مسرحمشاركات شبابية

منى علي: (صادق النمك) موضوعات جادة بأسلوب ساخر

منى علي*

في إطار الدورة الثلاثين من فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، قدَّمت فرقة مسرح كيف، العرض السعودي “صادق النمك” داخل إحدى قاعات مسرح الطليعة، جاء العرض في إطار من الكوميديا الارتجالية التفاعلية مع الجمهور، وحمل عنوان المسرحية، مفارقة دلالية، فالنمك كلمة باللهجة السعودية تعني الكذب والخداع، فيأتي العرض تحت اسم صادق النمك، أو صادق الكذاب، وهو الوصف الذي يتماشى مع شخصية الضيف صادق النمك (محمد بحر)، حيث تدور أحداث المسرحية، داخل إستديو إذاعي، مَثَّله ديكور بسيط من كرسيين ومنضدة، يتوسطها ميكرفون داخل قاعة سوداء، وإضاءة صفراء باهتة، ويقوم المذيع عارف يدري (رامي الأحمدي) بمحاورة الضيف، الذي يتضح أثناء الحوار أنه يقوم بدفع الأموال للمذيع، كي يُثني عليه بصفات ليست فيه، ويجاريه بالتصديق على الحكايات المُخْتَلَقَة التي يرويها، فالضيف هنا يمثل الظاهرة الحديثة نسبياً، للأشخاص المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، الذين يقدَّمون محتوى فارغاً من المضمون، وهم أشخاص في الغالب ذوو ثقافة ضحلة، يمارسون التضليل،

كي يصبحوا مؤثرين، يتابعهم أعداد كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ثم يظهرون على الشاشات، وتكشف المسرحية كيفية قيام هؤلاء المؤثرين، بعمل حملات إعلانية مدفوعة، لاستقطاب معجبين، ويصل الأمر إلى حد تزوير شهادات وتزييف صور، واختلاق حكايات وهمية، وشراء مساحات في الإعلام للظهورعلى الشاشات، أو عبر الإذاعة، وإلى جانب تلك القضية، ناقش العرض قضايا كبرى أخرى، مثل احتلال الدول الكبرى للدول الأضعف، واستغلال ثرواتها، والعمل على إفقار شعوبها، وثقافة الاستهلاك، واستعباد الرأسمالية للعمال، وقتل هواياتهم، وجعلهم مجرد أجساد بلا أرواح، تدور في تروس ماكيناتها، وعدم وجود مساواة بين الأغنياء والفقراء، في الحصول على نفس الفرص في التعليم والعمل، والهيمنة من قبل طبقات معينة على الثروات، والتحكم في مصائر البشر الآخرين، وتم الإسقاط على واقع عالمنا العربي، ومزجت المسرحية بين السخرية السوداء من الأوضاع الاجتماعية، والسياسية، والهموم والقضايا الجادة، التي تمس صحة وحياة المواطن، في المنطقة العربية، وبين الكوميديا لايت، لسرد واقع منفصل، يظهر على الشاشات، يزخر بموضوعات شديدة السذاجة، يستحوذ عليه مجموعة من فارغي العقول غير الأسوياء، الذين يسعون خلف الشهرة بأي ثمن، ويملؤون ذلك الفضاء بخرافات لا يقبلها المنطق، ولكنها تثير البلبلة، من أجل الحصول على متابعات، وتنتهي أحداث المسرحية بإطلاق صادق النمك، الرصاص على رأسه، لينهي حياته، وكأنه يصور معاناة الإنسان في العصر الحديث، من فقدان لمعنى الحياة وسط هذا الكم من التضليل والتزييف، الذي يعيش فيه والأسى، الذي يحياه من كثرة اللهث، وراء خلق تصورات كاذبة حول نفسه، ومن يكون، فقط ليحصد شهرة ومتابعين، وحدوث تباين على مستوى الواقع الفعلي من تردٍ للأوضاع، وتسارع وتيرة وقوع حروب ومآسٍ، وكل تلك التناقضات، التي تضغط على الإنسان، و تجعله يرى في استمرار، دائرة الحياة بهذا الشكل نوعاً من أنواع العبث.


تميَّز كلٌ من رامي الأحمدي ومحمد بحر في الأداء، حيث يمتلك الثنائي، الحضور وخفة الروح، وسرعة البديهة، التي مَكَّنتهم من الارتجال اللحظي، والتفاعل مع مداخلات الحضور، كما يحدث في البرامج الإذاعية بشكل فعلي، من استقبال مداخلات من الجمهور على الهواء، فكان الحضور يتداخل من خلال طرح الأسئلة، ويقوم الفنانان بالإجابة بشكل لحظي وفكاهي، ونجح الممثلان في كل مرة، بإغراق الحاضرين في موجات من الضحك عبر إجابات مبتكرة وبديعة، والخلط بمهارة ما بين استخدام الفصحى، واللهجة السعودية والمصرية.
كما أظهر العرض، قدرات الفنان محمد بحر، الصوتية في أداء جمل غنائية طربية.
والمسرحية هى دراماتوج لرواية أبو شلاخ البرمائي للدكتور غازي القصيبي، أعدَّها للعرض المسرحي، المخرج ياسر مدخلي، والذي نجح في إعداد الممثلين بشكل جيد، لهذا القالب المسرحي من الكوميديا الارتجالية التفاعلية، وكذلك في صنع تكنيك مُحَفِّز للجمهورعلى المشاركة، والتفاعل مع العرض، وكما يذكر المخرج “أن الجمهور أصبح مهووساً بالتفاعل، متأثراً بتطبيقات التواصل الحديثة، ولذلك كان تساؤل التجربة، كيف ومتى سيتفاعل الجمهور؟”
وقد نجح صُنَّاع العمل في وضع المتلقي في قلب الحدث المسرحي، وجعله جزءاً من المسرحية، وليس متلقٍ سلبياً، لمضمون جاهز، يقدم له كما هو الحال في المسرح التقليدي، وقدَّموا تجربة تقوم على التفاعل والمشاركة الآنية، ما بين المُمَثِلَيْن والمتلقين، ونجحت المؤثرات الصوتية في العرض في عمل إيهام للمتلقين بحالة إذاعية من خلال الفواصل الموسيقية، أو الإخبارية، ولم يتم التجهيز الجيد للقاعة، التي عرضت بها المسرحية، حيث جلس الممثلان في نفس مستوى جلوس المشاهدين، وهو الأمر، الذي أعاق الصفوف الخلفية من رؤية المُمَثِلَيْن، وكان ينبغي وضع المُمَثِلَيْن في مستوى أعلى قليلاً، ليتمكن جميع الحاضرين من متابعة تعبيرات، وانفعالات المُمَثِلَيْن بشكل أفضل

عرض (صادق النمك) المأخوذ عن رواية أبو شلاخ البرمائي للدكتور غازي القصبي، تقدمه فرقة جمعية مسرح كيف التعاونية: دراماتورج وإخراج ياسر مدخلي، تمثيل محمد بحر ورامي الأحمدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

★ناقدة – مصرية

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى