إذاعة وتليفزيون

شيماء مصطفى: كيف اقتحمت الدراما التركية بيوتنا؟

 شيماء مصطفى★

اِسأل طفلةً صغيرةً، أو حتى فتاة ناضجة، أي البلاد تودين زيارتها، ستقول بلا تردد:” تركيا بالتأكيد”، اِسأل شاباً في بدايته، أي الدول التي تقدم منحاً دراسية ممولة بالكامل، سيكون من بين إجاباته المتعددة تركيا.

وإذا سألت أحدهم: لماذا قمت بتسمية ابنك باسم سليم؟، سيجيبك بفخر: تيمناً باسم السلطان العثماني “سليم الأول”، وإذا ذهبت إلى عروس، لتهنئتها على زواجها، ربما تحكي لك عن قطعة، أو قطعتين، أو أكثر في مطبخها، أو حتى في دولابها، صناعة تركية.

في الفترة ما بين (2007-2023 ) تابعت ما يقرب من خمسة عشر مسلسلاً من الأعمال التركية، مسلسل (نور) للممثلة سونغول أودان والممثل كيفانتش تاتليتوغ، ومسلسل (عاصي) لتوبا بويوكستون ومراد يلدريم، ومسلسل (حريم السلطان) لخالد أرغنتش ،ومسلسل (أطرق بابي) لهاندا آرتيشيل وكرم بورسين، وغيرها من المسلسلات، التي تنوعت جميعها، ما بين الرومانسي، والدرامي، والميلودرامي، والملحمي. فماذا فعلت الدراما التركية بالمشاهد، وعلى ماذا ركزّت، وكيف استطاعت أن تقتحم بيوتنا؟

المرشد السياحي

 إذا كان البطل يعيش في إسطنبول مثلاً تجده يذهب لزيارة عائلته في ماردين، أو يذهب في سياحة داخلية إلى أنطاليا، يقضي أوقاتاً سعيدة، رفقة حبيبته في سبانچا، فالبطل هنا يقوم بطريقة غير مباشرة بدور المرشد السياحي، ولا ينتهي العمل إلا وتجد نفسك تعرف أكثر من مدينة تركية بمعالمها، فلا يدور العمل في أنقرة، أو إسطنبول وحسب.

يتفنن صنّاع المسلسل في الترويج لمدنهم شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، دون أن تشعر بذلك، تكتشف أنك بعد مشاهدة مسلسلين، أو أكثر، أنك تعرف الكثير عن أضنة، وإزمير وأنطاكية، وغيرسون…….

تأكيد على الهوية

عند مشاهدتك لعمل درامي تركي أياً كان نوعه، ستجد العلم التركي أمامك معلقاً على منزل البطل، أو ستجده معلقاً في زينة الشوارع، أو بالقرب من جسر البوسفور، أو في حفل عيد ميلاد، أو في حفل زواج، لا يتحدثون عن العلم ولا الوطن، ولكن الصورة تتحدث عن نفسها.

الترويج للبيئة النظيفة

معظم الأعمال التركية بطريقة غير مباشرة تلعب على تيمة المكان البطل، فلا تجد التركيز مُنْصَبَّاً على الممثل وحسب، فالتفاصيل المكانية، تلعب دوراً رائعاً في العمل، فتجد كل بيت سواء في حارة، أو في مدينة، أو مرفقاً بحديقة، سواء كانت كبيرة أو صغيرة لا يهم، المهم أن للمساحات الخضراء مساحة في العمل، وإن لم تكن حديقة، فأصائص زرع، أو شجرة.

وإن كان البطل فقيراً، يعيش في حارة نائية، فإن فقره لا يمنعه هو وأسرته من ارتداء الملابس البسيطة النظيفة، فلا تجد في العمل بطلة فقيرة بمساحيق وبوتكس وفينير، فالنظافة للجميع غني وفقير

نشر اللغة Evet başardılar

 نجح صُنَّاع الدراما التركية في نشر لغتهم، وثقافتهم في الوسط المحيط، فأصبحت أقسام اللغة التركية في كليات الألسن والآداب، تحظى بعدد كبير من الطلاب الراغبين في تعلم اللغة التركية.

أصبحتَ تعتاد كثرة الطائرات السياحية المتوجهة إلى تركيا، وأصبحتْ أذنك تألف بعض الكلمات Günaydınصباح الخير، أحبك seni seviyorum، teşekkür ederim شكراً، حتى أن الشاعر أيمن بهجت قمر كتب أغنية معظمها باللغة التركية، للفنانة دنيا سمير غانم في مسلسلها الرمضاني (جت سليمة)، وأصبح أغلب متابعي تطبيق التيك توك الشهير يرددونها.

الاستفادة من الانتشار

اِستفاد الفنان التركي من هذا الانتشار، مما جعل بعض المخرجين العرب، يستعينون بنجوم أتراك في أعمالهم، وهذا ما قام به المخرج السوري الراحل حاتم علي ، في مسلسله (تحت الأرض) حين أسند بطولته لأمير كرارة والممثلة التركية سونغول أودان Songül öden المشهورة بـ (نور)، والتي تم اختيارها أيضاً في عمل سعودي، يحمل اسم (بيني وبينك)، وقبلها تم اختيار الممثل التركي كيفانتش تاتليتوغ Kıvanç Tatlıtuğ المشهور بـ (مهند) التركي مع المغنية اللبنانية، رولا سعد في كليب “ناويهاله”.

آفتها الدبلجة

لكل عمل ثغراته لا شك، فرغم كل نجاح حققته الدراما التركية، ومع أن الدبلجة ساهمت في انتشار الأعمال التركية بشكل كبير، خاصة بين الفئات التي لا تجيد قراءة الترجمة، لكنها في الوقت نفسه أحدثت خللاً كبيراً في السياق، حتى أن هناك أعمالاً تم تغيير اسم العمل لاسم آخر، فعلى سبيل المثال مسلسل (حريم السلطان) لخالد أرغنتشHalit Ergenç نجده في النسخة التركية غير المترجمة Muhteşem Yüzyıl وتعني القرن العظيم، هناك فجوة كبيرة بين اسم العمل في نسخته الأصلية، ونسخته المدبلجة، كذلك مسلسل (سنوات الضياع) لتوبا بويوكستون Tuba Büyüküstün سنجده في نسخته الأصلية يحمل اسم lhlamurlar وتعني تحت أشجار الزيزفون

هل هو تخطيط مقصود؟

سواء كنتَ تفضل الأعمال التركية أو لا، فنحن بحاجة للوقوف أمام الطفرة الدرامية، التي حققتها تركيا في سنواتها الأخيرة، من حيث الانتشار، وتأثيره ليس على المنطقة العربية وحسب، بل على الدول المجاورة أيضاً.

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه: هل جاء هذا النجاح والانتشار صدفة؟، أم أن ذلك مقصود، ومخطط له، لأسباب ربما تكون اقتصادية، أو اجتماعية، أو سياسية؟.

_____________

★ كاتبة ــ مصــر

 

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى