة، والأراضي الفلسطينية خاصةً، توالت الاتهامات الموجهة للفن على أنه وسيلة للتسلية والترفيه وقتل أوقات الفراغ، فبات كل احتفالٍ بإنجاز خيانة، وباتت كل ضحكة نختلسها جريمة، وكأن الفن تُهمة أو سُبة تُلازم أربابها، بل أصبح التضامن مع أي قضية عند البعض معناه إلغاء كل نشاط ثقافي أو فني، وهذا ما يطمح به أي طرف مُعادٍ، الوصول إلى إخراسنا وموتنا ثقافيًا وفنيًا وإنسانيًا، وبغض النظر عن مدى قوة كل حجة في هذا المجال، أرى أن استمرار الحياة بكل مجالتها تأكيدًا على أننا- أمة- لا نرهب ولانخاف ولانموت مهما واجهنا من مآسٍ.

كل ما أطالب به أن نقف ونسأل قبل أيامٍ، كيف لشعوب -وليست حكومات- تنادي بالحريات وتدعي أنها داعمة للسلام تؤيد وتساند مصاصي الدماء؟!
ما الذي جعلهم ينظرون للكيان الصهيوني الغاصب نظرة المجني عليه؟
كيف يتعاطفون مع القاتل المجرم بكل ما يمتلكون من قوة؟
لا نطلب العودة للوراء، لسنوات سابقة، ولكن دعونا نعود قبل الأزمة الحالية لشهر سابق حيث الترويج لسلسلة من الأفلام في دور السينما والمنصات الأجنبية كمنصة (نتفليكس) حيث فيلمي (أوبنهايمر)، و(جولدا).
فصناعة السينما مثلها كأي صناعة، لا بد من وجود جمهور توجه إليه الصناعة.
فأوبنهايمر وجولدا كما كنت أعتقد أنهما صُنعا خصيصًا لكسب تعاطف الجمهور العربي وانقلابهم على تاريخهم، ولكن وبعد الأحداث اختلفت زاوية الرؤية تمامًا، فأصبحتُ على يقين بأن هذه الأفلام صُنعت لشعوبهم، وما ينفي هذا شيء واحدٌ فقط، وهو أن نسبة مشاهدي النتيفليكس من العرب لا تتجاوز عشرة بالمئة، فضلّا عن أنها ليست أفلام ذات مستوى، ربما تكون الأعلى تكلفةً، ربما تكون اعتمدت على نجوم حازوا على الأوسكار وغيرها من الجوائز ك«هيلين ميريت» و«كيليان مورفي».


الرأي هنا – وقد نكون مخطئين – أن كل ما طُرح من أفلام سواء على المنصات أو في السينمات الغربية ما هو إلا لكسب تعاطف الشعوب الغربية، حتى أن اليابان نفسها متمثلة في حكومتها متناسية ما حدث فى الماضي لشعبها تعاطفت معهم، ولم يقتصر الأمر على التعاطف، بل تجاوز الأمر بالدعم والمساندة!
ما الغرض من هذا الفيلم؟
أنسنة الشيطان في Oppenheimer، تدور قصة الفيلم عن السيرة الذاتية ل «روبرت أوبنهايمر»، عالم الفيزياء النظرية، اليد الأولى في تطوير أول أسلحة نووية كجزء من مشروع مانهاتن خلال الحرب العالمية الثانية، والمُلقب ب (أبو القنبلة النووية)،
فالفيلم لا يمكن تصنيفه على أنه علمي يناقش الفيزياء الكمية وأثرها، ولا تاريخي يوثق سيرة أوبنهايمر، ولكن لا يمكن أن يتم تصنيفه على أنه إنساني يتخذ من الابتزاز العاطفي وسيلة لجذب المشاهدين، لكنه حاول اللعب على كل الأوتار من خلال تحويل ما يدور في رأس «أوبنهايمر» إلى عرض داخل العرض، وكأنك مطلع عما يدور في ثنايا نواياه.


ففيلمي (جولدا) و(أوبنهايمر) جاهدوا في تبرير الإبادة البشرية للشعوب على أنه دفاعٌ عن النفس؟!
حتى أنك تجد أن أصوات الجماهير في أثناء خطبة أوبنهايمر بعد قذف قنبلتيه على اليابان أشبه بأصوات حركة الفاشية، وتجد «هيلين ميرين »في بداية فيلم جولدا تقول:« لقد تسلل إلينا العدو».
وفي فيلم جولدا محاولة لجعل جولدا أيقونة للمرأة التي أنقذت شعبها من الإبادة.
تجد أيضًا أن أفلامهم، لا تحمل لفظة الحرب، فتجدها تحمل اسم عالمٌ، سياسي،فضلًا على أن البطل لا يكون أمريكيًّا ف«كيليان مورفي» أيرلندي، و«هيلين ميرين» بريطانية، كنوع من الترويج لموضوعية وحيادية العمل.
هل نجحوا؟
نعم.. نجحوا – وللأسف الشديد – في تحقيق هدفهم، فلم يمض سوى أشهر قليلة من عرض تلك الأفلام ، حتى بدأت محاولات إبادة الشعب الفلسطيني من منطلق البداية في فيلم جولدا وجملتها الافتتاحية في الفيلم:« لقد تسلل العدو».
وأن ما يحدث الآن ما هو إلا رد فعل ودفاع عن النفس، فأصبحنا نرى اليابان التي عانت من ويلات قنبلة (أوبنهايمر) تدعم الكيان، وألمانيا التي ينتمي إليها هتلر وتم الإشارة لها في الفيلم أيضًا تلازمهم.
فلا شيء يحدث مصادفةً، ولا يمكن أن نتعامل مع السينما على أنها صُنعت فقط من أجل الترفيه، ليس ذلك بسبب تلك الأفلام الحديثة وحسب، ولكن من أجل أجيالنا القادمة أيضًا.

كيليان مورفي

فأرشيفنا السينمائي زاخرٌ بالأفلام التي يشيد بصناعتها التاريخ، فلا يمكن أن ننسى فيلم ( جعلوني مجرمًا) لفريد شوقي وهدى سلطان وإخراج عاطف سالم، وفيلم( كلمة شرف) من بطولة فريد شوقي ورشدي أباظة وإخراج حسام الدين مصطفى، فبفضل هذين الفيلمين تم تغيير القوانين لتكون أكثر إنسانية كإصدار قانونًا بالإعفاء من السابقة الأولى، وقانونًا يسمح للأهل بزيارة المساجين.
وتوالت بعدها العديد من الأعمال السينمائيةمنهم: فيلم( أريد حلًا) لفاتن حمامة، وفيلم (عفوًا أيها القانون) لنجلاء فتحي، وغيرها.
ولم تكن الأعمال السينمائية وحدها من تطرق لقضايا أسهمت في تعديل القوانين وأنسنتها، فهناك الأعمال الدرامية آخرها مسلسل( تحت الوصاية) لمنى زكي.
والسؤال الذي يفرض نفسه بعد ذلك.. هل استمرارنا بالعمل في الفن والثقافة كتعبير عن وجودنا ولنصرة قضايانا، يشكل عنصرًا فعََّالًا على أننا قوم لانموت مهما أراد عدونا ذلك، أم أن نوقف أنشطتنا أو نقوم بتأجيلها كنوع من التعبير عن تضامننا مع الإنسانية وقضايا الشعوب؟!


ناقدة-مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى