حنين سالمة: الرافعي وإمام يناقشان “تحولات الجنس القصصي” بإدارة الدعاس.
حنين ناصر سالمة ★
ضمن فعاليات جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية في دورتها السادسة، والتي أُقيمت في جامعة (AUM) في الكويت، حملت الجلسة الثالثة عنوان “القصة القصيرة وتحولات الجنس القصصي” التي شارك فيها القاص المغربي أنيس الرافعي، والروائي والقاص المصري طارق إمام، وأدارتها د. سعداء الدعاس، القاصة والروائية، والأستاذ المشارك في قسم النقد والأدب المسرحي.
في تقديمها للرافعي، بدأت الدعاس كلمتها بالإشارة لإخلاصه للقصة القصيرة، والذي بات مثار إعجاب الأوساط السردية، كما عرجت على عناوينه المغايرة والغرائبية أحياناً، والتي تبدو وكأنها خارجة من فيلم لهيتشكوك أو تارانتينو، مؤكدة أن الرافعي لم تخدعه الحياة بألوانها، والوجوه بأقنعتها، فاشتغل على تعرية الدواخل الإنسانية، داعية الحضور للاستماع لورقته التي تعبر عن وعيه النقدي، والتي عنونها بـ “تسعة لوامس مبتورة من جم قنديل البحر”.
وفي قراءته لورقته، أشار الرافعي إلى أن القصة القصيرة جغرافياً ليست آمنة، ذات نشاطات بركانية، حيث يمكن رصد التحولات التي قسمها على الشكل الآتي:
أولاً: على صعيد المعمار:
وأشار في هذا المحور إلى ثلاثة نقاط ألا وهي:
من المجموعة إلى الكتاب: وذلك بالانتقال من محطة المجموعة القصصية إلى مفهوم الكتاب القصصي، فتم بذلك إقصاء تفاوتات الزمن النفسي للتأليف، وتوحيد الموضوعات الكتابية، ووضع التنضيد المسبق للهندسات الشكلية، وبموجبها أصبح القاص مهندساً بيد أنه لا يشبه غالبية المهندسين النظاميين كونه يبدأ البناء من السقف ولا يحتاج إلى جدران.
موسيقى المتوالية: إذ انشغل كتاب القصة على توظيف مصطلحات الحلقة، أو التوليفة أو المجمَع، بشكل لا خطي انسيابي، على أساس أن تكبر تماماً كالموسيقى، فكل حكاية تموت من أجل حياة الحكاية الموالية.
تماهي الهامش والمتن: هما يتبادلان التناوب والترادف، فقد استوعب كتاب هذا الجنس أن للقصة أقداراً درامية، لذلك يأتي الهامش الشارح أو البنائي.
ثانياً: على صعيد الفكر:
كما هو معلوم لكل فكر قصصي أسطورياته المؤثثة، وعلى صعيد الفكر نذكر المكعب الآتي:
من تداخل الأنواع إلى حواريّة الفنون.
فقه الصنعة.
الخريطة الجيو- قصصية.
ثالثاً: على صعيد التخييل:
من المملوء إلى خرجات الفراغ، وأشار إلى ضرورة البحث في الفراغ القصصي وما فيه وما حوله
مطاردة اللامرئي، أي التواصل مع اللامرئي للقبض على الخارق العجيب، مشيراً بمثال إلى بيير سولاج في ما وراء الأسود.
ج.التخيل الذاتي ودراما الأقنعة، بأن القصة والقاص شيزوفرينيان منقسمان بلا جدال.
على الجانب الآخر، وقبل أن يقرأ ورقته، قدمت الدعاس طارق إمام، بوصفه: الكاتب الذي أينما حل تصحبه العواصف، لكنه يواجهها بـ “هدوء القتلة”، وأشارت قائلة: “بالأمس حين التقيت به، اكتشفت أنه يمتلك وسيلة أخرى لمواجهة تلك العواصف، تكمن في ابتسامة الأطفال” مبينة أن إمام حاز على العديد من الجوائز ووصل لقوائم مهمة من بينها جائزة البوكر. مشيرة إلى أن القارئ يعرف طارق إمام كروائي لكنه كتب عدة مجموعات قصصية.
ومن ثم بدأ طارق إمام بقراءة ورقته التي كانت مشغولة بـ “تغييب الهوية”، والتي ركز فيها على انحراف الهوية الأصلية للقصة القصيرة. حيث أشار إلى سؤالين عن الهوية: “أهي هوية مغلقة لم تعد تقبل اقتراحاً جديداً؟! أم أنها لا وجود لها من الأساس؟!”
توقف طارق إمام عند نقاط مهمة وجوهرية، حيث قال ” القصة القصيرة محكية تخيلية تقع في حيز قصير لا تصغ حياة كاملة، بل جزءا متجزأ منها، أي أن الغائب في القصة القصيرة هو أكثر من الحاضر. من جانب آخر، القصة هي عناصر محددة تشكل جذر القصة القصيرة، كلحظة مفعمة بالمعنى… القصة ذاهبة لتلقيح نفسها بعناصر وافدة، بعضها تخييلي والبعض لا، بل أن بعضها يبتعد عن الجذر السردي (أي التحول الشعري). وأشار هنا إلى إشكالية التسمية مبيناً أن القصة خلقت تفريعات تعريفية لها مثل (قصة الومضة، القصة الطويلة، النوفيلا).
أما على مستوى التشكيل، فلم تعد الفكرة “قصص قصيرة” بل أصبحت متتالية، أي وجود الخيط الرابط بين النص والذي يليه.
مشيراً أيضاً أن القصة هي فن استعاري، بخلاف الرواية. كما تناول فكرة النظري والوهمي / ميتاسرد مبيناً أن القصة القصيرة علقت في الشكل البصري
وفي قلب هذه الانزياحات ثمة انزياح عميق، وهو الانزياح عن صورة الفرد الدافع والمحرك لخلق قصة.
ومن ثم ختمت الدعاس بشكر المشاركين في الندوة التي حازت على إعجاب الحضور للعمق الذي تضمنته الأوراق المطروحة.
★خريجة قسم النقد والأدب المسرحي -المعهد العالي للفنون المسرحية -الكويت.