إذاعة وتليفزيون

شيماء مصطفى: “الحشاشين”.. من منا يدرك من يكون؟!

شيماء مصطفى ★

أحيانًا لا نعرف أي اتجاه نسير، ولكن علينا أن نثق بأن مشاعرنا سوف تقودنا يومًا ما نحو الطريق الصحيح، أما إذا نزعنا تلك المشاعر من جذورها، واجتثت من فوق الأرض، كيف يمكن أن نثق،  أن نهتدي إلى الطريق القويم؟

من هم الحشاشون؟

أشعلت حلقات مسلسل الحشاشين خلال السباق الرمضاني مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، سواء بالبحث عن مهندس الديكور أحمد فايز وقلعة آلموت وحسن الصباح، لم يكتف الباحثون بما وصلهم من معلومات مرئية عبر العمل، بل ذهب البعض إلى رواية فلاديمير بارتول، الصادرة عن منشورات الجمل،  بترجمة لفاطمة النظامي، وإن كانت رواية فلاديمير الأشهر فإنها لم تكن الوحيدة، إذ بزغ  أمامنا أعمال أخرى تناولت طائفة الحشاشين.

تدور الأحداث في إطار تاريخي، في القرن الحادي عشر ميلادي، حول طائفة دينيَّة من الشِّيعة الإسماعيليَّة تُدعى الحشَّاشُون، أسسها حسن الصَّبَّاح، وعن قيادته للفرقة التي اشتهرت بتنفيذ عمليات اغتيالات دموية لشخصيات مرموقة في تلك المرحلة، فدخلت في عداوات ومعارك مع الخلافتين العبَّاسيَّة، والفاطميَّة، وكذلك مع السَّلاجقة، والأيوبيين، الصليبيين.

مسلسل الحشاشين من بطولة كريم عبد العزيز، فتحى عبد الوهاب، نيقولا معوض، ميرنا نور الدين، أحمد عيد، إسلام جمال، محمد رضوان، سامى الشيخ، عمر الشناوى، نور إيهاب، سوزان نجم الدين، ياسر علي ماهر، بسنت أبو باشا وعدد كبير من الفنانين، وضيوف الشرف، وهو من تأليف عبد الرحيم كمال، وإخراج بيتر ميمى، وإنتاج شركة سينرجى.


انتقادات ولكن!

أي عمل يتناول حقبة تاريخية -شئنا أم أبينا- يخضع للمقارنات والانتقادات سواء من النقاد أو الجمهور، ولا يجد بعض المنتقدين غير اللغة والتاريخ كملاحظات تنهال على أصحاب العمل- ولا نعني الحشاشين فقط- متناسين أن الدراما تتجاوز التاريخ الذي كتبه بشري يصيب ويخطئ، وأنها ليست مكلفة بالتوثيق فقد يتخلله الخيال ويضفي لمسته، فضلًا على أنه لم كُتب  بلغة غير لغته، وعرض بلهجة تختلف عن اللغة التي ترجمت إليه، والأهم أن القلعة نفسها بوثائقها وكتبها تعرضت للحرق على يد التتار، أما عن اللغة، فلا نعرف لمَ الاستماتة والهجوم على كل عمل  تاريخي يعرض بغير الفصحى!  وبسبب هذا الهجوم وجدنا أعمالًا عن التاريخ الفرعوني باللغة العربية الفصحى كمسلسل لا إله إلا الله رغم أنه يتناول فترة قبل الميلاد ، ووجدنا مسلسل كليوباترا بطولة سولاف فواخرجي باللغة العربية الفصحى ، وإن كنا متعصبين تجاه التاريخ فإن عرض هذه الأعمال باللغة العربية ينتقص منها، فكليوباترا بطلمية، والمسلسل الفرعوني على أرض مصر وقبل الفتح الإسلامي بل أنه أيضًا قبل الميلاد، حتى مسلسل الحشاشين الذي نحن بصدد الحديث عنه تدور أغلب أحداثه في أرض أصبهان، وما نعنيه أن اللغة التي نتعصب لشأنها، كان من الأحرى وحينها كان سيكون منطقيًّا لو كنا نطالب بأن يكون العمل بلغته الأصلية، ومع ذلك هذا ليس ضروريًّا أيضًا حتى وإن كان منطقيًّا نظرًا لأن الدراما تتستع لما أبعد من ذلك، ولوجود الترجمة ونسخ عديدة من السيرة ذاتها، أما عن المزاعم بعدم وجود ممثلين في العصر الحالي يتقنون العربية، فهذا غير صحيح فخالد النبوي -لم يشترك في العمل- سبق وأن قدم العام الماضي رسائل الإمام سيناريو وحوار محمد هشام عبية، ومن قبله صدق وعده في دور تيم الغنوي بالاشتراك مع الممثل السوري أيمن زيدان وريم العلي ومكسيم خليل، وغيره الكثيرين، ولكن كنا نود لو نرى العمل يضم ممثلين عرب بشكل أكبر فلا يقتصر الأمر على سوزان نجم الدين، ونيقولا معوض.


الفكرة وحدها لا تكفي

بالبحث والتنقيب عن سر نجاح أي عمل درامي، سنعثر على تضافر الجهود من ديكور مدهش لأحمد فايز الذي نجح في محاكاة الماضي رغم زواله دون أن يتأثر أو يختلط عليه الأمر نظرًا لتزامن تصميمه لديكور جودر فتفوق في العملين، والجرافيك، ومدير التصوير حسين عسر، والتحدي الذي وضع فيه بيتر ميمي مخرج كلبش، والاختيار، وحرب  كرموز، وكازبلانكا، وإن تقاطعت هذه الأعمال لبيتر ميمي مع الحشاشين في وجود صراعات ومطاردات، ولكن بيتر ميمي في الحشاشين اختلف كثيرًا من حيث الإخراج – رغم المآخذ-، كذلك عبد الرحيم كمال صاحب شيخ العرب همام، والخواجة عبد القادر.

أما أحمد عيد الذي فاجأ الجميع بدور زيد بن سيحون، كونه لسنوات تم قولبته وتأطير أدواره في الجانب الكوميدي، حتى العام الماضي حين شاهدناه أمام نيللي كريم وجمال سليمان في مسلسل عملة نادرة إخراج محمد جمال العدل، فكان الظهور الدرامي الذي كسر الإيهام لدى المتلقي ليعلن عن ممثل يجيد كل الأدوار وليس الكوميدي وحسب، وعن ميرنا نور الدين فقد قدمت بعض المشاهد عبر تعبيرات الوجه أثبتت فيها أن الحزن أكبر من التعبير عنه بالبكاء والعويل، حتى ظهور شيري عادل أمام سامي الشيخ في الحلقة الأخيرة كان ظهورًا لا فتًا.


انقلاب التابع على المتبوع

أعلمه الرماية كل يوم ..فلما اشتد ساعده رماني…
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني.


ثمة نزال مضمر، بين حسن الصباح (كريم عبد العزيز) وتابعه برزك( سامي الشيخ)، وقد أجاد كريم محو الصورة المثلى التي ترسخت في وجدان محبيه في أعماله السابقة التي يأتي من خلاله مدافعًا عن الحق، داحضًا الباطل، فكان هو الباطل ذاته، بأداء هادىء وواثق، فلا يقترف الظلم وهو يعلم أنه ظلم، بل فعل مثلما يفعل من يكذب الكذبة ويصدقها، وكذلك سامي الشيخ/ برزك الذي تشبع بأفكار الصباح لدرجة جعلته ينقلب على الصباح نفسه بنفس الوتيرة الهادئة التي انتهجها الصباح، وبفضل رسم شخصية الصباح وبرزك بدقة خاصة في الحلقة الأخيرة ،كان السيناريو سيفقد جاذبيته التي اكتسبها في أول الحلقات.

وبشكل عام يُحسب للحشاشين اهتمامه بكل العناصر من أداء وديكور وملابس وموسيقى تصويرية، والجرأة على التناول باللهجة المصرية، كما يحسب له الدفع للنبش وراء فئة شغلت العقل العربي بشكل عام، فجعلنا حسن الصباح بكل تاريخه الدموي ونحن نشاهد نهايته نتساءل من منا يدرك من يكون؟!


★سكرتير التحرير.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى