مشاركات شبابيةموسيقي

شهد إبراهيم: “حميد الشاعري” موهبة موسيقية سابقة لعصرها، أم مجرد ظاهرة؟!

شهد إبراهيم ★
رجعني لعمر فات وراح، نسيني الحزن والجراح، وسنين التوهة والعذاب”
جالسة في سيارتي، مغمضة العينيين عن العالم الخارجي، وفجأة انتابني شعور غريب، كانت هناك أغنية في الراديو، وكأنها تحمل في مقاماتها، وكلماتها قوة سحرية للسفر عبر الزمن، أعادتني أغنية حميد الشاعري صاحب النقلة النوعية الثالثة في الموسيقى للوراء،  بعد أن كانت الأولى على يد الراحل (سيد درويش)، والثانية على يد (بليغ حمدي).
ورغم كثرة أحاديث السوشيال ميديا، وهوسها بفترة الثمانينيات والتسعينيات، وانتشار مقاطع لحميد الشاعري من حين لآخر كتريند، فإننا لم نستثمر فرصة واحدة، لإعادة النظر في مسيرته بنقد موضوعي، يتيح للمستمع معرفة من هو حميد الشاعري؟ وما الإضافة التي أضافها للموسيقى العربية؟
رائد موسيقى الجيل:
حميد الشاعري، الذي استطاع أن يُقدِّم مسيرة فنية رائعة، من خلال صوته المميز، لم يكتف بذلك؛ بل دخل الساحة الفنية أيضاً كملحن وموزع، قام بجمع أصعب المقامات الشرقية، كالصبا، والرصد، والحجاز، وقدَّمها بشكل وأسلوب جديد، مستعيناً فيه بآلات غربية، رغم أن تلك المقامات من الصعب أن تُلعب إلا بآلات شرقية.
ساهم الشاعري أيضاً في صناعة النجوم، ليصبحوا الآن جميعاً على قمة الساحة الفنية، وكأنه يمتلك عصاً سحرية.

النجاح الساحق:
بعد نجاح أغنية (لولاكي)، التي كانت محل جدل، ما بين المرحبين بالظاهرة الجديدة ، والمنتقدين لها؛ بل والمترحمين على زمن الغناء الجميل، وكان سبب نجاح تلك الأغنية، لون الفن الجديد، الذي قدَّمه الشاعري المختلف، حيث الموسيقى القريبة من الجمهور، وأصبح هذا الشكل الإيقاعي الراقص، هو ما يحقق نجاحاً جماهيرياً، وبذلك فإنه قام بنقلة فنية قريبة من قلوبنا.
ليصبح بعد ذلك توزيع أغنياته عبارة عن إيقاع مقسوم سريع مع تصفيق، و كوردين، أو ثلاثة بالعدد من الإلكتريك جيتار، وقام على هذا النهج في ما يقارب الـ 100 أغنية، مما جعله يترك بصمته على كل صوت، ويُلَقَّب برائد موسيقى الجيل،والموهبة الموسيقية السابقة لعصرها، كما أثَّر هذا في موسيقى العالم بأكمله ـ وليس الوطن العربي فقط ـ هذا ما يُعرف “بالملفوف” وهو أنه يمكن بلحنٍ واحدٍ فقط، يقوم بعمل إيقاعين مختلفيين بتوزيعه له.

حميد والتوزيع الموسيقي:
على الرغم من أنه لم يكن للتوزيع الموسيقي في مصر نصيب من الشهرة، ولكن الشاعري عرَّف الجمهور، والشارع بأهمية الموزع في الأغنية، وقدَّم توزيعات جديدة، حيث أدخل في توزيعاته، أساليب جديدة جعلته مختلفاً، فقد جمع بين الجيتار الإسباني، والناي الشرقي كما في أغنية (داني) لإيهاب توفيق، بالإضافة إلى أنه بدأ الاغنية بآلة غربية، وهي (الساكسفون)، ليس هذا فقط؛ بل إنه قام بالتطوير على المقسوم، وأدخل إليه بعض الحليات، التي تجعله قريباً إلى شكل الموسيقى الغربية، وظهر ذلك أيضاً في أغنية (حبيبي يا نور العين)، لعمرو دياب، التي قام بتوزيعها حميد الشاعري، حيث كانت الموسيقى بإيقاعات فنون (الجيبسي)، التي تعتمد على لون موسيقى (الفلامنكو)، المعروف لدى غجر إسبانيا، ولكن فيه نفحة فنية من موسيقى الجنوب الأندلسي، ووضع بداية الأغنية بإيقاع (الغيطة)، الذي يتميز بسرعة الإيقاع، وتلك الموسيقى، تعتبرأهم أعمدة احتفالات الأعراس في ليبيا، وأضاف عليه آلة الأكورديون، والجيتار الإسباني، كما قدَّم الشاعري الشكل الشعبي أيضاً ، من خلال حنجرة حكيم بعد أن أكتشفه، وقدَّم معه أول ألبوماته (نظرة)، وعندما قام بتوزيع أغنية (عودوني) لعمرو دياب، اِستخدم أغلب الأشكال الموسيقية، من مقسوم تركي في صولو القانون، والرتم الخليجي في الدفوف، والكمنجات، لتقدَّم شكل الموسيقى الكلاسيكية، كل ذلك في أغنية واحدة.

الحلم العربي:
قام الشاعري بتوزيع (أوبريت الحلم العربي) بموسيقى هادئة وتوزيع مُتقن، وقد انتشر هذا الأوبريت في جميع الفضائيات، بعد تدنيس وزير الدفاع الإسرائيلي (شارون) وقتها، لساحة المسجد الأقصى.
من ذلك التاريخ وحتي اليوم، نتأثر بهذا التوزيع عند سماع هذا الأوبريت، كما لو أننا نسمعه للمرة الأولى.
ثورة فنية:
عندما تم إيقاف الشاعري، وصدور قرار بإيقاف من يتعامل معه، قام حميد الشاعري بتلحين أغانٍ وتوزيعها، ووضع عليها مضطراً أسماء أشخاص آخرين، لشدة حبه للموسيقى والفن.
وقد تم توجيه العديد من الِاتهامات لحميد الشاعري، منها أنه قام بإفساد الذوق العام، وتعدَّى على التراث، ولكن الناقد المنصف، يرى أن التجديد الذي قام به الشاعري، أمر لا بد منه، ويجب على الفنان أن يكون سابق عصره، و مختلفاً؛ لأن التاريخ دائماً لا يذكر إلا المختلف.
ورغم أن البعض وصف حميد الشاعري، بأنه موسيقي غير أكاديمي (غير دارس للموسيقى )، لكننا نرى أنه فنان موهوب، يتمتع بفطرة موسيقية رائعة، جعلته يتفوق على كثير من الأشخاص، الذين درسوا الموسيقى أكاديمياً .
ما تناولناه هنا في مقالنا هذا، فقط الأعمال التي قام فيها بإدخال نوع جديد وموسيقى جديدة، دون أن نتطرَّق لما قام به من توزيع للعديد من الأغاني.
ودعونا نَقُلْ بحق: إنه لو لم يكن هناك حميد الشاعري، لما كان هناك كل ذلك التطور الموسيقي في مصر، والوطن العربي، ورغم كل الِانتقادات التي وُجِّهت له، إلا أن أغلبنا لاينكر في النهاية، أننا أمام تجربة موسيقية عظيمة، وثرية، ومتنوعة… صنعت “الكابو” حميد الشاعري، رائد الأغنية الشبابية، وموسيقي الجيل، والموهبة الموسيقية السابقة لعصرها.

جدول معظم توزيعات حميد الشاعري:
أغاني ستتفاجأ أنها من توزيع حميد الشاعري.

كما قام بتوزيع أيضًا عدة أغنيات منها:


★طالبة بقسم الدراما والنقد المسرحي -جامعة عين شمس -مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى