عزيز ريان:كيف أشعل Friends شرارة “السيت كوم” وصناعة الكوميديا في الوطن العربي؟
عزيز ريان ★
في عالمنا العربي نستهلك عادة ما يُقدَّم لنا عبر وسائل الاعلام، والشاشة الصغيرة بالخصوص بدون أن نربط تاريخ ظهور الأنواع التلفزيونية المعاصرة، أو أن نميز بينها، وحتى فيما يعرف في : “السيت كوم” الذي غزا في السنوات الأخيرة العالم ، وفي كل مواسم العرض، والتساؤل في كيفية التحضير لها، أو إعدادها، وكذا ظهورها النهائي في شاشة التلفاز.
ويُجمع كل العاملين في الحقل التلفزيوني والفني، أن سلسلة “أصدقاء” الأمريكية هي الرائد الأساس، الذي يُجمَعُ على أنه المرجع الأول والأوحد، الذي يجب الرجوع إليه، والنهل من قيمه المشهدية البصرية، وأساليبه التقنية في مجال الكتابة، أو الإخراج والصورة، وحتى في الأداء التمثيلي، والإضحاك المدروس والذكي.
ولا يمكن أن ننكر أن بعض المهتمين في عالمنا العربي يظن أنه قدَّم لنا كجمهور أعمالاً تلفزيونية توازي، أو تفوق هذه السلسلة الأمريكية الرائدة، فنراه يسقط في عشوائية، أو تيه ، أو تقليد أعمى غير مناسب للمتلقي وثقافته، مما يؤثر سلباً في إنتاج أعمال أقل ما يمكن أن يقال عنها هزيلة.
وبالنظر إلى البحث عن مراجع، أو مقالات، أو بحوث أكاديمية عن هذا العمل الفني المميز، لاحظنا أن المشهد العربي النقدي لم يقم بالإحاطة الكاملة، أو الكافية عنه مقارنة بالنقد الغربي، الذي نعثر على العديد من الدراسات الخاصة به، والتي تتطرق لتفاصيل دقيقة بالعمل، وخصوصا في الجامعات الإسبانية (كالأكل، واللباس، وقصة شعر..) ولعل الأمر يتعلق ببعض المواضيع التابو، التي عالجتها السلسة، والتي قد ينفر منها الناقد العربي، أو المشاهد، لو تم النظر إليها في سياقها الأخلاقي بدون اعتبارها هاجساً اجتماعياً وقتها، دفع صُنَّاع العمل للتطرق لها بشكل ساخر(كالمثلية، وكراء الرحم،والخيانة..).لكن ما يهمنا هنا هو طريقة صناعة الكوميديا، وأسسها العلمية، التي أجمع المتخصصون أنها متنوعة وحركية، رفعت من قيمة العمل، إضافة إلى مكوناته البنيوية الأخرى.
سنحاول أن ندرس بهذه المقالة، أبعاد العمل الخالد، الذي يشكل البدايات الأولى للسلسلات القصيرة، كطفرة تلفزيونية متطورة، نافس وسائل تواصلية أخرى، وخصوصاً أن التلفزيون بالقرى، والأماكن النائية بالمغرب لازال يحافظ على قيمته برغم حضور الهاتف الذكي، أو انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن المواضيع، التي تَطَرَّق إليها فلا يهمنا منها سوى أنها كانت تشغل بال المواطن الأمريكي، مهما اختلفنا معها، أو عليها.
ماهية:سيت كوم
وبالبحث عن لفظة (سيت كوم)، التي حُوِّر معناها عند بعض الممارسين، أو لم يَطلعوا على معناها الحقيقي، فهي لفظةمن الإنجليزية: وتعني كوميديا الموقف:SITUATION COMEDY بمعنى اختصاراً للكلمتين sit،وcom.
نوع من المسلسلات الكوميدية “تتمحور حول مجموعة ثابتة من الشخصيات، التي تنتقل في الغالب من حلقة إلى حلقة، بدأت في الولايات المتحدة بالمسلسل الشهير (أحب لوسي( I love lucy).المسلسل يتكون عادة من عدد حلقات تحتوي على شخصيات، وأماكن محددة تدور حولها قصص وأحداث غالباً ما تعالج بطريقة كوميدية هزلية، والحلقة غالباً ما تعرض في مدة زمنية بين 20 و 25 دقيقة ودائماً ما يتميز هذا النوع بتعدد المواسم، فكلما زادت عدد المواسم دل ذلك على نجاح المسلسل، دائماً ما يتم تصوير هذه المسلسلات في موقع تصوير داخلي؛ حيث يقومون بأداء مشاهدهم أمام جمهور حي، وأحياناً يتم تسجيل ضحكات الجمهور؛ لإذاعتها كما هي، وأحياناً أخرى يأتون بالجمهور بعد تسجيل الحلقات؛ ليشاهدوا، ويسجلوا ضحكهم الحي الطبيعي.”
المؤكد أنه ظهر بالراديو بالولايات المتحدة سنة 1926 :”sam and Henry “، و سنة 1928 amos” “and Andy ثم بعدها عرف كتاب السيناريو هجرة إلى التلفزيون، ومِنْ ثَمَّ الانطلاقة الصاروخية سنة 1951 ب:”i love Lucy”
ولقد ظهر في ظل صناعة أمريكية ضخمة، فكرتْ في إنتاج أعمال سريعة الاستهلاك، وحققتْ بعدها نجاحات ساحقة، شجعتْ على انتاج المزيد، لكن في ظل ظروف عمل محترفة، تحترم المتلقي، وبآليات العمل الفني الأساسية في كتابة الحلقات، والإخراج، والصورة بمسايرة آخر التطورات البصرية المعاصرة، مع “كاستينغ” حِرَفِي يرفع من قيمة العمل السريع، والذي يبدو دقيقاً عند المشاهدة وعميقاً.
وتسمى الكوميديا، التي تكتب بـ”السيت كوم” بالكوميديا السوداء: أو كوميديا الموقف، التي تكسر بشكل كامل حدود النوع، بمعنى التمكن من كتابة الضحك والمأساة معاً.
لمحة مختصرة حول أصدقاء
هي سلسلة من ابتكار وإنتاج: مارتا كوفمان، و دفيد كران Marta Kauffman ,David Crane، وظهرت في أمريكا يوم 22 شتنبر(سبتمبر) 1994 على قناة NBC وانتهت حلقاتها في جزئها العاشر في 6 ماي (مايو)2004، عرفت نجاحاً بعد الموسم التاسع، ففي أول موسم حققت نسبة :14 مليون مشاهد، في حين بالموسم 9 وصلت إلى :24 مليون مشاهد.
وهي عبارة عن بورتريه “يوم بيوم”، أويوميات مجموعة أصدقاء وهم:
“شاندلر بينغ”Chandler Bing :صديق “روس” من أيام الجامعة يحب النكتة، ويعمل كمحلل للمعلومات.
“فوبي بوفي” Phobe Buffay:مغنية ومدلكة لها ماضٍ مأساوي بالشارع، تبحث عن أبوين محتملين.
“مونيكا غيلرMonica Geller:”أخته الطباخة المهووسة بالنظام، تأمل في الحصول على خطيب أو حبيب.
“روس غيلر” Ross Geller :عالم آثار طلق بعد اكتشاف مثلية زوجته، وظل ابنهما بينهما في صراع مابعد الانفصال.
“راشيل كرين Rachel Green :”صديقة قديمة لـ “مونيكا” تركت زوجها في ليلة الزفاف.
“جوي تربياني” Joey Tribbioni:رفيق السكن لـ”شاندلر”،ممثل مسلسلات مغمور، زير نساء.
القصة بالعمل التلفزيوني، أو الحدوتة تتأسس على صداقة لستة شخصيات رئيسية، وكل شخصية لها شخصية خاصة، سلسلة أعجب بها الناس، فبعضهم يحب تعليقات مجنونة لـ”جوي”، وآخرون يفضلون تعليقات ساخرة لـ”شاندلر”، والسلوك الطفولي لـ “روس”، أو ردود فعل شاذة لـ”فوبي.”
مميزات نجاح أصدقاء:سلسلة خالدة/المرجع
بدايات “سيت كوم” في معقلها الأمريكي، التي انطلقت منه أول مرة مع بداية الثورة الإعلامية الأمريكية بقنواتها المعروفة وقت ظهورها، وقبل انتشار المنصات الرقمية. فللتلفزيون دور في إنتاج، وإعادة القيم والمعتقدات والسلوكات، لها تأثير ثقافي واقتصادي في الثقافة الشعبية، أو السياسة، أو الاقتصاد.
ولعل المتميز بـ”السيت كوم”، تيمة الكوميديا الملتزمة، التي انطلقت مع سلسلة أصدقاء المعروفة، وخصوصاً للكم الهائل للسخرية والنكات، وما يعرف بـ”gags ” والتي تجعل السلسة، المرجع الأول للكوميديا التلفزيونية بعدها، ولازالت تحقق نفس الإقبال، برغم بداياتها الأولى في التسعينيات بعد رحيل بطل من أبطالها.
“أصدقاء” ضربت كل التكهنات، التي اعتبرت أن كوميديا الموقف ماتت، لكنها موجودة، ولها قيمتها، أعادت إحياء النوع الكلاسيكي، هي ما يعرف بـ pal Sow أو سلسلة الصداقة، التي ابتكرها التلفزيون للأجيال أكس، فشخوص “السيت كوم” كما باقي البشر، فـ “روس” مثلاً هو الأب الحقيقي لأخته مونيكا، وهي بدورها تحمي “روس”، والعائلة الإيطالية لـ “جوي” لا تظهر إلا بتذكره بأنه من العشيرة، “شندلر” أمه كاتبة جنسية في زيارة للمدينة، “فوبي” تبحث عن والدين لن تلتقي بهما أبداً، و”راشيل” لا يمكنها انتظار دعم الأبوين لأنهما غارقان في مشاكلهما.
هي ظاهرة تلفزيونية بنوع الكوميديا المتنوعة، والتي جلبت المتلقي، وفاقت الحدود، وأثرَّت في أجيال، وأصبحت المرجع لأغلب الكوميديات.
فالضحك كما نعرف عالمي، ومهما اختلفت المجتمعات، فهي توَّاقة للضحك؛ حتى وإن نظرت بشكل مختلف إلى السخرية والكوميديا.
الكوميديا بالسلسلة:إعادة إحياء كوميديا الموقف
كوميديا: لفظة مشتقة من اليونانية: “كوموس”،وتعني موكب”أودي”، وتعني: أغنية أو قصيدة، وظهرت في الأدب، والتلفزيون، والسينما، إضافة إلى المسرح، فتاريخ الكوميديا قديم في الفن، أو المسرح خصوصاً المسرح اليوناني، هي نوع من الأنواع الفنية، تسعى الحبكة فيها إلى إضحاك المتلقي سواء عبر السخرية، المحاكاة، الالتباسات
الأخطاء، إنها شكل من أشكال التعبير الفني، كانت شائعة تقليدياً، تهدف إلى الترفيه، عبرها تنتقد جوانب المجتمع، تتحدى القواعد الاجتماعية، تستكشف التناقضات الإنسانية، وتقدم رؤية ساخرة للحياة اليومية، وأصولُها كما أشرنا يونانية، والكوميديا الكلاسكية في المسرح اليوناني؛ حيث نقدت المجتمع، وركَّزت على الشخصيات الكوميدية، ثم تطوَّرت، وتكيَّفت مع العصور والثقافات المتنوعة، بَدءاً من جوانبها الكلاسيكية، مروراً بكوميديا “دي لا رتي ” الإيطالية، وكوميديا “شكسيبير” وصولاً إلى الكوميديا المعاصرة.
وليس هناك نمط ثابت محدد لهيكل الكوميديا بشكل ما، لكن في جميعها تطرح حالة نزاع تتطوَّر على مدار الحبكة، وتؤدي إلى نهاية سعيدة.
تستخدم الكوميديا موارد لإحداث الضحك ألعاب لغوية سوء الفهم، المبالغات،السخرية تقنيات الإضحاك:إدخال وسائل غريبة،الاتجاه الخاطىء،العكس،التكرار،المبالغة.
النكات، وتتولَّد منها حوارات ذكية ومليئة بالفكاهة، من خلال التفاعل بين الشخصيات الغريبة المضحكة، ونكت “أصدقاء”، أصبحت أيقونات نظراً لتنوعها وذكائها، وحتى في عددها الكبير (في خامس موسم مثلاً عرفت الحلقات أكثر من ألف نكتة)
فالنكتة قد تمس أسماء علم، والأعمال الفنية تتجه نحو أساليب فوق لغوية، أو داخل لغة أو لهجة ما، وقد تعتمد على طريقة النطق، أو اللعب بالكلمات، وقد تكون عبارة عن فكاهة بصرية على شكل حركة ممثل تثير الضحك،أو فكاهة سمعية كصوت المعدة مثلاً، وقد تكون فكاهة كتابية تعتمد خطأ في الكتابة، أو القراءة لكلمة ما.
“أصدقاء” ذات ايقاع سريع وحركة ديناميكية قادرة على جذب انتباه المتلقي، تصوير الشخصيات بشكل كوميدي بحيث تكون معروفة ومسلية في آن واحد، تقديم مواقف متعارضة مع المتوقع لإحداث المفاجأة والضحك، تقديم منظور نقدي لواقع مملوء بالسخرية والدعابة، وتدعو للتأمل، حل النزاعات بطريقة إيجابية لتوليد الرضا والفرح.
ولو عدنا لتاريخ الكوميديا بالولايات المتحدة الأمريكية، نجد مميزات بمراحلها، وخصوصا الكوميديا بـ”السيت كوم”، كما يصرح “غوميز رودريغو:Gomez Rodriguez:1.الكوميديا العائلية (البيضاء) ما بين 1990-1994: واعتمدت على السخرية، والعائلة هي الأساس.
.2 – تجديد التقليد(1995-2002):بشخصيات عديدة، وحبكات موازية، وخلط الحياة الشخصية مع العملية
.3- البحث عن منوعات في الشكل والموضوع(2003-2008) خلق جديد للكوميديا مع تغيرات الحياة
.4- فقدان البطولة في الكوميديا(2008-2014):بأنواع عديدة، ومواضيع وحبكات لها تأثير على الخيال والواقع”.
هذا جعل الأجيال الأمريكية، تتربَّى على أسس الكوميديا في تنوعاتها الفنية والساخرة.
أسباب اعتبار “أصدقاء” كوميديا مثالية
1.- التوقيت مناسب: 20 دقيقة-22 دقيقة أكثر قليلاً في حلقات أخيرة، وقت قصير، اِستهلاك يومي قصير ومناسب، وجرعات مناسبة للضحك والاستمرار في متابعة الحلقة، أو يوم الشخصيات الست.
2.الشخصيات: سداسي مثالي نتعرف عليهم من أول حلقة، لا بطل أوحد، بل ستة بنفس المساواة.
البطولة الجماعية: الحل لن يكون فردياً ولا يحتاج المجتمع الأمريكي وقت إنتاج العمل بطلاً خارقاً لحل المعضلة الإنسانية، ما يميز هذا العمل هو عدم وجود بطل واحد، وبالتالي أعاد للبطولة الجماعية، التي تحيل إلى حلول ومشاركات الآخرين في سيرورة الحياة، وليس إلزامية الحضور للبطل الخارق الأوحد، الذي يملك عصاه السحرية؛ لحل كل العراقيل والمشاكل في رمشة عين.
ستة أبطال : ثلاث إناث، وثلاثة ذكور، رسمت بشكل متقن وكلها تملك نقصاً، أو عيباً ما، وكما لو أنها تكمل بعضها البعض، كما لو أنها إذا اتحدت تحت مسمى صداقة، فهي نفس وروح واحدة مقسمة على أجسام عديدة، كعودة لمفهوم الصداقة الأصيل، الذي بات يندثر.
نعيش مع كل شخصية وصديق قصة ما، اِنكسارا ما، ونتتبع حبكة متقنة في كل حلقة، بِكَمِّ السخرية والروح المرحة فيها، وقيمة الكوميديا في نوع كوميديا الموقف، التي غالباً هرب منها بعض كُتَّابنا في مجال الفن، حتى أن أسلوب النكت، وحضور شخصية مهمة تتميز بحب إطلاق النكات في أحلك الظروف، وحتى وإن لم تكن مضحكة، أو في مكانها المناسب، فمن أول يوم عرفنا كل شخصية جيداً: تذبذب علاقة “راشيل” مع الرجال، النظام والدقة المبالغة عند “مونيكا”، جنون “فوبي”، هوس بالنساء، وجوع “جوي”، مرح وطيبة “شاندلر”، الجانب الطفولي في “روس”، بكل هذه”التوابل” تكون “الوصفة” بنتيجة “شهية”.
3.غير معقدة: كل حلقة بحبكة أساسية، ببداية وعرض ونهاية، بعض الحبكات المصاحبة تكون بسيطة، وتُحَلّ في آخر كل حلقة.
4.- لا تدخل في أي صراع: هدف “أصدقاء” الواضح إضحاك المتلقي، فن الإضحاك الأصعب تعقيداً في العالم، السلسلة لا تريد أي”مواجهات”، ولا تسقط في الدراما السهلة، ولا تصارع أحداً، تعطينا فرصة؛ لنتابع ست شخصيات بما لها، وبما عليها.
5.- تركت لحظات لا تنسى:لائحة طويلة لا تنسى سجلتها السلسلة باقتدار ، ورسوخ في ذاكرة المتفرج(طلب “شاندلر” الزواج من “مونيكا”، سرقة الأكل من طبق “جوي” خلال موعده الغرامي، الصحون المتكسرة لـ”مونيكا”…)
6. – لا مزيد من أجزاء ومواسم: قاوم صُنَّاع العمل طلبات استكمال الموسم بعد العاشر، لكن رفض ذلك باستثناء حلقة تكريمية وحيدة، عبارة عن نوستالجيا لأبطال العمل.
7.- تعتبر من كلاسيكيات التلفزيون: يتفق النقاد أنها من بين أحسن السلسلات بالتاريخ، وهي مصدر إلهام للعديدين كما سبق أن قلنا.
8.- أغنية البداية:I’ll be There for you ،لازالت الأغنية، تثير الابتسامة لعشاق السلسلة كلما أنصتوا إليها بحنين.
وظفت السلسة حبكات أساسية تعتمد :
البحث،الانتقام،العداوة،المحاولة،التحول، الاكتشاف،السقوط والصعود،المعاناة،الهوس،السفر.
ونحن نتطرق لعمل أجنبي لا يمكن أن نهمل قيمة الترجمة، أو الدبلجة في مثل هذه الأعمال، وخصوصاً لغير المتكلمين باللغة الإنجليزية، فترجمة السمعي البصري، تلعب دوراً محورياً في ايصال هذه الأعمال، والتعرُّف عليها بشكل دقيق، وكذا نقل المعلومة، والتبادل الثفافي بين البلدان، والثقافات المختلفة.
ونظرأً لقيمة التلفزيون، أو السينما، فهي الوسيلة الأهم لنقل أعمال خالدة إلى أكبر عدد من المتلقيين، فسواء كانت على شكل دبلجة، أو ترجمة مكتوبة، والتي تعتبر الأقل تكلفة، فالترجمة هي العامل الأساس ؛ لنقل تفاصيل الكوميديا، وروح الدعابة والسخرية بالعمل، فما بين الترجمة الحرفية، أو الترجمة المحترفة قد تفلت الكثير من التفاصيل المضخكة، وخصوصاً في نقلها لنا كثقافة عربية مختلفة عن الأمريكية، ومحيطها.
وهنا سأسرد مثالين لمحاولة ترجمة لمقطع مضحك:
النموذج الأول
In Central Perk
Chandler :Alright,I’m goona do it.I’m gonnago get shot down.Any advice?
Monica:Just be yourself.But not too much.
الكوميديا هنا في تعليق “مونيكا” وهي تحاول تهدئة توتر “شاندر” الذي سيحدث فتاة لأول مرة، ولكنه عندما يقف استعداداً للمغادرة تقول له مشاكِسَةً: إنه ليس عليه أن يكون على طبيعته بشكل كامل(Not too much)أي لابأس ببعض التصنع؛ لكسب قلب الفتاة، هنا يسهل ترجمة الإيفيه لأنه مباشر وواضح.
النموذج الثاني
Monica :Rachel,come on!lLet me in!
Joey:Having some trouble?
Monica:Rachel locked the door.
Joey:I’ll kick that door if you give me a little sugar.
النكتة باللعب بالكلمات مستعملاً تعبير:give me a little sugar،وهي في معناها الحرفي تعني: أعطني السكر، لكنها في معناها المجازي تعني أعطني قبلة، هنا يصعب الترجمة، وخصوصاً في تعبير يعرفه الأمريكيون جيداً، ولا يعرفه العرب بهذه الطريقة.
ختاماً: إن موضوع الترجمة موضوع محوري، وأساسي ويجب دراسته في مقالات خاصة، ودراسات مستفيضة، وخصوصاً في دقة اللغة العربية، أو صعوبتها في بعض المعاني، فالترجمة، أو الدبلجة مهما عانت من صعوبات، فعليها أن تكون على قدر العمل الفني، وخصوصاً في تخطِّي العراقيل، التي نعرفها في التنوع اللغوي، أو عدم سعة المساحة لكتابة الترجمة الكاملة، أو في البحث المحين على كل تفاصيل النكت، أو طرائق الاضحاك بكل دولة، أو لغة، أو عصر.
كما أننا لا يمكننا أن ننبش، ولوعابرين في ما يعرف بـ “أزمة الكوميديا بالعالم العربي”، وعدم قدرة العرب على إنتاج كوميديا خالدة.
ولا ننسى بعض الأعمال، التي لامست المتلقي بسخريتها كما هو حال “راجل وست ستات” المصرية، و “هناء وجميل” السورية، ولا يمكن أن نذكر عملاً مثلهما في المغرب مثلاً، الذي يشهد إنتاجات عديدة لـ “سيت كوم” في رمضان، يجمع الكل، إنها لا تضحك إلا صُنَّاعها، برغم تاريخ الفكاهة الملتزمة بالمغرب، كما حال الثنائي باز وبزيز، وغيرهما.
نختم بقول الممثل السوري “فادي صبيح” رداً على سؤال: تُتهم الكوميدا السورية بالتراجع، وغياب النصوص الجديدة: أحياناً يأتيني نص مسلسل لقراءته، وهو على أساس نص كوميدي، ولكن عندما أقرأه، أصاب بالنكد وانفصام الشخصية، بسبب رداءة النص، وبرأيي إذا لم تكن هناك مادة مهمة على الورق، فليس بمقدور الممثل أن يصنع أموراً جيدة، مهما كان الممثل مجتهداً وحِرَفِياً، وبالتأكيد هناك أزمة نصوص جيدة في الكوميديا، ولكن لا بد أن تصل إلينا نصوص في بعض الأحيان لها رائحة ولون وطعم، وهذا نتمسك بها، وتحاول أن نقدمها بحرفية عالية.
★ناقد ـ المغرب.