سارة عمرو★
الأفلام ستجعلك مشهوراً، أجل، التلفاز يجعلك غنياً؟ رُبما، لكن الأكيد هو أن المسرح سيجعلك مثقفاً…
يُعد المسرح نواة لطريقة جديدة ماتعة، ومختلفة للتواصل مع المتلقي، منذ بدايته في العصر الإغريقي…فعلى عكس وجهات النظر الشائعة، لا يُعد المسرح بوابة للتسلية فقط…بل هو ــ بجانب أنه أحد أبرز، وأهم الأعمدة في الفن، فهو أيضاً ــ بوابة للتأثير، وتغيير مفاهيم وأفكار الجمهور، من خلال ليس الأسلوب فقط، بل مجموعة من العناصر، التي تمتزج كسيل واحد مليء بالأضواء، والمؤثرات، والحركة والأداء، والديكور المختلف، فتتكون لوحة مُتكاملة العناصر، تُعرض بشكل حي أمام عينيك بعيداً عن أضواء الشاشة، وكأنها رسمة متحركة من جمالها لا تصدق وجودها.
تمتزج الحياة من النواحي المختلفة في مجالات عدة، كالمجال الِاجتماعي، والتاريخي، والسياسي، والاقتصادي، والديني.. الخ…وهناك جانب مهم يستدعي التأمل بجانب تلك الجوانب، يدعم حياة الإنسان في مشقتها…وهو الجانب الترفيهي…بغض النظر عن الفروع المختلفة، لذلك فالإنسان يحتاج لما يُرفه عنه في ظل أعباء الحياة…لا يسعنا أن نقول إن الفن بشكل عام يندرج تحت هذا المسمى فقط…بل يندرج أيضاً تحت مسمى التعليم والتثقيف…فالفن بمختلف أنواعه هو الشيء الوحيد، الذي يجمع بين التعليم والمُتعة…ونظراً لأهمية هذا اليوم، فسأختص بالحديث عما يُلقب بأبي الفنون…ألا وهو المسرح…
يُنظر للمسرح بنظرتين…الأولى أنه مجرد عروض، وأداء لممثلين يتحركون على الخشبة، لساعة أو أكثر، كما يرى المتشددون أنه شيء مُحرم يشوه عقول الناس…والنظرة الأُخرى أنه بوابة لتغيير أفق الجمهور من خلال قدرته على التأثير والإقناع، لعرض قضايا بصورة حية تخطف انتباهك لما هو واقع حولك…نظرة تتجسد فيها قيمة المسرح الحقيقية….ومعانيه الجميلة، التي يصعب على السطحي أن يدركها لشموليتها وعمقها…وبناء على ذلك، فللمسرح فضل كبير في خلق مفاهيم مختلفة، وتصحيح أُخرى لمعلومات كانت مغلوطة عند البعض….كما أن له فضلاً كبيراً في إحداث تغييرات عدة على المستوى الِاجتماعي، والسياسي عالمياً…من خلال العروض والنصوص المختلفة، التي تُقدم دوماً برسائل خفية، وليس عبثاً…وبمناسبة اليوم العالمي للمسرح…إليكم بعض النصوص المسرحية التي كان لها تأثير كبير ليس فقط في ذهن الإنسان، بل على واقعه أيضاً.
- (موت فوضوي صدفة): يخدعنا الموت أم نجابهه؟
(موت فوضوي صدفة) هي إحدى روائع المبدع داريو فو، ولد عام ١٩٢٦م، وهو أديب، ومسرحي إيطالي له العديد من المؤلفات والعروض، التي كان لها صدى كبير لدى الجمهور، وقد شغلت معظم مسرحياته الرأي العام، كونه سياسياً سعى لدمج المسرح بالسياسة، بهدف تنوير عقول الشعب تجاه ما يُحيطهم، مستعيناً بذلك على أسلوب المسرح غير التجاري، والخارج عن إطار الرأسمالية…ومن أشهر مسرحياته (موت فوضوي صدفة) وهي تندرج تحت الكوميديا السوداء، تنقل حادثة حقيقية حدثت في إيطاليا عام ١٩٦٩م، وهي انفجار البنك الزراعي في ميلانو، نتج عن ذلك بجانب الضحايا ضحيتان زائدتان، تم القبض عليهما للِاشتباه فيهما…يحدث موقف مُفاجئ، وينتحر أحد المشتبه فيهما !…تجاوب المسرحية بشكل كوميدي عبثي عن سؤال واحد (كيف للموت أن يكون فوضوياً، وصدفة في نفس الوقت؟)
- (ليلةالقتلة): قسوة الآباء قد تدفع للجريمة ولكن هل سيعلم أحد؟
هي مسرحية من تأليف خوسيه تريانا، كوبي الجنسية، ولد عام ١٩٣١م، وهو كاتب وأديب مسرحي…قام بكتابة مسرحية (ليلة القتلة) متأثراً بالثورة الكوبية، وجسدها في هيئة ثلاثة أطفال، يثورون على أهلهم مُخططين لقتلهم من خلال لُعبة!
- (بيت الدمية): إلى أين تسير (الهاء)
مسرحية من تأليف هنريك ابسن، ولد عام ١٨٢٨م، من أكثر الكتاب والمؤلفين المسرحيين عبقرية، لما تحمله كتاباته من عمق وشمولية، نابعة من رؤيته بشكل متناسق…كتب ابسن مسرحية (بيت الدمية) لتكون كاللوحة، تتعرى فيها كينونة المرأة في المجتمع الذكوري بشكل عام….فالمسرحية تسعى لعرض نموذج للمرأة الخاضعة كالدمية عنوة في تلك المجتمعات، مروراً بتحررها من خلال تمردها عن طريق قصة بسيطة محاكاة بشكل سلس.
- (العميان): لا نرى لكننا نُبصر
لموريس مترلينك ولد عام ١٨٦٢م، وهو كاتب وشاعر بلجيكي، حاصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1911م…امتاز مسرحه بالخيال بشكل خرافي، يحث المتلقي على الِاستعانة بخياله من أجل التفكير، والتأمل في ما يعرضه، ويناقشه من قضايا تلمس الروح قبل الجسد، وظهر ذلك من خلال مسرحياته العديدة، التي حرص فيها على غياب التواصل بين الممثلين، لإيصال المعنى دون الكلام، من أجل إحساس المتلقي به بشكل أعمق و أشمل…ومن أشهر مسرحياته (العميان)…وهي تعرض قصة تتصاعد فيها الأحداث بسبب التوتر، الذي تحدثه الشخصيات، وقد تمثلت في انتظار اثني عشر رجلاً، وامرأة من العميان، وطفل رضيع للكاهن، الذي سيُخلصهم من حالة الخوف والضياع، ليذهب بهم لمكان آمن قبل غروب الشمس…فيُصبح المتلقي من خلال رؤيته لمُعاناتهم الداخلية قبل الخارجية، مبصراً لما في نفوسهم، ولرسالة المسرحية بشكل عام.
ختاماً.. يرغب المُتيمون بالمسرح دوماً مع كل نهاية عرض مسرحي، أو مع آخر حرف في أحد النصوص، أن يُعربوا عن مدى امتنانهم، لمعرفتهم بثقافة المسرح، ولكونهم جزءاً من هذا الصرح الكبير، حتى لو بصفتهم متلقين …فالمسرح ليس ترفيهاً فقط، بل هو حياة كاملة، نتعلم منها وتؤثر فينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
★ كاتبة ــ مصــر