بدر الأستاد: “على هامان يا حليوة”.. أبرز قدرات الممثلين بطابع كوميدي أحبه الجمهور!


بدر الأستاد★
شهدت خشبة مسرح حمد الرجيب عرضاً مسرحياً بإشراف أستاذ مادة التمثيل الدكتور “خالد أمين”، بعنوان “على هامان يا حليوة”، كمشروع لمادة التمثيل لطلبة الفرقة الثالثة في قسم التمثيل والإخراج المسرحي.
وكما هو معروف أن مسرحية “على هامان يا فرعون” تكويت للمسرحية المصرية المعروفة “لو كنت حليوة” تأليف “نجيب الريحاني وبديع خيري”، لكن مسرحية “على هامان يا فرعون” عُرضت في الساحة الكويتية باعتبارها تأليف لـ “سعد الفرج وعبدالحسين عبدالرضا”!

بروشور مُعبِّر
نلاحظ من البرشور الذي صممه الطالب “محمد المسلم”، الاعتماد على فكرة المزج بين الثقافة الكويتية والمصرية؛ حيث اعتمد البروشور على ثلاثة أهرامات كرتونية مرتدية الزي الكويتي الشعبي (الغترة والعقال)، بينما الهرم الأصغر يرتدي الساري الهندي.
وهنا فإن الهرم ينقلنا تلقائياً للأهرامات المصرية، التي ترمز للحضارة والتاريخ، لكن استخدام (الغترة والعقال) يؤكد طابع المسرحية الخليجي، أما الهرم المغطى بالساري الهندي، فجاء موقعه وابتسامته؛ لتأكيد القوة والمركزية، وهذا ما وجدناه في العرض.

حبكة ذكية من خالد أمين
تدور أحداث العرض حول عائلتين؛ الأولى كويتية، والثانية مصرية، وهذا ما انعكس على ديكور المسرحية وأزياء الشخصيات أيضاً؛ حيث امتزجت الثقافتان من خلال السينوغرافيا.

لكل عائلة مشاكلها الاجتماعية، التي تتمركز حول رغبة الأب بتزويج ابنته من شخصية مرموقة، لمصالح شخصية، وما يحيط ذلك من شخصيات وأحداث تؤثر على الحدث الرئيسي؛ حيث إن السلطة الأبوية هي المحرك الأساسي للأحداث.

ولأن العرض الكويتي منقول حرفياً من العرض المصري، عمل المخرج “خالد أمين” على مزج المسرحيتين بذكاء شديد، وكأنه يريد أن يقول بأن كل مشهد من المسرحية الكويتية ما هو إلا امتداد لمَشاهِد المسرحية المصرية، وبما أن الجمهور الكويتي يعرف، بل يحفظ المسرحية الشهيرة “على هامان يا فرعون” فقد تم البدء بها أولاً، وهكذا بالنسبة للعنوان أيضاً، حيث كان العنوان الكويتي الأكثر حضوراً في العرض، حتى على مستوى العناصر المرئية.

سينوغرافيا معبرة وأزياء متجانسة
الديكور على رغم بساطته إلا أنه جاء متناسقاً مع تَوَجُّه المخرج الذي أشرنا له؛ حيث استطاع التعبير عن واقعية العرض، وفي الوقت نفسه جمع البيئتين الكويتية والمصرية معاً، ولكن ما أثار انتباهي وهي نقطة مهمة في السينوغرافيا، تلك الرمزية الموجودة في منطقة الوسط، والتي تعتبر المنطقة الأقوى على خشبة المسرح.

حيث نجد عند أطراف الباب على اليمين واليسار قطعة من القماش الأسود الطويل، المرصع بقطع ذهبية، أعطت أكثر من دلالة، فنجدها رمزاً للبشت، مما يؤكد على السلطة الأبوية داخل المنزل، وأثر قراراتها، وانعكاسها على الأبناء، مما وَلَّد صراعاً من نوع آخر وهو صراع الأجيال، والرغبة بالتحرر من قيود العائلة، ولعل ذلك اتضح من خلال العديد من مشاهد الأبناء، خاصة مشهد السكر.

ساهم في جمالية السنوغرافيا عنصر الأزياء للمبدعة دائماً الدكتورة إبتسام الحمادي، التي قدَّمت تصوراً يتناسب وطبيعة العرض الواقعي، ما بين البيئة المصرية والكويتية.

فكر خالد أمين
هذا هو العمل الثاني لخالد أمين، الذي يتمحور حول فكرة السلطة وآثارها على الطرف الآخر؛ حيث نجد هذه الثيمة متواجدة في مسرحية (أصل وصورة) التي عرضت في مهرجان الديودراما للوياك، للكاتبة “فارعة السقاف” التي تتمركز حول معاناة الابن، ورغبته بالتحرر من الأصل المتمثل في والده.

أكثر ما يعجبني في المخرج “خالد أمين”؛ حيث عرف عنه احترام فكر الشباب، كما أنه من الشخصيات التي عُرِفَتْ بدعم الفكر الشبابي الواعي، دون قيود أو حكم مسبق، بل يضيف ويقترح دون فرض، وهذا ما نجده قد انعكس على عمله.

أداء مميز، وإيقاع متماسك
تميَّزَ العرض بطابعه الكوميدي مما خلق أجواء حميمية بين الممثل والمتلقي، الأمر الذي انعكس على الممثلين الذين قدموا أداءً مميزاً، أبرزوا من خلاله طاقاتهم في التمثيل والتلوين الصوتي، فظل إيقاع العمل متماسكاً طوال العرض باستثناء مشهد واحد تم فيه استخدام الكوميديا الكاريكاتورية، فبدأت الأحاديث الجانبية في الصالة، وعاد الإيقاع متماسكاً إلى أن انتهت المسرحية على لسان العاملة الهندية، وبعبارة مباشرة أكدت على أن الزمن لم يتغير، لكن الناس هم الذين تغيروا.

نجوم العرض
تميز جميع طلبة الفرقة الثالثة بأدائهم؛ حيث كانوا نجوم العرض، وأتوقع لهم مكانة مميزة في عالم الفن في المستقبل القريب، وأخص منهم الممثلة التي أدت دور شخصية العاملة الهندية (نورة وليد) وإن شعرت بأنها تأثرت بشخصية “لولوة الملا” بدور الفتاة الهندية، كما ان الممثل الذي قدم شخصية سند (محمد الخراز) كان من الطلبة الذين استمتعت فعلاً بأدائهم الكوميدي؛ حيث قدَّم أداءه الخاص، ولم يتقمص شخصية “عبدالحسين عبدالرضا”، كما أدى (جهاد البلوشي) الشخصية المصرية باقتدار، وتميز (أحمد المفيدي) بشخصية “أبو الحصاني” التي أداها سابقا الفنان “سعد الفرج”.

ثقافة المخرج
في هذا العرض، ساهم المخرج “خالد أمين” بولادة ممثلين جدد في المجال الكوميدي، كما منحهم فرصة إحياء عرض (على هامان يا فرعون) الذي تأثرت به الأجيال الكويتية، وتَمَيُّزُ “خالد أمين” لا يعود فقط لدراسته لفن التمثيل والإخراج، بل يعود لممارسته للفن وتطويره الدائم لقدراته عبر القراءة والمتابعة، مما أنتج عملاً مميزاً على عكس ما شاهدته في مشروع آخر، قبله بأيام؛ حيث استاء الحضور من مستوى العرض الذي أثَّرَ على موهبة الممثلين المشاركين رغم معرفتي بقدراتهم، وهذا الأمر يؤكد أن المخرج سيد العرض، فإذا لم تكن لديه رؤية جيدة، سيقدم عرضاً متواضعاً حتى وإن شارك فيه ممثلون موهوبون، أما إذا كان المخرج يعرف ماذا يريد أن يقدِّم، فسيقدِّم عرضاً يليق بقدرات الممثلين ويبرزها، وهذا ما حدث في عرض (على هامان يا حليوة)

مسرحية على هامان يا حليوة
تأليف: نجيب الريحاني وبديع خيري
إخراج وإشراف: خالد أمين
تمثيل :
أحمد المفيدي ،حصة الفضالة، جهاد البلوشي، ريهام إسلام ، سعود الحبيشي،سليمان عوض، عبد العزيز القلاف، علي الحديدي ، علي دشتي ، محمد الخراز، منيرة قوشتي، نورة وليد، يحيى الحراصي، يوسف محسين
أزياء : د. إبتسام الحمادي
ديكور: سليمان الصالح ، عبد العزيز الشطي ،زينة القطان ، أروى الشطي
إضاءة : محمد التويجري
موسيقى: سعود الحبيشي
تصوير: عبد الكريم الخلف
★ناقد ـ الكويت.