مسرح

منى علي: ” مع الشغل والجواز” .. هل تختار الحياة مرة أخرى بعد الموت.

منى علي ★

ضمن عروض الدورة السابعة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري، والتي تحمل اسم سيدة المسرح العربي “سميحه أيوب”، عُرضت  على مسرح المعهد العالي للفنون المسرحية  مسرحية “مع الشغل والجواز”

اختيار

يبدأ العرض المسرحي بدخول زفة الفرح، السعادة تغمر كل الحضور، ويظن العروسان أن الحياه مليئة بالبهجة التي تنتظرهما، ثم يتعرضان لحادثة تودي بحياتهما، ولكنهما يحصلان على فرصة أخرى للعودة للحياة من جديد، وبشكل فانتازي يتم تخييرهما ما بين الموت أو العودة للحياة ومواجهتها بكل صعوباتها وتحدياتها، فيختارا الحياه ظناً منهما أن السعادة والآمال العريضة في انتظارهما، ثم يبدأ العرض في  سرد قصة الزواج والحياة التقليدية، الصعوبات وقسوة الحياة بكل تفاصيلها الضاغطة في العصر الحالي،  ويتعرض الزوجان لآلام الحياة والمواقف التي توصلهما لحد اليأس، والتفكير في الانفصال، ويصل بهما حد اليأس إلى  تمني عودة لحظة الحادثة حتى يختارا الموت والراحة ، وعدم مواجهة كل العذابات التي واجهتهما باختيارهما الحياة بديلاً عن الموت.

الخرس الزوجي!

تُصوِّر المسرحية ضغوطات الحياه العصرية من خلال العرض لمعضلة النفاق داخل مؤسسات العمل، والتنازلات التي يتوجب على الفرد تقديمها، حتى يستطيع التغلب على  معاناة العمل مع مدراء نرجسيين ومتسلطين، وتناقش كذلك قضايا الخرس الزوجي الذي يواجه المتزوجين، وفقدان التواصل فما بينهما كما كان في بداية التعارف، أو بداية الزواج والتعبير عن الانفصال في الرؤى ما بين الزوجين، وتخيل كل منهما أن الآخر أصبح غير مهتم لأمره، وهو ما يزيد من مرارة الحياة، كذلك ناقش العرض قضية التحرش في أماكن العمل، والنظرة المجتمعية النمطية للمرأة، والافتراض بأن الأدوار الجندرية تلزمها أن تكون هى الأكثر تنازلاً داخل علاقة الزواج، وعليها إرضاء الزوج حتى على حساب التخلي عن أحلامها في العمل، وتدخلات الأهل  التي تزيد من الهوة بين وجهات نظر الزوجين، والنصائح المقدمة من الأصدقاء الذين ربما يعيشون داخل تجربة فاشلة، ويريدون فرضها على الجميع، أو ربما تقديمها بحسن نية ظناً منهم أن للعلاقة بين الأزواج شكلاً واحداً لا تسير الحياة على ما يرام دونه، والصراع  الذي يحياه العروسان المُحبان ما بين تصور لشكل حياة يريدونها، وبين واقع يُفرض عليهما.

مرارة !

جاء العرض في قالب من الكوميديا الاستعراضية الغنائية، أظهر فيه الممثلون قدراتهم الأدائية والتعبيرية، ولعبت أشعار أحمد رجب، دوراً في تحريك وصنع الأحداث، من رسم الصورة المتخيلة للسعادة، إلى اكتشاف قسوة ومرارة تفاصيل الحياة الزوجية، والتي صاغها بتعبير ” طيب والله عجيبة الدنيا وعكس اللي تمنيناه”، وفي مرحلة الخرس الزوجي يُعَبِّرُ الزوجان عن مشاعر كلٍ منهما تجاه الآخر ” تبقي جنبي في وقت ضيقتي نقسم الأوجاع سوا”، وعن تمني الزوج أن تُظهر زوجته الثقة التامة فيه حتى وإن تراءى لها ما يهز تلك الثقة “هاحفظ العهد وأصونه وانتِ جنبي إزاي تخافي”، وجاءت الألحان الموسيقية متسقة مع طبيعة العرض والأشعار.

قضية مهمة

ظهر الديكور على الشكل الكلاسيكي غير المتغير بوجود منظر منزل ثابت  يتوسط الخشبة، في إشارة إلى مكان الحدث الرئيسي للمسرحية، واستخدام مقاعد ومناضد خشبية بسيطة،و لم يكن اختيار صناع العرض اللعب بالإضاءة في أوقات الاستعراضات اختياراً مناسباً، فاللعب بالإضاءات السريعة لم يُمكِّن الجمهور من متابعة الأداء في الاستعراضات، وشتت أبصارهم بسبب سرعة إظهار وإخفاء وتغير ألوان الاضاءة، ولكن جاء اختيار الإضاءة في مشاهد الكباريه مناسباً لطبيعة الحفلات داخله، التركيز على الإفيهات الشعبية وهو عمل تتسابق به نقابة المهن التمثيلية داخل المهرجان المسرحي الأعرق، و لم يكن استخدام تلك الافيهات لائقاً من صناع العرض، وخاصة أن الممثلين والراقصين يتمتعون بمهارات أدائية وغنائية عالية، يمكن توظيفها في صنع الضحك بدلاً من الاعتماد على المغالاة في استخدام الإفيهات التي يتم  تداولها داخل الأعمال التجارية، والتي يعتمد عليها أغلب مقدمي تلك العروض لخواء عروضهم من مضمون، أو لافتقار المواهب فيتم التركيز عليها لانتزاع ضحكات الجمهور، وذلك على عكس  ما يحمله عرض (مع الشغل والجواز) من مضمون ورسائل في مناقشة قضية مهمة، وهي صعوبات الحياه الزوجية، وكذلك ما تمتع به الممثلون في المسرحية من قدرات أدائية في الغناء والتمثيل، وحققوا حضوراً ناجحاً على الخشبة، وحصدوا تفاعلاً كبيراً من الجمهور بالتصفيق والضحك.

إتقان نغم صالح

بالنسبة للتمثيل وبشكل خاص الموهوبة نغم صالح، التي قامت بتجسيد أدوار متعددة داخل العرض كالأم والطبيبة والراقصة، واتقنت تقديمها كلها،.

وأما الفنان أمير عبد الواحد، الذي قام كذلك بتجسيد أدوار متعددة، فقدمها جميعاً بشكل مبهر، والفنان أحمد بيلا، الذي جسد دور العريس، وتمتع بحضور مسرحي قوي.

مع الشغل والزواج

إنتاج نقابة المهن التمثيلية.

أزياء ومكياج: رحمة عمر.

إكسسوار: سهيلة الهواري.

سينوغرافيا :محمود أبو زيد

اِستعراض ودراما حركية: محمود نور.

الإضاءة: محمود الحسيني الكاشف.

تأليف موسيقي وألحان: أحمد حسني.

العازفون :عبد الرحمن محمود، عبد الخالق العطار، ديفيد سمير.

الراقصون:  دينا سلام، فاطمة علي، عبد الرحمن جمال، محمد يحيى، عبد الله يحيى.

تمثيل : نغم صالح، أمير عبد الواحد، أحمد بيلا، حور تامر، مارينا صبحي، محمد قنديل.

اشعار وتأليف: أحمد رجب.

مساعدو إخراج ساندي الصاوي، عامر عبد الفتاح.

مخرج منفذ: هيثم فرغلي.

إخراج : عبد الباري سعد.


★ ناقدة ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى