نهلة إيهاب: “يوم عاصم جداً”بانوراما كوميدية هزلية لواقع هزيل.
نهلة إيهاب★
أصبحت صورة المجتمع المصري حاضرة ومسيطرة على كثير من الأعمال الفنية لدى المبدعين، ولعل ذلك ليس اتجاهاً حديثاً، فمنذ أواخر الستينيات، وأوائل السبعينيات، بدأ هذا الاتجاه يتجلَّى بشكل واضح في كثير من الأعمال الفنية، كما دعا إليه بعض رجال المسرح في هذا الوقت، تحت شعار (نحو مسرح عربي) كما نادى بضرورة تناول قضايا تمس واقع الجمهور‘ وعدم استيراد نصوص بقضايا لا تمسهم، وتلك القضايا بالطبع اختلف تناولها بوضعها في قوالب فنية متباينة، تتأرجح بين الكوميدي والتراجيدي والفارس.
ونحن إذ نقف أمام عرض من عروض المسرح الكوميدي ” يوم عاصم جداً ” فكرة وإخراج “عمرو حسان، كتابة و أشعار” أيمن النمر”، حيث تدور أحداث العرض داخل منزل الجدة “سعاد” التي تعيش مع أحفادها ” وائل ورشا ” المولَعَيْن بالسوشيال ميديا، وجميع وسائل التواصل الاجتماعي ؛فالجدة(سعاد) هنا تعتبر حلقة الوصل بين الماضي(الأجداد) والحاضر(الأبناء) فهي تسعي دائماً أن تستحضر الماضي الجميل، من خلال ألبوم صور قديم محاط بالأتربة، وأثناء سردها لتاريخ وذكريات تلك الصور لأحفادها، يحدث العديد من المفارقات الدرامية الكوميدية .
من خلال فانتازيا خروج الجد والجدة (الأكبرَيْن) من الألبوم إلى خشبة المسرح، تتصاعد أحداث المسرحية في إطار كوميدي هزلي ساخر، يطرح إشكالية تغيير صورة وواقع المجتمع المصري، وتطوُّره بشكل جذري، وواضح بصورة هزيلة، لما آل إليه الحال الأخلاقي ،والثقافي، والفني، والمعرفي ، بالتباين الواضح والشاسع، باختلاف الأجيال.
حيث أن التعايش بين تلك الأجيال، لم يكن بشكل صحي، أو سلمي، أو ناضج، فقد اختلطت الأفكار والقيم، لتصبح خليطاً مشوهاً لا يملك معتنقوها حتى الوعي بها.. مما أدى إلى خلق صورة مشوهة للمجتمع اليوم.
فقد نجح المخرج “عمرو حسان” باستخدام أدواته وحسه الفني الإخراجي، مُوَظِّفاً جميع عناصر العرض المسرحي، توظيفاً احترافياً واعياً بقواعد الفن المسرحي، فقد جاء الديكور المسرحي للمصمم (محمد فتحي) سلساً ، سهل الحركة ، بسيطاً ومُعبِّراً، مُستخدِماً عمق المسرح بشكل جيد، بالتضافر مع الموسيقى والأغاني، التي كانت تجمع بين أغاني الزمن الجميل، لأم كلثوم( فات الميعاد، فكروني، بعيد عنك .. ) و أغنية محمد عبد الوهاب (الفن) وذلك بالدمج مع نسيج أحداث المسرحية، في مقابل أغاني الوقت الحاضر المتمثلة في أغاني المهرجانات الصاخبة، ذات الكلمات غير المفهومة؛ بجانب موسيقى وألحان العرض ل”حازم الكفراوي” وهكذا جاءت الإضاءة ل”عز حلمي” وتصميم الملابس ل”مها عبد الرحمن” صارخة الألوان ومبهجة، معبرة عن جوهر العرض المسرحي .
كما استخدم المخرج تقنية ( المسرح داخل مسرح) من خلال عرض مجموعة من الاسكتشات الكوميدية، لبعض مقاطع “التيك توك” وبعض المشاهد السينمائية لمجموعة من الأفلام القديمة”النمر والأنثى، وأغلى من حياتي” بتوظيفٍ وفكرٍ معاصرٍ، يحمل روح الكوميديا ورسالة العمل .
أما بالنسبة للأداء التمثيلي فجاء من خلال كوكبة فنية رائعة من محبي الفن، ودارسيه أيضاً، فجاء أداؤهم مُطَعَّماً باحترافية شديدة، ودراسة مؤكدة للفن المسرحي، فجاء أداء كلٍ من … مصطفى منصور، الذي أبهرنا بأدائه المسرحي الرائع، مبرزاً مهاراته وأدواته التمثيلية وكذلك (هايدي رفعت ، مجدي البحيري ، شريهان الشاذلي ، سلوى عزب ، ياسر الرفاعي ، آية خلف…) وبالاشتراك مع”مازن المونتي ، مريم عبد المطلب، مصطفى شيتوس، أحمد هيثم، محمد بحيري ، ياسمين فوزي، بسملة محمود ، بسنت محمود ”
وهذا أيضاً يحسب للمخرج “عمرو حسان” الذي استطاع أن يثبت نفسه كمخرج صاحب وعي، وحس فني قادر علي أن يحمل اسم عرض كبير، أو ما يسمى بلغة المسرحيين الدارجة عرض “جراند”
وذلك كله من خلال إبداع كوميديا سوداء، تخرج الهموم عبر الضحك على واقع مشوه ومرير، بواسطة الوعي بالمفارقة الدرامية، ومفردات الواقع المُعاش؛ ليدعو لبناء وعي جديد بالواقع المُعاش، وما يتخلله من أحداث في سبيبل إيقاف ما تشوه منها.
★ناقدة-مصر.