سينما

محمد فهمي: “شفت مسائي” ..دردشة خارج السياق.

محمد فهمي ★

ناقشنا مسبقًا الأسباب التي أدت إلى انخفاض أسهم السينما والفنانين عند الجمهور، ومن ضمن تلك الأسباب  السيناريو أو الموضوع الذي يناقشه العمل السينمائي والذي ابتعد بدوره عما يدور في الشارع المصري، فأصبح الجمهور لا يرى نفسه في تلك الأعمال، ولكن حينما يجد الجمهور عملًا جيدًا محبك الصنع لا يتوانى عن الإشادة به، وقبل أن يكون دور الجمهور فهو في المقام الأول دور النقاد والمهتمين بالساحة الفنية.

كوميديا سوداء

هو فيلم قصير من إنتاج 2020، وتم طرحه على “يوتيوب” عام 2022، من بطولة الفنان “عصام عمر” الذي اشتهر بدوره في مسلسل “بالطو”، والفنان “أحمد كمال” ومن إخراج “كريم شعبان”.

يدور الفيلم حول شخصيتين رئيسيتين هما، الشاب “زين” ممثل خدمة العملاء في إحدى شركات الإنترنت، والذي يعيش حالة روتينية من المناوبة الليلية وحيدًا في عمله، يقاوم النعاس بشتى الطرق لمواصلة عمله، وشخصية “أكرم” أحد عملاء الشركة الذي يعاني من مشكلة انقطاع الإنترنت المتكررة طيلة أربعة أشهر وهو الأمر الذي يعطل أعماله الهامة، ويعبر عن انزعاجه من خلال مكالمة هاتفية خارج السياق لممثل خدمة العملاء.

أصبحت مشكلة انقطاع الإنترنت في مصر مشكلة متكررة لدى جميع العملاء لدرجة الكوميديا السوداء حينما يعمل الإنترنت لديهم يصبح أمر غريبًا، أما بالنسبة لممثلي خدمة العملاء، فهو كالفيلم الذي يعاد إذاعته كل عشر دقائق في أذنيه، وعليه أن يلتزم بسياق المكالمة من ترحاب ولباقة واحترام للعميل ويخبره عدة جمل محفوظة من المفترض أن تهدأ العميل ولكن على العكس تمامًا تصبح سببًا رئيسيًّا في غضب العميل.

عصام عمر وأحمد كمال

بعض جمل ممثلي خدمة العملاء
-مساء الخير/ صباح الخير.. اسم الشركة.. اسم الموظف
-المشكلة على نفس الرقم أم رقم آخر؟.
– أتشرف باسم حضرتك.
-كيف يمكنني مساعدتك؟
-سيتم حل المشكلة خلال “فترة زمنية معينة”.
-تم تقديم الشكوى.
– شكرًا لاتصالك.. اسم الشركة.

إذا قرأت تلك الجمل بصوت عالٍ قليلًا، ستتيقن أنك تعرضت لهذا الموقف من قبل، وعلى حسب المشكلة ومدة حلها كان لك رد فعل خلال المكالمة سواءً باحترام أو تعبير عن الغضب تجاه الموظف الذي يجتهد في احترامك؛ لأن المكالمات مسجلة في المقام الأول، وأن تلك الوظيفة هي مصدر رزقه في الوقت الحالي، ولكن هل تخيلت للحظة واحدة أن غضبك على واحد من هؤلاء الموظفين قادر على أن يؤرقه ويجعله ناقم لما يقوم به، ويجعل هذا اليوم  أسوأ أيام حياته.

كيف تكسب العميل؟

يعيش موظف خدمة العملاء في حالة روتينية في مكان عمله، حيث تكتظ أجهزة الكمبيوتر على الطاولات من حوله وأمامها الموظفين المرددين للجمل ذاتها في كل مكالمة، وهذا ما حدث بالضبط مع “زين” وحوله إضاءة خافتة وحيدًا امام مكتبه.

ومن جماليات الفيلم هو فكرة عدم التفلسف أو فرض العضلات، فالفيلم يتعلق بحالة الكآبة التي تصاحب وجه موظف خدمة العملاء وردوده المحفوظة على اتصال العميل “أكرم” الذي لا نرى وجهه إلا في الدقائق الأخيرة.

لعب “أحمد كمال” دوره بإتقان، فتنوعت نبرة صوته بين الانفعال والهدوء والكوميديا السوداء التي تصاحبه؛ لسوء شبكة الإنترنت، و “زين” وهو جدار الشركة الأول مكافحا نفسه لامتصاص غضب العميل بهدوء، وأنه تم تقديم الشكوى وسيتم حل المشكلة خلال ساعتين وذلك بنبرة حيادية، فهو لا يمتلك الحل الجذري لحل مشكلة تتكرر يوميًّا وعليه أن ينصت جيدًا للعميل فهذا دوره المحكوم به مهما كانت درجة انفعاله.

السؤال الأهم.. هل تستحق مشكلة انقطاع الإنترنت كل هذا الغضب الذي صبه “أكرم” على “زين”؟ هل فعلًا أصبح الإنترنت كالمأكل والمشرب في حياتنا اليومية ولا نستطع العيش من دونه لمدة ساعتين؟ فمن منا يأكل ويشرب طيلة اليوم؟ ولكن الموضوع أكبر من ذلك.

ببساطة شديدة سلط الفيلم الضوء على قضية العزلة التي يعيشها رجل ستيني في غرفته أمام شاشة جهاز البلايستيشن وأنه فقط يحتاج إلى الخدمة ليكمل لعبته المفضلة وليس كما قال أنه يتعرض للعديد من الأضرار التي تلحق بأشغاله لانقطاع الإنترنت.

ظهرت الصدمة في تقنية الكولاج لوجهي “أكرم” المبتهج بعد أن تم إصلاح الإنترنت، و “زين” المتأثر فور إغلاق الخط، وعكس الكولاج حالة البهجة والحركة المؤقتة لأكرم وحالة الحزن والسكون لزين.

لن تكون الأخيرة!

نجح الفيلم في جعل مخيلة المشاهد تعمل بضراوة تجاه الجمل الخطابية والخطاب المرسل على لسان “أكرم” وجمله المليئة بالوعظ والتوبيخ في آن واحد لزين بضرورة حل المشكلة، ويذكره بوضعه البائس الذي لا يقدر على تحمله أي شاب آخر دون بعض المحفزات كزميلة يحبها، أو صداقات جديدة، أو المرتب، أو الحاجه القاهرة للعمل، وأن تلك ليست المرة الأولى التي يتعرض لها زين لهذا الكم من الغضب ولن تكون الأخيرة، والنقيض تمامًا لجمل “زين” المكررة.

نجح المخرج “كريم شعبان” في تناول بعض القضايا النفسية في حياة الإنسان بحالة درامية مصحوبة بالخيال، وقد شارك الفيلم في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة بالدورة العاشرة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية.


★خريج قسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى