مسرح

سارة سراج الدين: (هاملتهن) ولعبة هاملت

سارة سراج الدين ★

لنتفق أن المرأة عند شكسبير، تلعب دوراً مهماً في معظم الأحداث، والتي دوماً ما تتجه إلى نهايات مأساوية، فهي عنده تشكل إما امرأة قوية وذكية، تستطيع رسم الشخصيات الأخرى بشكل مبسط وخفيف، أوأنها ضعيفة منساقة للشخصيات الأخرى التي تحركها، ومع هاتين الشخصيتين نجد أن شكسبير يصيغ نصوصه بأحداثها، وشخصياتها، ونهاياتها التراجيدية، داخل عيون المرأة ..
عيون امرأته الشكسبيرية ..
في عرض ( هاملتهن) نحن بصدد ديودراما نسائية لانثيين وحيدتين في النص، وهما (غيرترود وأوفيليا) حيث قام العرض بإيجاز شخصيات النص الأساسي لهاملت إلى سيدتين، كعنصر أساسي وحيد محرك للأحداث، على عكس النص الأصلي، الذي ظهرت فيه الشخصية النسائية كدور ثانٍ، وبالتالي فقد تصدرتا المشهد، والحدث الدرامي، وقامتا بسرد الأحداث من رؤيتهما لكل شخصية من خلال تبادل الأدوار، حيث جسدت كلٌ منهما أدوار باقي شخصيات النص، كهاملت، وكلاوديوس، ولرتيس، وبولونيوس، وشبح الملك.


وقد جاء هذا العرض برؤية مغايرة تماماً للنمط السائد، الذي تبناه أغلب المخرجين، حيث يلجأ العديد منهم، لتقديم صورة هاملت بالصورة الكلاسيكية المتعارف عليها، والتي يتبناها هاملت من وجه نظره بالنص، مع إضافة بعض الأحداث والمشاهد، التي تساهم في تكثيف الحوار من جهة أخرى ..
وكما نعلم فإن نساء هاملت، هن المحرك القوي للأحداث، حيث جسدت كلٌ منهما أدوارهما بالإضافة إلى الأدوار الدرامية الأخرى، التي يستحضرنها على خشبة المسرح، بواسطة شارات يتم استخدامها حسب الدور المطلوب، وقد نجحتا به بحرفية تامة، حيث جسدت واحدة، المرأة القوية التي تدافع عن ذاتها، والأخرى جسدت تلك الضعيفة، التي تم خداعها من حبيبها، ومن خلال التنقل بين الشخصيات بمرونة ويسر، بين طبقات الصوت المختلفة، والأداء الحركي والجسدي، الذي يتفق مع الحوار الدرامي، وبذلك فقد تمكن العرض من خلق دراما ناضجة فكرياً وفنياً وإبداعياً، ظهر من خلالها نص هاملت في عرض جديد، وفي ثوب جديد له .
لقد وظفت المخرجة سينوغرافيا العرض، لتتفق مع الحالة التي تدور بها الأحداث، حيث كان اختيار اللون الأسود موفقاً تماماً، لما نحن أمامه من أحداث حزينة مأساوية، ولهذا اللون القدرة على خلق معادل بصري للفعل الدرامي لرمزيته، التي تقود إلى الحزن والموت والانكسار والحداد، كما ساهم في التعبير عن الحالة النفسية، والمشاعر الدفينة للأشخاص.


وقد وجدنا فضاءً مسرحياً شبه خالٍ ومجرد، سوى من كرسي صغير، وصندوق على خشبة المسرح، التي دُعِّمَت بالستائر السوداء، التي من دورها أيضاً، تقليص مساحة المسرح، وهو ما جعل الممثلتين تتمكنان من استغلال مساحة الخشبة بحرفية تامة، الأمر الذي خلق انعكاساً لحالة الخواء واللازمان واللامكان، الذي تدور فيه الأحداث ..
وقد بينت اللعبة الدرامية، الصراع القائم بين غيرترود وأوفيليا عن طريق الأداء الحركى، وباستخدام أسلوب الفلاش باك، اِستطاعت كلٌ منهما التنقل بين الشخصيات الأخرىن بسلاسة مبهرة عن طريق استخدام بعض الشارات (قطع ملابس _ اكسسوار) كرموز للشخصيات المختلفة، مما جعل تجسيد الشخصيات للأحداث متواصلاً ، ومحتفظاً بأسلوب كلٍ شخصيات العرض، حيث خلق العرض حالة من الترقب والتركيز، فقد ظل المشاهد منشغلاً بكيفية تجسيدهن لشخصياتهن، وباقي الشخصيات، مع الاحتفاظ بالحوار الدرامي للنص.
التكثيف الدرامي في الحوار المسرحي، كان من أهم الميزات دون الإخلال بدراما النص، هذا بالإضافة إلى أننا أمام ممثلتين محترفتين، لهما قدرة هائلة في التحكم بالشخصيات التي تم سردها، وقدرة هائلة بالوعي بتفاصيل الشخصيات وأبعادها النفسية، مما جعلهما ذواتا قدرات تمثيلية رائعة أيضاً، وإجادة بالأداء الحركين والتحكم بإنفعالات الوجه ، والتعبيرات الجسدية، وقدرتهن الهائلة في التنقل بين طبقات الصوت المختلفة، لكل شخصية بإتقانٍ تام ..


كما تم اختيار عنصر البساطة في الديكور، واستخدام أقل وأبسط الأدوات، كالكرسي والصندوق والستارة، حيث كان لهذه الثلاثة رمزٌ وتعريفٌ ودلالة، في تقنية الموتيفا المسرحية، ودور مهم في إثراء العمل الدرامي، كما تم الاعتماد على الموسيقى الحية، بظهور عزف آلة الكمان بأسلوب خفيف من وراء الستار، والتي تعتبر من أكثر الآلات الوترية، التي تصدر صوتاً هادئاً يمس القلب، ويحث على الشجن، ومناسبتها للحالة، والأحداث الدرامية.
كما ساعد توزيع الإضاءة على الشخصيات بواسطة الكشافات، والتي كان لها دورٌ كبيرٌ في التأثير على الشخصيات، بتقنية عالية، وحرفية جيدة، حيث ساهم اللون الأصفر الخافت، وإسقاطه بشكل مباشر على الشخصية، وبتوقيت محدد أثناء العزف، في خلق جو درامي بحت ملائم، لطبيعة المشهد الذي نحن بصدده، حيث يغلب عليه الحزن والأسى، ولاننسى براعة استخدام ملابس العرض التي تم تنفيذها، لتناسب طبيعة الفعل الدرامي، حيث مثَّل اللون الأسود، الصورة السائدة للعمل المسرحي المأساوي ..


وبالنهاية نجد أن بداية نص هاملتهن، هي نهاية نص هاملت، حيث أنهى شكسبير حياتهن، كما حدثت الأحداث بالفعل، ولاقت جميع الشخصيات مصائرهن، حيث لعب هذا العرض على الجانب النفسي للشخصية، ليبين لنا أثر ما مرَّت به كلٌ منهما، من خدع ومؤامرات أودت بالنهاية بحياتهما، وبنهاية دائرية نرى أن العرض ينتهي حيث بدأ، فلم يتغير شيء في الأحداث، ولكن تغير الكثير داخلهن.

مخرجة العرض د. سعداء الدعاس ومدير مركز الابداع الاستاذ خالد جلال.
هاملتهن
كتابة وسينوغرافيا وإخراج: سعداء الدعاس
مساعد مخرج : شيماء عبدالقادر
تمثيل: نورا عصمت عن دور غيرترود
أميرة عبد الرحمن عن دور أوفيليا
موسيقى: نجلاء يونس
تنفيذ ملابس: مروة عودة
إنتاج: مركز الإبداع الفني. إشراف خالد جلال.
دار الأوبرا المصرية.

★ ناقدة_ مصر. 

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى