عمر توفيق: “أنوف حمراء” دكان الفن القديم.
عمر توفيق ★
يتوقف مدى نجاح اللعبة المسرحية على قوة التأثير المتبادل ما بين العرض المقدم والجمهور المتلقي، فبقدر حجم التأثير بينهما يكون مقدار النجاح والفشل، ومن هنا تأتي إشكالية الأحكام الفنية والنقدية للعروض المسرحية، وتزداد تلك الإشكالية التباسًا مع العروض المسرحية ذات الطابع الخاص لتقديمها، مثل تلك العروض المرتكزة على نتاج ورشة مسرحية، فهنا سنكون أمام عرض مسرحي له أبعاد متغيرة عن تلك العروض المسرحية التقليدية القائمة على نص مسرحي لكاتب، ورؤية إخراجية لهذا النص عن طريق المخرج، وعناصر المسرح المتنوعة عن طريق اختصاصيها.
ويندرج عرض ” أنوف حمراء ” الذي يقدمه مسرح الهناجر تحت مظلة العروض الخاصة القائمة على نتاج ورشة مسرحية يتم التدريب فيها لعدة أشهر ويكون ناتجها عرض مسرحي، وهو الأمر الذي انتهجته إدارة الهناجر في الفترة الأخيرة لعروضها المقدمة، وهو ما يحسب لها، وهو ما يعد امتدادًا للدور الهام الذي يقدمه مسرح الهناجر منذ بداياته في عالم المسرح المصري.
هناك قاعدة هامة جدًا عند التعرض النقدي للعروض الناتجة عن الورش المسرحية وهي ماذا يُقدم؟ وكيف يُقدّم؟ هذه القاعدة لا تنجح الكثير من العروض الناتجة عن ورش مسرحية في تقديمها، ولكننا هنا أمام عرض مسرحي استطاع ببساطة شديدة وعمق مسرحي كبير أن يحقق هذه القاعدة بصورة متميزة، وذلك إرتكازًا على عناصر العمل المسرحي التقليدية من تمثيل وديكور وموسيقي وملابس ومكياج وإضاءة، كل ذلك مرتكزًا على فكرة درامية، أو الأقرب هي تيمة درامية تم صياغتها مسرحيًّا، فنحن أمام التيمة الدرامية المفضلة لعروض الورش المسرحية ألا وهي فريق أو فرقة مسرحية تقوم بعمل بروفات لعرض مسرحي يحلم الجميع بتقديمه للجمهور.
يندمج مع عناصر العمل المسرحي التقليدية للعرض المسرحي العناصر الجديدة التي تنتج عن الورشة نفسها، كالإيقاعات الحركية المتنوعة، والأداء الصوتي والتنغيم “الصولفيج”، كل ذلك منصهر بالطبع داخل الأداء التمثيلي، وهي العناصر التي تؤكد من بداية العرض مدى نجاحه وقوته وهو ما يتأكد لدى المتلقي في كل لحظة حتى نهاية العرض، فماذا عن العرض تفصيلًا ؟
النص المسرحي
يعتمد العرض المسرحي أنوف حمراء على تيمة مسرحية مفضلة لعروض الورش المسرحية وهي الفرقة المسرحية، هذه التيمة تم بناء نص درامي بسيط عليها عن طريق (محمد السعدني ومحمد الصغير) تدور أحداثه ما بين الحياة الشخصية لأفراد الفريق المتنوعة فيما بينهم، وما بين مشاهد العرض المراد تقديمه، وهذه التيمة تعطي الأريحية الدرامية للحذف والإضافة والارتجال المناسب للموقف الدرامي المقدم، ويحسب للنص هنا الارتكاز الدرامي على الواقعية في تقديم شخصيات الفريق، فلم يكن هناك الإفراط في تقديم شخصيات غريبة أو باحثة عن لعنة المسرح الحديثة (الإيفيهات)، فوجدنا شخصيات درامية حقيقية تتواجد دائمًا داخل كل فريق مسرحي، فهناك المتأخر دائمًا عن البروفات، وهناك الحالم بمستقبل فني قادم، وهناك الملتزمون بمواعيد حددها الأهل مسبقًا، وهناك دائمًا وأبدا قصص الحب التي غالبًا لا تكتمل، وبالطبع هناك المثقف والشاعر، وكذلك مدعي الثقافة التمثيلية، وبجوارهم أصحاب الأصوات المميزة واللياقة البدنية.
ويدمج النص هذه الشخصيات في الفرقة مع المشاهد المراد تقديمها في العرض مثل الميكروباص، ومسابقات الأحلام، والتيك توك، والموظف، بالإضافة إلى مشاهد تحمل العنصرين الحقيقي والتمثيلي للفرقة مثل مشاهد الإيقاعات الحركية، والصولفيج الصوتي، وعيد الميلاد، و فرد الأمن.
ويقوم البناء الدرامي للعرض وفقًا للتقليد الأرسطي المعتاد، حيث البداية بالتعريف بالشخصيات، مرورًا بالدمج مابين الحقيقي والتمثيلي، وصولا لذروة الحدث الدرامي بوصول خطاب الحي بهدم المسرح، وصولًا للنهاية بإستمرارية حلم تقديم العرض المسرحي، أو حلم بقاء فن المسرح ذاته.
الإخراج
لدينا (محمد الصغير) مخرج مسرحي له أسلوبه ومنهجه الخاص في التعامل مع العروض المسرحية التي يقدمها، فهو يلتقط اللحظة الدرامية ويبني عليها الصورة المناسبة وفقا لقدرات ممثليه في التعامل مع هذه اللحظة، ويعتمد المخرج على منهجية الممثل الشامل المرتكز على تقديم اللحظة الدرامية بشكل مكثفٍ أشبه بفكرة الديلارتي المسرحية، ويقوم المخرج بتقديم اللحظة الدرامية بما يناسبها من عناصر العرض الملائمة لتلك اللحظة، فنجد الإضاءة هي الأهم في مشهد الموظف الجديد، ومشهد النهاية، بينما الموسيقي والمؤثرات هي الأهم في مشهد التيك توك، بينما الملابس كانت الأهم في مشهد الميكروباص، وهو ما جعل المخرج يقوم بعمل الإضاءة بنفسه بالإضافة لمشاركته في الكتابة المسرحية، وهو ما يحسب له داخل العمل لا عليه وذلك لأن طبيعة تلك العروض القائمة على نتاجات ورشة تدريبية استمرت لعدة أشهر تجعل المخرج هو الوحيد المصاحب للعرض منذ تكوينه الأول كفكرة حتى خروجه أمام الجمهور المتلقي، فالأمر ليس استعراضًا للعضلات فضلًا عن كونه بناء إنساني مسرحي تكون عبر عدة أيام وليالٍ طويلة كان وما زال المخرج هو العنصر الوحيد القادر على فهم وتكوين كل التفاصيل الخاصة بالعرض، وهو ما يجعل العرض شديد التميز إخراجيًّا لأنه أجاد استخدام وتقديم العناصر البشرية خريجة الورشة في أدوار مناسبة تمامًا لهم من حيث أبعاد الدور الثلاث الشهيرة ماديًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا، الأمر الذي يجعلك تشعر بكل لحظة لكل ممثل وممثلة طيلة وقت العرض.
التمثيل
منذ بداية العرض يتضح جليًّا مدى المجهور الكبير الذي مر به ممثلوا العرض من تدريبات بدنية وتمثيلية، وتميزهم في تقديم الإيقاعات الحركية والإستعراضات، والتنغيم الصوتي، فضلًا عن مقدرتهم التمثيلية المؤكدة من خلال أدوارهم المتنوعة داخل العرض المسرحي وتذكروا جيدًا هذه الأسماء لأنهم قادمون وبقوة في عالم المسرح ( محمد السعدني – علي عبدالناصر – محمد أسامة – نور شادي – ندى محمد – هاني عاطف – باسم إمام – ماري جرجس – فادي رأفت – علي حميدة – عبدالرحمن بودا – سارة خزبك – طارق الشرقاوي – هالة محمد ) أجادوا بشكلٍ مبهرٍ أدوارهم وقدموها بكل تفصيلاتها المتنوعة، وهو ما يؤكد موهبتهم والجهد المبذول معهم للخروج بهذا الشكل.
– أجاد (هاني حسن) في تصميم الاستعراضات والإيقاعات الحركية بما يتناسب مع طبيعة العرض، وهو ما يؤكد قدرته الكبيرة في تقديم ما يتناسب مع الممثلين بتكويناتهم الجسدية المتنوعة، كما أجاد (محمد مصطفى) في الإعداد الموسيقي للحظات العرض المختلفة بما يميز كل لحظة عن الأخرى بما يناسبها من موسيقى أو أغنية مختلفة.
العرض المسرحي أنوف حمراء تجربة مسرحية لا بد أن تقوم بجولة فنية في كل محافظات مصر وتعرض على كل مسارح الثقافة الجماهيرية، لأن هذا العرض سيقوم بتغير مفاهيم كثيرة عن عالم المسرح التقليدي، وسيساهم في تغير تفكير الكثير من محبي وعشاق فن المسرح؛ وذلك لأنه يعتمد بشكل أساسي ورئيسي على فكرة الفن نفسها، تلك الفكرة التي تناست بفعل فاعل ووضعت داخل إطار دكان الفن القديم.
★كاتب وناقد-مصر.