فنون وآداب اخرى

رانا ابو العلا: حين تنبض الحياة تكنولوجيا

الفيديــو مابينــج

رانا ابو العلا★

أصبحت التكنولوجيا الحديثة في عصرنا الحالي تُشَكِّلُ دوراً بارزاً في مجالات الحياة ولاسيما الفنون، فقد فرضت التكنولوجيا بصمتها في واقعنا حتى أصبح من المُحال الاستغناء عنها، فقد وجدنا أنفسنا أمام تقنيات حديثة في تجدد وتطور مستمر.

أما المبدع فـبقي يُطَوِّعُ كافة معطيات التكنولوجيا الحديثة ليعيد من خلالها صياغة عناصر الفن المختلفة بصورة جمالية ليخلق فناً أكثر إبداعاً وابتكاراً، يمكنها أن تصل بالمتلقي إلى حالة من النشوة الفنية، وذلك بفضل هذا الواقع الجديد الذي فرضه العالم الرقمي.

ومن بين تلك التقنيات الكثيرة التي تُسهم في تشكيل صورة بصرية فريدة ومبتكرة في مجال فنون العرض، تأتي تقنية الفيديو ما بينج لتحدث طفرة في هذا المجال، فلقد أصبح الفيديو ما بينج تقنية شائعة في عالم الترفيه والثقافة، وكذلك في مجال الإعلان، حيث هيمنت تلك التقنية على أنماط فنون العرض التقليدية، وعملت على طرح تجربة جمالية فريدة من نوعها، تجذب إليها أنظار الجماهير، وتحقق التواصل معهم بطرائق جديدة، لما تقوم به من تحويل الأفكار الإبداعية إلى عروض ثلاثية الأبعاد.

تُعد خرائط الفيديو أوالفيديو ما بينج إحدى تقنيات التكنولوجيا المرئية الحديثة التي تعرض الصور على الأسطح المستوية كالشاشات، وغير المستوية أو غير البيضاء كجدران المباني والنوافذ والمنحوتات الأثرية والستائر والمركبات، وكذلك الأشخاص وما إلى ذلك، مما يؤدي إلى إضفاء تأثيرات ورسوم متحركة تفاعلية ثلاثية الأبعاد تبدو وكأنها تنبض بالحياة، وذلك من أجل خلق إيهام بصري للمتلقي، فـلا شك أنها تقنية تخلق إمكانيات غير محدودة للإبداع.

عرض الخيميائي باستخدام تقنية الفيديو مابينج

فنجد أن تقنية خرائط الفيديو المتطورة تُمَكِّنُ مستخدميها ومصمميها من القدرة على أخذ أي كائن أو أي شيء من العالم الحقيقي، أو من الخيال لا مثيل له بالواقع، وتحويله إلى نموذج ثلاثي الأبعاد، ثم بفضل التقنية يقوم المصمم بتحويله إلى عرض فيديو، ثم إسقاطه على مبنى أو غيره دون أي تشويه؛ ولكن تعمل تكنولوجيا الفيديو ما بينج على تحويله إلى مكان آخر مختلف وأكثر جمالاً، وهذا يعني أنها تُحَوِّل أي مكان إلى لوحة فنية ديناميكية.

أما عن خطوات التصميم فـتتلخص في الآتي: تبدأ الخطوات باختيار الكائن والصور أو الفيديو الذي سيتم عرضه أو إنشاؤه، ثم يتم استخدام البرنامج لرسم خريطة لزوايا الفيديو على الأسطح أولاً، بعد ذلك يُوضع كل مقطع فيديو على السطح المخصص له، أو قد يختار المصمم تعيين المشهد بأكمله في صورة ثلاثية الأبعاد ومحاولة عرض الصورة وإخفائها مرة أخرى على إطارها.

ويتم تعريف الخطوة التالية على أنها إخفاء، مما يعني استخدام القوالب المظلمة لإخفاء الأشكال والمواضع الدقيقة للعناصر المختلفة للمبنى أو مساحة العرض، كما أنه في رسم الخرائط ثلاثية الأبعاد يجب تحديد الإحداثيات لمكان وضع الكائن فيما يتعلق بجهاز العرض، ويجب أن ينتج عن اتجاه X Y Z وموضعه، ومواصفات العدسة لجهاز العرض مشهد افتراضي محدد.

وقد كانت تلك التقنية في البداية بحاجة إلى أجهزة ضخمة للعرض ومساحات كبيرة للعرض عليها أغلبها مفتوحة، ولهذا كانت غالباً ما تنتج أفضل مشاريع الفيديو ما بينج على مواقع ومباني ضخمة، وبفضله تتحسن صورة بنية الموقع التي يتم بثها عليها، ولكن بفضل التطور التكنولوجي السريع اقتصر التصميم على برامج الجرافيك، وأصبح من الممكن أن يُعرض الفيديو ما بينج في مساحات صغيرة، ومن ثم بدأت مشاريع خرائط الفيديو تتراوح أحجامها بين مساحات صغيرة قد تكون غرفة أو ما شابه، وبين أخرى تصل أحياناً أن يصبح حجمها هائلاً بصورة مذهلاً.

يُنفذ الفيديو ما بينج على أجهزة الحاسب الآلي، وذلك بعد أن يأخذ مصمم الفيديو حجم وارتفاع الجسم الذي سيُسقطه عليه بدقة كونه يتم تعيينه مكانياً على البرنامج الافتراضي الذي يحاكي البيئة الحقيقية التي سيتم عرضه عليها، ويتطلب هذا الشكل الفني إتقان تصميم الجرافيك ثنائي وثلاثي الأبعاد، وبرامج إنشاء الصور التي تتكيف مع الرسومات للإسقاط على الأسطح المختلفة، بالإضافة إلى برامج الخرائط والرسوم المتحركة، ففي عالم الفيديو ما بينج هناك ثلاثة أشياء أساسية يجب أن تتوافر حتى يتم إنشاء عرض بتقنية الفيديو ما بينج وهي:  توافر برامج الحاسوب لإنشائه كالمذكورة سابقاً، وجهاز عرض – بروجكتور – أو أكثر بحسب الطاقة اللازمة لنوع العرض، وأخيراً سطح يُسقط عليه الفيديو.

توضح الصور شكل المبنى عند اسقاط تقنية الفيديو مابينج

وحتى يحقق مصمم الفيديو ما بينج الخداع الكامل لحواس المتلقي، عليه أيضاً إتقان الضوء واستخدام درجات ألوان ملائمة للعرض، وكذلك الصوت واختيار المقطوعات الموسيقية الملائمة للعرض، وبهذا يحقق صورة مرئية مبتكرة ومبهرة تطوي الكثير من الإبداع الذي يطمح إليه من خلال تلك التقنية.

على الرغم من ان مصطلح الفيديو ما بينج جديد نسبياً إلا أن تاريخه يرجع إلى أواخر ستينيات القرن الماضي، وظهرت أولى العروض العامة لتقنية الفيديو ما بينج لأول مرة في عام 1969م بواحدة من بين افتتاحات ديزني لاند، أما السينما فقد استخدمتها مبكراً بعامين ففي عام 1967م جاء استخدمها بأحد مشاهد الفيلم الوثائقي التلفزيوني Magical Mystery Tour إخراج وبطولة فريق البيتلز، وكان عام 1984م، أول استخدام معروف للفيديو ما بينج في عرض مسرحي في برودواي، وفي الحملات الإعلانية جاء استخدامها خلال الحملات الإعلانية لحرب العصابات، واستخدمت الشركات الكبيرة مثل Nokia وSamsung وBMW وغيرهم الكثير، منذ ذلك الحين عروض الفيديو لإنشاء حملات لمنتجاتهم في المدن الكبرى في جميع أنحاء العالم.

وقد استمر استخدام تقنية الفيديو ما بينج في الكثير من دول العالم، وشاع استخدامها في الاحتفالات الدولية والحفلات الغنائية والأحداث الثقافية الكبرى والمهرجانات وعروض الأداء والإعلانات والعروض المسرحية، كما شاع استخدامها في التلفزيون والأفلام السينمائية.. إلخ، نذكر من بينهم حديثاً فيلم Oblivion وهو واحدٌ من أفلام الخيال العلمي إخراج جوزيف كوزينسكي ومن إنتاج عام 2013م، كما أصبحت تستخدم مؤخراً بمهرجان Fête des Lumières ـــ في ليون بفرنسا – وهو مهرجانٌ لتكريم السيدة مريم العذراء، وقد تم استخدامها في البرازيل عام 2018م وتحديداً في ريو دي جانيرو احتفالاً بالعام الجديد حيث أضاء تمثال السيد المسيح على جبل كوركوفادو المُطِلِّ على المدينة، وبفضل تلك التقنية ظهر التمثال وكأنه يستدير ويمد يديه باتجاه الأحياء غير المقابلة له، وقد كان الهدف من ذلك بث رسالة سلام للجميع مع بداية العام الجديد، وفي عروض الأداء – performance – كعرض The Alchemy of Light by a dandypunk عن رواية الخيميائي لبولو كويلو، وغيره الكثير من عروض الأداء الفردية، أما في مصر نذكر الاستخدام الأول لتقنية الفيديو ما بينج في عرض مسرحي بالمسرح القومي في مسرحية (اِضحك لما تموت) من تأليف لينين الرملي وإخراج عصام السيد، وجاء استخدامها بحسب ما ذكر مخرج العرض في مادة فيلمية، وليس جرافيك، وذلك بما يحتاجه العرض المسرحي.

أما شركات والت ديزني فنجدها كثيراً ما تلجأ في صناعتها إلى استخدام تقنية الفيديو ما بينج.

ومن هذا علينا أن نُسَلِّمَ بأن العالم الرقمي قد شكَّل عالماً من التطورات التي تُضفي الكثير من المميزات والتطورات على مجالات الحياة المختلفة، لتعيد صياغتها من جديد بصورة مبتكرة وجمالية في بعض الأحيان، كما تفعل تقنية الفيديو ما بينج.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ ناقدة فنية ــ مصــر

 

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى