مسرحمشاركات شبابية

يوسف العصفور: كوابيس الواقع

وأحلام ممنوعة من الرقابة

يوسف جمال العصفور★

قد يأتي اليوم الذي يصبح فيه الحلم ممنوعاً، وقد يأتي اليوم الذي يحاسب فيه الإنسان بسبب حلم خالف مجتمعه، هذا الذي حاولت الكاتبة تغريد الداوود إيصاله من خلال مسرحية “ممنوع من الرقابة”، من إخراج يوسف البغلي وبطولة عبد العزيز النصار وحصة النبهان.

تدور قصة المسرحية حول شخص حلم بأنه على موعد غرامي مع محبوبته، فداهمته شرطة الأحلام، أثناء ذلك قالت الشخصية الرئيسية: إنها إنسان مهم، فقامت شرطة الأحلام بتلفيق تهمة انتحال صفة شخصية مهمة لها.

طرح العرض الكثير من الأفكار، بدايةً من العنوان، الذي يرمز للرقابة التي تمنعنا من أبسط الأفكار، وقد يأتي اليوم التي تفرض فيه هذه الرقابة سلطتها علينا، فتمنعنا من الحلم.

لقد تم تقديم هذا العرض سابقاً في أحد المهرجانات المسرحية، لكن بعنوان مختلف “على قيد الحلم”، وأتصور أن سبب تغيير العنوان، لأغراض تجارية في الغالب، فعنوان “ممنوع من الرقابة” لافت كون موضوع الرقابة شائع بشكل كبير في الكويت، ويثير الجدل دائماً.

حاول المخرج إيصال الفكرة للمتلقي، من خلال التباين بين أجواء الحلم عبر السينوغرافيا، وبين الواقع الملموس على خشبة المسرح، عبر الحوار وقصة المسرحية.

مسرحية ممنوع من الرقابة إخراج يوسف البغلي

اِستخدم المخرج أدواته الإخراجية، لكي تصل الرسالة، ولم يعتمد فقط على الحوار، إنما جعل عناصر العرض المسرحي تتحدث عن الرسالة؛ على سبيل المثال، في أحد المشاهد كانت الإضاءة مسلطة على الشخصية الرئيسية، وخلفها ظلام دامس، وأثناء حديثها، يظهر رأس إحدى الشخصيات في مربع خلف الشخصية الرئيسية، ترد عليها برفض أي فكرة كانت تقولها، إلى أن وصل المشهد إلى الذروة، عندما كانت تتحدث، وتظهر حوالي عشر شخصيات خلفها ترد عليها بالرفض.

لم يضع المخرج هذا المشهد عبثاً، إنما يريد توصيل رسالة، بأن المجتمع ما زال يفكر داخل الصندوق، والصندوق هو المربع الذي كانت تظهر فيه الشخصيات التي كانت خلف الشخصية الرئيسية.

في أحد المشاهد أثناء إلقاء القبض على الشخصية الرئيسية، كأن الكاتبة تريد القول إنه ليس بالضرورة أن يكون القانون حيادياً، فالسلطة قد تتآمر عليك بسبب، لكونك إنساناً بسيط الدخل، ففي هذا المشهد قالت الشخصية الرئيسية: إنها إنسان مهم، فلفقت لها الشرطة تهمة انتحال شخصية رجل مهم.

في هذا المشهد وصف المخرج مدى تأثير سوء استخدام السلطة، وكيف أن المخرج وصف هؤلاء الذين يستخدمون السلطة في غير مكانها، وذلك من خلال الأزياء، فأزياء شخصيات الشرطة كانت هزلية ومضحكة، وهذا انتقاد بشكل غير مباشر للسلطة من خلال الأزياء، ولعب المخرج في هذا الجانب على أن هذا مجرد حلم، وأن من الطبيعي أن تصبح الأشياء غير منطقية، وأن من يستخدم سلطته في الشيء الخطأ، يلقى السخرية.

في أحد المشاهد أثناء العرض كان الحدث في السجن، بعد ما تم إلقاء القبض على الشخصية الرئيسية، وسجنها على ذمة التحقيق، في هذا المشهد تم طرح العديد من القضايا، إذ إن كل مسجون يتحدث عن السبب الذي أدى به إلى السجن.

في هذا المشهد تم طرح قضية غير محددي الجنسية بشكل غير مباشر للمتلقي، حيث إن إحدى الشخصيات تم سجنها بسبب أنها حلمت بأنها تنتحر، وذلك بسبب الظروف السيئة التي أدت بها إلى أن تحلم بالانتحار.

طرح هذا المشهد قضية مهمة، وقائمة إلى الآن، وهي قضية حرية الرأي، وكيفية معاقبة أحد بسبب رأيه، فأثناء المشهد كانت هناك شخصية تم قطع لسانها، بسبب أنها أدلت برأيها في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وكأن الكاتبة تقول من خلال هذا المشهد إن حرية الرأي قد تصبح أعراضها وخيمة في المستقبل، إذ يتم الآن سجن من يقول رأيه، وفي المستقبل قد يتم تطبيق سياسة تكميم الأفواه، وقد تصل العقوبة إلى قطع لسان كل من يقول رأيه بالحق.

مسرحية ممنوع من الرقابة إخراج يوسف البغلي

اتجه المخرج في هذه المسرحية إلى المدرسة العبثية، فهناك الكثير من الجوانب أثناء العرض قد تكون غير منطقية، على سبيل المثال أزياء شرطة الأحلام كانت غير منطقية، الأزياء كانت هزلية إلى حد ما.

أيضاً أزياء الشخصية الرئيسية، كانت غير منطقية، وكأن المخرج يريد القول إن هذا مجرد حلم، فمن المتوقع بألا يكون هناك شيء منطقي، حتى وإن كانت أزياء الشخصية الرئيسية، وأثبت ذلك المخرج، فأزياء الشخصية كانت عبارة عن زي للنوم، وكانت الشخصية تتجول بها طوال العرض المسرحي.

تسلسل الأحداث الذي رسمته الكاتبة كان فيه جانب من العبثية، على الرغم من أن الحدث، كانت له بداية ووسط، إلا أنه انتهى من حيث بدأ، بنهاية منطقية.

اِستخدم المخرج أدواته، لكي تصل الرسالة بأن ما يدور من خلال أحداث العرض هو في الكويت، فلم يتم ذكر ذلك بصريح العبارة، إنما تلاعب به من خلال الحوار، وأيضاً الموسيقى.

على سبيل المثال كانت الشخصية الرئيسية في حوار واضح وصريح أمام الجمهور حول تكملة الحلم، وأنه غير خاضع لشروط، منهم من كانوا يمثلون السلطة أثناء الحلم، ومن خلال هذا الحوار ظهرت موسيقى أغنية وطن النهار، وهنا أثبت المخرج أن ما يتم تداوله أثناء هذا العرض هو في الكويت، وليس في دولة أخرى وهذا تميّز منه.

وكأن المخرج من خلال هذا المشهد أراد أن يقول إن الكويت هي الحلم الذي يجب أن نقاتل من أجله، وأن نعمل على تطويرها.

مسرحية ممنوع من الرقابة إخراج يوسف البغلي

كانت هناك بعض الدلالات التي لفتت انتباهي أثناء العرض، وهي كيف صوّر المخرج جشع بعض المسؤولين في الدولة، ونظرتهم الدونية إلى الإنسان البسيط، حيث إنه في أحد المشاهد كانت تظهر عدة شخصيات بأقنعة، وتلتف ببطانية نوم، والبطانية دلالة على أنها “بشت” وأن هؤلاء مسؤولون في الدولة.

اللافت في هذا المشهد هو كيف صورهم المخرج بصوت جهوري، يعلو بسبب بعض المعتقدات الخاطئة، التي صارت عرفاً في المجتمع للأسف، وكأن المخرج من خلال هذا المشهد يريد أن يقول ليس بالضرورة علو الصوت، يكون بسبب الحق، فمع مرور الوقت، قد يعلو على كل ما هو زائف وباطل.

 صوّر المخرج هؤلاء المسؤولين من خلال هذه الأقنعة التي قد تكون إلى حد ما بشعة، وكأنهم أشباح، وهذا يدل على نقدهم، ونقد سوء معاملتهم للإنسان البسيط، الذي يطمح إلى أن يحقق حلمه.

في هذا المشهد هناك الكثير من الدلالات، سواء كانت من خلال الحوار أو الأزياء، فقد صوّر المخرج مدى تمسك هؤلاء المسؤولين بمقاعدهم الوظيفية، ومن خلال الحوار تم ذكر أن هذه المناصب لأشخاص معينين في الدولة، وكأن هذا المنصب متوارث وليس لمن يستحقه، حيث ظهر هذا المشهد بعد أن قررت الشخصية الرئيسية تكملة الحلم، بأنها إنسان مهم، ويتمتع بالحرية.

مسرحية ممنوع من الرقابة إخراج يوسف البغلي

على الرغم من تميز العرض، إلا أنه لا يخلو من الملاحظات وبعض السلبيات، على سبيل المثال خروج بعض الممثلين من سياق الحدث الدرامي بصورة واضحة، مما جعل العمل يقترب من الطابع التجاري بشكل كبير، حتى وإن كان الجانب التجاري أحد أهداف فريق العمل، إلا أنه يُخِلُّ بتماسك العرض، خاصة مع طغيان الجانب الكوميدي المبالغ به بعض الشيء.

سبق وأن ذكرت بأن العرض، كان يرمز إلى الكويت بشكل غير مباشر، إلا أن بعض الانتقادات المباشرة أثناء الحوار، جعلت بعض الحوارات تقترب من الخطابية، خاصة عند الانتقاد المباشر لمركز جابر الثقافي وتأجير المسارح بأسعار باهظة، فهذا الانتقاد المباشر، أفسد الكثير من الدلالات من وجهة نظري.

في الختام قدّم العرض قضايا مهمة، وقام المخرج بتوصيل الرسالة بطابع كوميدي لكي يتقبلها المتلقي بصدر رحب رغم قساوتها ومأساويتها.

صور المقال بعدسة: يوسف العوضي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ ناقد فني ــ الكويــت

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى