رأيموسيقي

سارة أشرف:الدحيح.. الربط بين ما وراء الكواليس، وحلقة الست.

سارة أشرف ★
عزيزي القارئ إذا لم تكن من المؤمنين بحدوث الصدف، ومن أنصار أن كل شيء يسير حسب الخطة، فأدعوك لتجربة الإيمان بالصدف والحظ حتى وإن كان إيماناً مؤقتاً مدته هو قراءة هذا المقال، فقد كان حظي الجيد أنني بعدما أنهيت قراءة كتاب ” الدحيح ما وراء الكواليس” للكاتب طاهر معتز بالله، الصادر عن دار الشروق، لم يمر يومان على إنهائي الكتاب، ووجود نية الكتابة عنه حتى وإن كانت مراجعة قصيرة، تقتصر على مناقشة أسئلة عديدة؛ منها لماذا الكتاب لغة السرد والكتابة فيه بالعامية، وليست بالعربية الفصحى؟ وهل سبب وجود هذا الكتاب هو استغلال لنجاح برنامج الدحيح؛ أم رغبة خالصة في حكي قصة وسر خلطة نجاح الدحيح كبرنامج، وليس الدحيح هنا مقصوداً به أحمد الغندور، مقدم البرنامج، وصاحب الفكرة، فبوجود فريق عمل، وفريق كتابة متغير، إذاً الدحيح هنا تشير للمنظومة بأكملها، ونسأل الله التساهيل أن لا يعلق أحدهم على كلمة منظومة .

هذه الأسئلة يقدم إجاباتها الكاتب في مستهل الكتاب عبر تنويه ومقدمة، التنويه كان ” هذا الكتاب منحاز، وغير موضوعي، والأراء المذكورة شخصية، وغير ملزِمة، ولا تعبر بالضرورة عن فريق البرنامج”
أما مقدمة الكتاب، فكانت بها إجابة سؤال لماذا اختار العامية، وليس الفصحى؛ حيث انحاز لأن يكون الكتاب على نفس النهج والصياغة؛ التي يتم بها كتابة حلقات برنامج الدحيح؛ بحيث يكون به نفس روح البرنامج، ناسياً أومتناسياً أن البرنامج ليس قائماً على الكتابة فقط؛ التي هي نفسها متجددة الدماء، إنما المونتاج والقطع بين الفقرات، واستخدام مؤثرات، وكتابة اسكتشات يتم تمثيلها في مقدمة الحلقة، وكاريزما الغندور، المتمثلة في طريقة إلقائه السريعة في أوقات، ومتمهلة في أوقات أخرى، هذا بالإضافة إلى اختيار الموضوعات؛ كل ما سبق يدخل في نطاق نجاح خلطة الدحيح؛ في حين أن نجاح الكتاب يعتمد على أشياء مختلفة تبدأ بإثارة الفضول؛ حيث أتى عنوان الكتاب “الدحيح ما وراء الكواليس”، فمن منّا لا تعجبه مشاهد الكواليس، ويثيره الفضول نحوها؛ بل حتى أن بعض الأفلام والبرامج يكون ما وراء الكاميرا أفضل وأمتع في مشاهدته مما تابعناه، ناهيك عن ذلك أن البرنامج ناجح ومحقق أرقام مشاهدات على مدار سنوات، فالكتابة عن منتج ناجح تثير فضول متابعي البرنامج، ولكن هل هذا معناه أن الكتاب مُقدم لـ “عزيزي المشاهد” فقط؟! ، إذا اطلعت على المراجعات المكتوبة عن الكتاب على الجودريدز، ستدرك أن هناك من عرف عن البرنامج عبر الكتاب، وليس البرنامج، ثم الكتاب، أرجوك يا عزيزي لا تخلط العبارة السابقة بالسؤال الوجودي البيضة أولاً أم الدجاجة؟
لم أطلِ اندهاشي بأن هناك من لم يسمع عن برنامج الدحيح، لكن اندهاشي كان من المتهكمين ممن لم يعجبهم الكتاب، من حقك أن لا يعجبك الكتاب، ولكن اختلافك مع الكاتب بأن أسلوب الكتابة سيئ لمجرد أنه استخدم العامية هو الغريب، خصوصاً أنه ذكر أسباب أسلوب كتابته في مقدمة الكتاب، فالكاتب اختار أقصر وأسهل الطرق لضمان نجاح كتابه، ألا وهي اتباع ما أحبه العزيز المشاهد، ظناً منه أن العزيز المشاهد والعزيز القارئ هما نفس الشخص ولكن اتضح أنهما ليسا نفس الشخص يا عزيزي طاهر .
بالوصول للنقطة السابقة؛ دعني أذكرك بمقدمة مقالي التي طلبت فيها منك الإيمان بالحظ والصدفة، والسبب أنني بعدما أنهيت قراءة الكتاب، تم نَشر حلقة جديدة لبرنامج الدحيح عنوانها ” أم كلثوم في باريس” كاتب الحلقة أحمد الفخراني، وليس قراءة الكتاب وحدها؛ جعلتني أعود لمتابعة حلقات الدحيح، وإنما تعليق أحدهم حين شارك الفخراني، الحلقة على موقع التواصل فيس بوك، بأن الحلقة جعلته يبكي، إذاً هيا بنا يا عزيزتي نتابع الحلقة هل بالفعل بها ما يبكي أم ماذا؟
مَرَّالثلث الأول من الحلقة عادياً، وبمقدمة تمسني شخصياً؛ حيث كان الإسكتش الاستهلالي للحلقة عبارة عن ناقد ومذيعة؛ شخصيتان يقوم بتمثلهما الغندور، يكون الناقد ضد أغاني الست، ويحلل الأغاني والكلمات؛ ليصل إلى أغنية “أنت عمري” وهو وحده يتدارك خطأه، ويسحب كلماته بأن الأشعار “هابطة” ، وعلى الرغم من الكوميديا اللطيفة إلا أن العديد مرّوا بمراحل تحوّل في علاقتهم بأغاني الست، هناك من يكره أغانيها، وهناك من يكره صوتها، ولكن الأسطورة تقول : إن هذه فترة مؤقتة، وسوف تحب الست، وتتعلق بأغانيها سواء مُسست بداء الحب، أو لا.
الحلقة استعرضت قصة الحفلتين اللتين قدمتهما الست في باريس على مسرح الأوليمبا في عام 1967، وليس قصة الحفلتين فقط، وإنما أسباب الإجماع على حب الست، حتى ممن لا ينطقون العربية ولا يفهمونها، هذه الأسباب تطلبت شرح الخلفية التي أتت منها أم كلثوم، وهي الإنشاد الديني منذ الطفولة، مما جعلها تتقن فن الارتجال داخل الغناء، الارتجال والتفاعل مع الجمهور مباشرة؛ جعلها تدرك متى تطيل، ومتى تكرر الجملة الغنائية.
أسباب نجاح الحلقة، وتصدر الترند؛ بل ووصولها لـ (2) مليون مشاهدة على اليوتيوب، ليس فقط الحديث عن الست، فهو لم يتحدث عن الست في المطلق تاريخها وطفولتها؛ وإنما اختار زاوية محددة منطلقاً من حفل باريس؛ ليصل بنا إلى مجهود الست خلال الحرب، أو يمكنك الاطلاع على كتاب ” أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي ” للكاتب (كريم جمال) وهو المصدر الرئيسي الذي اعتمد عليه الفخراني في كتابة الحلقة.

على الرغم من كم المشاعر الوطنية التي تأججت طوال مشاهدة حلقة الدحيح؛ إلا أن من عوامل نجاح الحلقة هو التوقيت، الحلقة تم نشرها في أول يوم من أكتوبرأي قبل ذكرى انتصار أكتوبر بخمسة أيام فقط، وستة أيام على ذكرى أنه مَرَّ عام كامل لما يحدث بغزة إلى الآن، ليس هذا فقط؛ بل مَرَّ أسبوعان على ما يحدث لـ لبنان من نفس العدو، فكيف يكون التفاعل مع حلقة الدحيح تفاعلاً صامتاً بدون دموع وتأثر، فالست بغنائها في باريس؛ كانت تُجاهد جهاداً يوازي جهاد الجنود.

أعداء النجاح

على الرغم من أن الشعور الأعم الذي صاحب الحلقة؛ هو تأثر وبكاء؛ إلى أن طفا على السطح ما يعكر صفو هذه الدموع المجتمعة على حب الوطن، وعلى أن سيدة ستينية منذ ما يقرب على ستين عاماً أثرت في الوطن العربي بأكمله، وحثت المواطنين على جمع ما يحتاجه الجيش المصري من مال، إذا كان أثر حركة جناح الفراشة لا يزول، فما بالك بما فعلته الست، فهل يصمت أعداء نجاح الحلقة، أو أعداء الفن كارهو أم كلثوم؟ ظهرت بعض المنشورات على موقع التواصل؛ فيس بوك تشتم الست أم كلثوم أشهرها ما كتبه (ط. ر) ” بمناسبة حلقة الدحيح عن أم كلثوم، ودورها، هو فعلاً كثير من الناس معجبة بصوت أم كلثوم، وربما يكون كان لها دور وطني وقت الحرب كما يقولون!، لكن هذا لا ينفي حقيقة أن غناء امرأة متبرجة عن الحب والرومانسية أمام الرجال حرام”
وهو ما استدعى صورة وعبارات الشيخ كشك، لدى بعض من أعادوا مشاركة هذا المنشور الجدلي.
ولكنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها جدال على حلقة من حلقات الدحيح؛ بل أن وصل الأمر لأن يتم تكفير الغندور لمجرد أن إحدى الحلقات كانت عن نظرية النشوء للعالم دارون، ولكننا شاهدنا صمت الغندور، أمام الهجوم وتكفيره؛ إلى أن تم نشر صورته بملابس الحج من أحد أصدقائه، وهنا تراجع البعض عن هجومهم وتريثوا؛ بل هنا تحديداً في الربط بين حادثة تكفير الغندور، وحوادث أخرى واجهها البرنامج؛ تم ذكرها بكتاب “الدحيح”، للدرجة التي جعلتني أظن أن من أهداف كتابة الكاتب لكتابه؛ هو الدفاع عن البرنامج والغندور، الذي يقول عنه إنه غير معني بتغيير العالم؛ ولكنه مهتم بكيف تسير الأمور في هذا العالم، وما وراء كواليس الأحداث؛ حيث يمسك عدسته، ويستكشف، وينقب هو وفريقه.


وسواء كان هذا هدفاً من أهداف الكتاب، أو لا، فهو توضيح لمن يحب الدحيح، ويأنس به، والتوضيح يضعنا أمام أن أعداء نجاح حلقة أم كلثوم في باريس، وحتى الحلقات القادمة، والمعترضين على المصادر المستخدمة (نستثني منهم أصحاب المعرفة ممن صحّحوا أخطاء وقع فيها البرنامج في الماضي، ومعترف بها؛ بل إن من ضمن نجاح البرنامج؛ هو مواجهة الأخطاء الخاصة بالمراجعة)  كل هؤلاء ليسوا سوى ذوبعة يجب عدم الاهتمام بها.
وختاماً يا عزيزي لا تنسَ أن تلقي نظرة على المقال السابق، وتنتظر المقال القادم (خاتمة مقتبسة من خاتمة حلقات الدحيح) .


★ ناقدة ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى