نهى إبراهيم: ” خمسة جنيه” ..كيف نجح الفيلم في تجسيد معاناة مرضى الزهايمر؟
نهى إبراهيم ★
يبدأ الفيلم القصير ( خمسة جنيه)؛ وامرأة كبيرة بالسن نوعاً ما؛ تقوم بالتسوق الخاص بها من أحد المحلات التجارية، تدور الكاميرا بسرعة لكي تلتقط صورة لشاب من ظهره؛ يقف أثناء حركة السيدة التي تكمل تسوقها بهدوء كبير، ثم تقوم بدفع الحساب الخاص بها، ويتبقى لها خمسة جنيهات، فتقوم بوضعها داخل كيس المشتريات؛ تخرج السيدة بهدوء من المكان، ثم يخرج الشاب متتبعاً إياها بشكل مريب؛ حيث تكون خطواته ملاصقة لها تماماً ، حتى شعرتْ بذلك، فتوقفت؛ ليتوقف هو الآخر؛ مشعلاً سيجارته وسط نظرات غريبة من عيونه؛ تعاود السيدة السير، فيكمل الطريق خلفها؛ حتى وصلت إلى باب العمارة؛ فأوقفها بنظرات مخيفة مطالباً بأن يقوم بتوصيلها للمنزل، شعرت السيدة بالخوف من ذلك الشاب، فأعطته الكيس رغم الرعب منه، حاولت التنصل منه عند الصعود للمنزل؛ لكنه عاد من جديد لها مُوقِفاً المصعد؛ مُحرِّكاً إياه نحو الدور الثاني بيقين؛ ليلازمها من جديد حتى تصل الي باب المنزل، أخرجت المفاتيح برعشة وارتباك؛ أي مفتاح قد يكون للباب؛ لكنه طلب منها أن يحاول فتحه، فأعطته إياه، وهي تشعر برعب كبير، فتح الباب سريعاً؛ دخلا المنزل؛ والمشهد يبرز صورتها وهي صغيرة، طلب منها توصيل الأشياء نحو المطبخ، فأعطته إياها بتعجب ، أخرج زجاجة العصير نفسها التي اختارتها بالسوبر ماركت، ثم وقعت منها، فأمسكها هو بالطريق ، وأخرج أحد الأكياس من جيبه، ثم قام بوضع الشيء الأبيض بالعصير، ثم هَمَّ بالانصراف، فألحَّت عليه، وأعطته الخمسة جنيهات؛ لتدخل حجرتها وسط إضاءة خافتة؛ بينما يخرج هو للحظات، ثم يقوم بفتح الباب، ثم يدخل مجدداً؛ كي يغسل وجهه؛ يدخل حجرتها، ثم يقوم بوضع الوسادة خلف ظهرها، وهي تشاهد التلفاز، فتتنبه وهي تنادي باسمه محتضنة إياه بحب، تتحرك الكاميرا مارَّة بجميع الأدوية التى تناولها، ثم صورته معها، وهو مبتسم .
بالبداية؛ لقد خطف ذلك العمل القصير أنفاسي منذ اللحظة الأولى؛ التى وقعت عيناني على البطل، وهو يظهر بشكل مخيف، تلك الخدعة التي لازمت الفيلم؛ قد أضفت عليه سحراً بالغاً؛ جعلني أستمر بالمتابعة عن كثب، ونبضات قلبي تتسارع وتسابق عيوني خوفاً على السيدة من ذلك الشاب؛ الذي بدا مخيفاً بشكل كبير، لقد نجح الفيشاوي، بتلك الخدعة ، وكذلك صفية العمري؛ التي تألقت بتوصيل فكرة رعب العجوز؛ من شاب تظهر عليه علامات الإجرام، يريد شيئاً منها بشدة؛ لكننا لا ندري كنهه !
العمل جيد جداً مثير إلى حد كبير؛ يجعلك تتابعه حتى النهاية.
الإضاءة بالمنزل كانت خافتة جداً؛ لتعبِّر عن تلك الفترة؛ التى يعاني منها كبار السن؛ عندما تكون الوحدة هي الأنيس الوحيد لهم، وكذلك تشير إلى كمِّ الإحباط الذي ينتاب الأبناء عندما يعاني أهلهم من ذلك المرض الشرس،الزهايمر…
الإجادة كانت بدرجة كبيرة؛ جعلتني كمفترج أشعر بحجم المأساة التي ليس لها من حل سوى المتابعة اللصيقة؛ كما فعل الابن تماماً؛ كي نضمن سلامة الأهل .
أحمد الفيشاوي، بدا لى كمتفرج؛ مخيفاً بملامحه التي كان يحاول إخفاءها طوال أحداث الفيلم، عيونه كانت تُبرز حجم المأساة؛ لكن أي مأساة؛ فأنت لا تدرك شيئاً ؛ لذا؛ فقد تلاحقت دقات قلبي وهو يلاحقها حتى دخل معها المنزل، وهو يُخرج الحبات البيضاء من جيبه، ثم يكسرها، ويضعها بالعصير، شعرت بِكَمٍّ كبير من الخوف على السيدة المرتعبة منه؛ لذا؛ كا ن تقييمي لأداء الفيشاوي، عالي الدرجة؛ لأنه جعلني أشعر بكثير من الشوق؛ لمعرفة ماهية العمل، ولِمَ كل هذا ؟
الفنانة الكبيرة صفية العمري، جذبتني منذ اللحظة الأولى لاختيارها من صُنَّاع الفيلم؛ كونها بعيدة عن الأعمال الفنية منذ فترة ليست بالقصيرة؛ فأحيي صُنَّاعه على هذا الاختيار الصائب ، عمر الفنانة ملائمٌ جداً للدور، رعشتها ، خوفها، وكل مشاعرها كانت قوية لدرجة كافية؛ كي تصل للمُشاهد.
فيلم رائع؛ جسَّد قضية مهمة لكبار السن؛ حيث الزهايمر، أو فقدان الذاكرة.
تم تجسيد الزهايمر، بالعديد من الأعمال، مثل زهايمر للفنان عادل إمام، وكذلك الفنانة إلهام شاهين، بمسلسل الفريدو، حالة من الضياع تجتاح من يتقيدون بذلك المرض؛ لذا كانت فرحتي بالنهاية عندما تم عرض صورته معها، وهو بسن أصغر؛ حيث كانت ترتسم على ملامحه السعادة برفقة والدته؛ التي وبالمناسبة تم تقليص تلك السعادة بشدة من ملامح الشاب أثناء مرض والدته، شعور قاسٍ عندما يغيب عنك أقرب الناس إليك، وتشعر حتى بالخوف منهم كأناس غرباء.
كل هذا وأكثر تم تجسيده من خلال دقائق معدودة؛ لكنها كانت كافية لتجسيد حجم المعاناة، وكيفية التعامل معها؛ فلا يصح مطلقاً أن نتركهم بتلك الحالة بمفردهم؛ بل يجب إيجاد الطريقة القوية التي تجعلنا نتابعهم عن كثب .
الموسيقى كانت رائعة خاصة بالدقائق الأخيرة التي تعرفت فيها الأم على ابنها، وإطلاق الآهات المصاحبة للمشهد بسحر يقتلع الآهات من قلبك أنت الآخر ..
دائماً كان الفن وسيلة للتعبير عن القضايا المهمة؛ من خلال تسليط الضوء عليها، وفي بعض الأحيان فرض الحلول المتاحة، أو من الممكن عدم القدرة على إيجاد تلك الحلول؛ لكن يبقى للفن دوره الفعال الذي نفخر به دائماً.
الفيلم القصير “خمسة جنيه ” بطولة: صفية العمري /أحمد الفيشاوي
تأليف وإخراج :محمد أديب
شكر خاص : صفوت غطاس/ طارق الجنايني
الفيلم مدته : ١٠ دقائق
★كاتبة ـ مصر.