“بروين حبيب” تزرع أرض المعارض ياسميناً ومشموماً ومحمدي !

علاء الجابر★
بكلمات تفيض رِقَّة وعذوبة، وتصف شعر “بروين” بالرِقَّة والجزالة والحيوية ، وبترحيب ذكي ومختلف ورقيق يشبه شعرها، قدَّمت الشاعرةُ المبدعةُ “عائشة العبد الله” فارسةَ الأمسية الشاعرةَ والإعلاميةَ والكاتبةَ القادمةَ من بلد الكرم والطيبة والحلوى والمشموم بحرين القلب د. “بروين حبيب” في أمسية شعرية احتضنتها قاعة رواق الثقافة في معرض الكويت الدولي للكتاب المقام حالياً على أرض المعارض بمشرف.
من محطة الشوق والبوح انطلقت مركبة السندريلا “بروين”، التي راحت تُوَزِّعُ حلواها وابتساماتها وحبها وأرقها وخوفها ووطنيتها وعروبتها وانسانيتها بكلمات عذبة لامست قلوب كل الحضور، الذين التَفُّوا حولها بحميمية المحب وسكون الراهب.
قصائد كثيرة غنَّتها “حبيب” في تلك الليلة، فمن
أرض الرافدين رسمت قصيدة(عَشْتَارُ تَعُودُ إلَى (أُورُوكْ) تطوف فيها بين ديلمون وتحفر في يباب أرض السواد ينابيع حبها من “المامش ” لتزرع ورودها الندية بين ريح( بابل) وتربة (وادي السلام) ، نقتطف منها:
أَنَا «عَشْتَرُوتُ»
أَجِيءُ كَغَيْمَةِ صَيْفٍ إِلَى قَرْيَةٍ سُومَرِيَّة
فَأَهْطِلُ عِشْقًا عَلَى أَنْفُسٍ شَلَّهَا القَحْطُ
أُحْيِي المَوَاتْ
أُوَزِّعُ خُبْزَ المَحَبَّةِ بَيْنَ النُّفُوسِ الشَّقِيَّة
أَنَا رَبَّةُ الخِصْبِ
يَخْشَانِيَ اللَّيْلُ وَالرَّمْلُ وَالرِّيحُ تَعْوِي
تَنَامُ الحَدَائِقُ فَوْقَ ذِرَاعِي
فَتَغْدُو مُعَلَّقَةً بَابِلِيَّة
غَفَوْتُ بِدِلْمُونَ حَتَّى أَفَاقَتْ طُيُورُ الحَنِينْ
وَأَيْقَظَنِي الجُوعُ لِلْحُبِّ
«قُومِي» تَقُولُ المَوَاسِمُ
كَيْ تُزْهِرَ الأَرَضُ تَحْتَ خُطَاكِ
وَيَنْبَجِسَ النَّبْعُ مِنْكِ
وَتَنْبُتَ فِي رَاحَتَيْكِ الزُّهُورُ النَّدِيَّة.
….
فَدَيْتُكَ .. «أُورُوكُ» دُونَكَ مَحْضُ خَرَابْ
سَأُنْشِدُ فِيهَا إذا غَابَ حِسُّكَ
مَلْحَمَةً مِنْ أَنِينْ
وَأَسْقِي فُؤَادِي إِنِ اِجْتَاحَهُ ظَمَأٌ
حَفْنَةً مِنْ سَرَابْ
أُكَابِرُ.. أَدْرِي بِأَنَّ غَرَامَكَ مَا كَانَ يَوْمًا
يُضِيءُ دَهَاليزَ عَتْمٍ تُحَاصِرُنِي
لأَقُولَ انْتَهَى
أَرْجُوكَ كِلْكَامِشْ…اتْبَعْ صَدَى حُبِّكْ
(يَا مامِشْ بمامِشْ)…رُوحِي فِدَى قَلبِكْ
ومن عراق جلجامش وأوروك وينابيع الحب في دجلة والفرات ، تأخذنا “بروين” في رحلة إلى أرض فارس مهد الخيام وملحمة الشاهنامة ، فتبعث بمجموعة رسائل آسرة ومؤلمة على لسان الشاعرة الإيرانية المبدعة “فروغ فرخزاد”، نقتطف منها رسالة “فروغ” لوالدها على لسان “بروين” التي تقول فيها بكل عذوبة وبكلمات مُعَبِّرة تقطر لوعة وأسى وعتاباً :
وَمَا نَفْعُ كُلِّ النَّياشِينِ تَحْمِلُهَا
وَتَضِيقُ بِأَحْلَامِ ابْنَتِكَ المُتْعَبَهْ
تَحَارِبُ كَيْ يُصْبِحَ الشَّعْبُ حُرًّا
وَحُرِّيَّتِي فِي يَدَيْكَ سَجِينَهْ
أَقُولُ – إِذَا مَا سَمِعْتُكَ
تَفْخَرُ بِالشَّرَفِ العَسْكَرِيِّ وَبِالصِّدْقِ –
مَا أَكْذَبَهْ!
أُدِينُ خُضُوعَكَ لِلحَاكِمِينَ بِأَمْرِ الإِلَهِ
تُقَدِّمُ قُرْبَانَ طَاعَتِهِمْ ابْنَةً
كَمْ وَأَدْتَ مَشَاعِرَهَا، صِرْتَ جَلَّادَهَا
يَا أَبَاهَا الَّذِي بَارَكَتْهُ المَدِينَهْ
حَسِبْتُكَ سُورًا يَرُدُّ ذِئَابَ النَّمِيمَةِ عَنِّي
وَيَفْقَأٌ عَيْنَ التَّلَصُّصِ
حِينَ تَطَارُدِ رُوحِي الحَزِينَهْ
وَلَكِنَّ صَمْتَكَ أَحْرَقَ مَا بَيْنَنَا مِنْ شَبَهْ
تُطَالِبُ أَنْ لَا أَقُولَ، لِتَحْكِي
وَلَكِنْ إِذَا أَنْتَ صَادَرْتَ نَافِذَتِي
ثُمَّ أَوْصَدْتَ بَابَ حُروفِي
سَأُحْرِقُ كُلَّ اشْتِيَاقِي إِلَيْكَ
أُدِيرُ لِعُرْفِ القَبِيلَةِ ظَهِرِي
وَأَمْضِي.. وَأَبْكِي.
وتروح “بروين” بصوت شفيف ساخر تشاكس الشاعر الفلسطيني الراحل “محمود درويش” في تغزله برشيقات القد ، فتعلن في قصيدتها (وحدهن الجميلات ) عن تأييدها للبدينات في اعتزازهن بجمالهن، وتؤكد بكلمات تمزج بين النعومة والجزالة والثقة بأنكن لاتقللن جمالاً عن أية رشيقة، بل تفوقهن في سحركن وروحكن المرحة المبهجة فتقول:
الجميلاتُ هنَّ البديناتُ
وجهٌ بغَمّازتينِ يُرَفرِفُ فيه الفرَحْ
بسمةُ الضَّوءِ مِن قمرٍ مُستديرٍ
وبابٌ -إذا اليأسُ عَرْبَدَ بينَ الضّلوعِ- انْفَتَحْ
البديناتُ: روحُ التَّفاؤلِ في جَسدِ المُستحيلْ
يوغِلُ العَتْمُ .. يَلعبْنَ
أو غَيْرَةٌ كَشَّرَتْ نابَها .. يَتضاحكْنَ
هنَّ الفراشاتُ في خِفّةٍ يَتطايرْنَ
غيرُ البديناتِ ظِلٌّ ثقيلْ!
حيثما كنَّ يُزهِرُ لوزٌ
ويَغرَقُ في عطرِه الياسمينْ
يُغازِلُهُنَّ مُحِبُّ الحياةِ فيهمِسُ في غِبْطَةٍ:
«أموتُ لتَعشَقَني يا سَمينْ»
إلى أن تختم بالقول :
البديناتُ: ماءُ القصيدْ
يَعشَقُ الشِّعْرُ أجسامَهُنَّ
فإنْ جئنَه ناحلاتٍ
سيصرخُ فِيهنَّ: «لا لا أريدْ؟»!
ويَكفي لهنَّ جِناسٌ بسيطٌ بأكفالِهِنَّ
لتغدو البلاغةُ سيِّدَةً
والقوافي بأرجُلِهِنَّ خلاخيلُ تهتِفُ:
«هلْ مِن مَزيدْ؟»
يُوزّعُ «درويشُ» صكَّ الجمالِ على ما سِواهُنَّ
يُعطيه مُنتَشِيًا للضّعيفاتِ أو للقويّاتِ أو للقصيراتِ
واعَجَبي!!
حينَ يُبْصِرُ أصغرَ نملٍ تَخَبَّأَ تحت حصيرِ الظّلامْ
ولا يُبْصِرُ الشَّمسَ – وهْيَ البَدينةُ –
ذاتُ الجلالةِ والاحترامْ!
فيا لاعِبَ النَّردِ هلَّا اعتذرتَ على ما فعلتْ
فإنَّ الجميلاتِ هنَّ البديناتْ
لا رأيَ لي غيرَهُ .. والسّلامْ
وبعد أن تتلو علينا موسيقاها قصائد مدبجة بالحب والحنين والغزل والشكوى والعتاب والوجد والتبادل ، لا تنسى الشاعرة الأديبة “بروين حبيب” في ختام يومها البهيج الرائع ، فلسطين في شعرها المغزول بالإنسانية ، فتتغنى بها بمجموعة قصائد ، توقد فيها جمر الحنين لتلك الأرض، التي سلبت أرواحنا شوقاً وعشقاً ، فتنفح زفرات قلبها صوت الطفلة الفلسطينية البريئة ” ريم” التي عرفتها الدنيا كلها بلقب (روح الروح) حين صعدت روحها شهيدة جرم لا إنساني، وحلَّقت في سماء كل ظلمات وظلم العالم بعد استشهادها فترثيها بأسى موجع قائلة:
إِلَى أَيْنَ طِرْتِ؟
هَلْ قَدَرُ الفَرَاشَةِ عِشْقُ الضَّوْءِ
تُهَاجِرُ إِلَيْهِ بِجَنَاحَيْنِ مِنْ حَنِينٍ
وَتَهْمِسُ بِعَيْنَيْهَا «خُذْنِي»
حِينَ تَخْذُلُهَا الأَبْجَدِيَّةُ
تَمُدُّ إِلَى النُّورِ يَدًا
مَسَّدَتْ أَصَابِعَهَا أَلْعَابُ الطُّفُولَةِ
وَتَصْنَعُ مِنْ ضَفَائِرِهَا حَبْلًا مَوْصُولًا بِسَمَاءٍ
لَا يَحْجُبُهَا غُبَارُ القَصْفِ
هَلْ ضَاقَ صَدْرُكِ بِعَالَمٍ
يُرْضِعُكَ بَدَلَ الحَلِيبِ دَمًا
وَيَهَبُكِ دُمْيَةً مَفْقُوءَةَ العَيْنَيْنِ
وَفَجِيعَةَ أُمٍّ تَرَى فِي الحُطَامِ
يَدًا- كانَتْ لِابْنِهَا- تَلَوِّحُ لَهَا
هَلْ سَتُخْبِرِينَ اللهَ بِكُلُّ شَيْءٍ؟
كَيْفَ انْقَطَعَ شَرِيطُ شَعْرِكِ الزَّهْرِيّ
وَكَيْفَ رَفَضَتِ الشَّمْسُ سِنَّكِ اللَّبَنِيّ
لِأَنَّهَا اكْتَفَتْ بِأَسْنَانِ أَطْفَالٍ غَيْرِكِ
وَكَيْفَ أَمْطَرَتِ الغُيُومُ جَمْرًا
فَأَنْبَتَتِ الأَرَضُ رُكَامَا
أَيْنَ طِرْتِ؟ وَتَرَكْتِ الرُّوحَ
مَحْبُوسَةً فِي قَصَبِ القَهْرِ
وَلَا ثُقُوبَ تُحَوِّلُ القَصَبَ نَايًا
تَتَسَرَّبُ مِنْهُ المَوَاجِعُ لَحْنًا جَنَائِزِيًّا
يَبْكِيكِ يَا رُوحَ الرُّوحْ!
يَمَّا مُوَيْلِ الهَوَى … يَمَّا مُوَيْلِيَّا
يَا رَيْتْ رُوحِي خَذُو … وتَرَكُو لِي لِبْنَيَّه
أُسَمِّيكِ رِيمًا
وَلَمْ أَهَبْكِ صَحْرَاءَ تَقْفِزِينَ فِيهَا
وَلَا عُشْبًا إِلَّا مَا نَبْتَ فِي القَلْبِ مِنْ شَجَنٍ
وَلَا نَبْعًا إِلَّا مَا تَجَمَّعَ فِي العَيْنِ مِنْ مِلْحٍ
عَوَّدْتِنِي أَنْ أَعُدَّ عَلَى أَصَابِعِكِ أَيَّامَ فَرَحِي
وَأُخَبِّئَ القُبَلَ المُخْتَلَسَةَ مِنْ عَيْنَيْكِ
لَمَّا تَبَقَّى لِي مِنْ عُمْرٍ
يُرَاوِغُ المَوْتَ اليَوْمِيَّ
وَالقَهْرَ وَتَغْرِيبَةَ رُوحِي
مَنْ أَنَا بَعْدَكِ؟
سِوَى عُودٍ بِلَا وَتَرٍ
لَا يَقْدِرُ حَتَّى عَلَى الأَنِينِ
فِي حِضْنِ عَازِفٍ أَعْمَى مَقْطُوعِ اليَدَيْنِ
فَأَيْنَ طِرْتِ؟
وَلَا أَجْنِحَةَ لِلْقَلْبِ لِيَتْبَعَ أَثَرَكِ
وَكيفَ غَادَرْتِ قَفَصَ الضُّلُوعِ
وَهُوَ مُقْفَلٌ عَلَيْكِ
بَعْدَكِ..يُنَادِمُ المِلْحُ جُرُوحي
وَتَسْحَقُ العَتْمَةُ رُوحِي
فَمَتَى نَلْتَقِي؟
حَتَّى أُقَبِّلَ عَيْنَيْكِ يَا رُوحَ الرُّوح.
يَمَّا مُوَيْلِ الهَوَى … صَوْتِ القَلْبْ مَجْرُوحْ
نَادَيْتْ مِنْ حُرْقِتِي … ردُّولي رُوحَ الرُّوحْ
وكعادتها في صدق مشاعرها ووفائها لأصدقائها ،تودعنا “بروين” اسماً اسماً . وشخصاً شخصاً من على المنصة ، بكلمات أهل البحرين المغمسة بحلوى وزعفران وهيل رائحة المنامة، والمزخرفة بجدران العشق في فرجان المحرق ..لتوقد جمر الحنين في أرواحنا إلى تلك الأرض الممزوجة بالمحبة والطيبة والمغسولة صباحاتها برائحة الياسمين والمشموم والورد المحمدي.
★ رئيس التحرير.



