مسرح

شهد إبراهيم: “صلاح عبد الصبور “الشاعر الذي قتله اتهام بالمهادنة…في ذكرى وفاته الـ 23 اليوم!

شهد إبراهيم ★

بينما كنت أتصفح الإنترنت باحثة عن أحد الأعمال المسرحية، لفت نظري هذا التاريخ الذي يُعيدني إلى أحد أعظم أعمدة الأدب العربي الحديث، وهو الرابع عشر من أغسطس، حيث ذكرى وفاة صلاح عبدالصبور.

لم يكن البحث عادياً، بل كان بحثاً عن نهاية رحلتي الأدبية مع كاتب أضاء بنصوصه دروب الفكر والشعر، فوجدت أن هذه المصادفة ليست إلا دعوة للغوص من جديد في عالمه الأدبي الفريد.

لابد أن يُكتب شعراً

يُعد صلاح عبد الصبور أحد أهم رواد حركة الشعر الحر العربي، ومن رموز الحداثة العربية المتأثرة بالفكر الغربي، كما يُعد واحداً من الشعراء القلائل؛ الذين أضافوا مساهمة بارزة في التأليف المسرحي، الذي قدّمه من خلال قالب شعري لقناعته بأن المسرح لابد أن يُكتب شعراً، فدفعني هذا لفتح صفحات مسرحيته الأخيرة “بعد أن يموت الملك” ومع كل كلمة كانت تطل امامي ذكريات قراءاتي السابقة لأعماله؛ حيث إنه النص الذي تجتمع فيه كل الخيوط الدرامية والأيديولوجية التي بسطها صلاح عبد الصبور في مسرحياته السابقة، حيث كتب عبد الصبور خمس مسرحيات فقط، وهي: مأساة الحلاج 1964، مسافر ليل 1968، الأميرة تنتظر 1969، ليلى والمجنون 1971، وبعد أن يموت الملك 1975.

الوضع السياسي

يناقش صلاح عبد الصبور في “بعد أن يموت الملك” الوضع السياسي وقتها، حيث جاءت المسرحية مليئة بالتساؤلات، ماذا بعد أن مات عبد الناصر؟ وقد نجده مزج في النص بين الكوميديا والتراجيديا، وليست أول مرة فإنه قد سبق لعبد الصبور المزج بينهما في “مسافر ليل” وقال عليها :”لو كان لي أن أخرج هذه المسرحية لقدَّمتها في إطار من الفَارْس”

وقد خصص مسرحه الشعري كله لمهاجمة الوضع السياسي في حقبة جمال عبد الناصر، وأوضح من خلال شخصياته المسرحية أن سلاح السلطان لا يتمثل في السيف فقط؛ حيث نجده يقول على لسان “الأستاذ” في مسرحية ليلى والمجنون” يا أصحابي الشجعان يشتد علينا سيف السلطان، وذهب السلطان، وأطالبكم أن تقفوا جنبي، لا أخشى أن يصرعكم سيف السلطان؛ لكني أخشى أن يفسدكم ذهبه” ليس فقط ؛ بل قدّم ذلك من خلال جميع شخصياته حيث “عامل التذاكر” في مسرحية مسافر ليل، و “السمندل” في نص الأميرة تنتظر، وشخصية “الملك” في بعد أن يموت الملك، فإنه دائماً لديه حكاية يخاطب بها القارئ من خلالها، فالكلمات لا تأتي عارية، بل ترتدي ملابس الحكاية بالحِكَم والأمثال، كي تصل وجهة نظره كاملة بشكل مبسط.

سبب انتهاء حياته!

وعلى الرغم من مواضيع السلطة التي تأثر بها عبد الصبور، إلا أن تنوع المصادر التي تأثر بها من شعر الصعاليك إلى شعر الحكمة العربي، مروراً بسير بعض أعلام الصوفيين العرب مثل الحلاج، وبشرالحافي اللذين استخدمهما كأقنعة لأفكاره، فكما يتدلى رأس زهران ضحية سلطة الاستعمار، يتدلى رأس الحلاج ضحية سلطة استعمار العقل من قِبَل الحكام، كذلك في مسرحية مسافر ليل، يصرخ من خلال المسافر المقهور من عامل التذاكر؛ ليعبر عن المأزق الوجودي لهذا الإنسان.

ورغم اهتمام عبد الصبور بالأحوال السياسية في مسرحياته إلا أنها كانت هي سبب انتهاء حياته، وذلك بسبب عدم تمكنه من منع مشاركة الكيان الصهيوني بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 1981، وذلك بسبب حديث أحد أصدقائه له “أنت بعت القضية يا صلاح لتنعم بالمناصب” فتوفى في مثل هذا اليوم من عام 1981بنوبة قلبية حادة إثر تعرضه لذلك الاتهام مخلفاً وراءه ميراثاً مسرحياً عظيماً ـ رحمه الله.


★ طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي ـ جامعة عين شمس ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى