إذاعة وتليفزيون

بدر الأستاد: “ثلاثين حلقة “.. ماذا يحدث في دهاليز الفن والفنانين؟!

بدر الأستاد

ضمن دراما رمضان لهذا العام، عُرض للكاتب والمخرج “رمضان خسروه” عمله التلفزيوني (ثلاثين حلقة)، الذي حاول من خلاله أن يُقدِّم دراما مختلفة، يناقش فيها قضايا الفن والفنانين، بدلاً عن قضايا الإنسان اليومية؛ حيث كان أبطاله عبارة عن شخصيات فنية مثل: المنتج، والكاتب، ومدير الإنتاج، والممثل.
العمل بصورة عامة يجعلنا نتساءل؛ هل فعلاً المنتج الأجنبي، هو أحد أسباب انتشار الدراما الهابطة؟ وإذا كان كذلك فماذا عن الأعمال المحلية الهابطة، التي كتبها وألَّفَها أبناء البلد!؟ وهل الفن يعاني من أزمة نص حقيقية؟! وهل الممثل يحتاج الى مدرب؛ ليتطور، ويُقدِّم الأفضل..؟؟ ماذا لو تمت الاستعانة بالفنانين، الذين يتمتعون بشهرة عالية، ووصلوا لمرحلة “الترند”؟ هل سيساهم ذلك في تسليط الضوء على العمل، أم لا ؟! 


تساؤلات عديدة يُقدِّمها العمل، الذي يمكننا أن نصنفه ضمن الكوميديا السوداء، ضمن فكرة جريئة وجديدة على الساحة الفنية المحلية.


العمل تدور أحداثه حول المنتج عبدالجبار، الذي جَسَّد شخصيته الفنان المميز “سعد الفرج”، يقوم عبدالجبار، الدخيل على المجال الفني – كما وصفه العمل- بإنتاج أكثر من عملين في العام الواحد؛ ليغطي على أفعاله غير الأخلاقية (غسيل الأموال)، وبما أن المنتج هو الممول الأول للعمل، فبإمكانه أن يتحكم بمسار العمل، إما أن يقدِّم عملاً نافعاً ضمن إطار من المتعة، أو العكس، فيعيث في الارض فساداً..!!
وفي هذا العمل، اِختار المنتج مصالحه الشخصية على  حساب الأخلاق، مُجَسِّداً الصورة، التي باتت منتشرة في الوسط الفني؛ حيث نرى هذا النوع من المنتجين على أرض الواقع، ينتجون الأعمال الهابطة، ويستقطبون الفنانين بالأجور العالية.


أبرز القضايا


بجانب الفكرة الرئيسة، فإن العمل يطرح بعض الأفكار الجانبية، خاصة الموضوعات، التي لا يمكن للجمهور مشاهدتها على الشاشة، ولكنها تؤثر على مستوى العمل الفني، وتعكس واقعنا الحالي، الذي أدَّى لانحدار الدراما، على سبيل المثال؛ كيف أصبح “فنان الترند” ذا قيمة فنية، ويزداد أجره بناء على قيمة الترند، هذا بالإضافة لما يدور خلف الكواليس، خاصة حين يتم البدء بتصوير الأعمال ويتم الاستعانة بكاتب آخر؛ لِيُعَدِّل، أو يكمل النص الأصلي، مع احتفاظ الكاتب الأول بالشهرة والمجد، وهكذا بالنسبة للمخرج، الذي يعجز عن إنجاز العمل؛ لِيَحُلَّ محله أحد العاملين في اللوكيشن، كما ناقش المسلسل غيرة الفنانين الكبار من النجوم الشباب، أو الكومبارس!

أما أبرز ما يميِّز المسلسل، هو جرأة القضايا، التي يناقشها، أهمها قضية غسيل الأموال، التي تتم عن طريق الأعمال الفنية، وأثَرِ ذلك على الواقع الفني، عبر إنتاج مجموعة من المسلسلات، والمسرحيات الهابطة، لأهداف أخرى غير فنية على الإطلاق، كما يتعرَّض المسلسل لواقع مؤلم آخر، عبر مهرجان ينظمه أحد النقاد الذي يسعى لإرضاء  الفنانين، والمنتجين لمصلحة ما؟ وهذا ما شاهدناه مؤخراً، حين حصد أحد الأعمال التلفزيونية، مجموعة كبيرة من الجوائز، رغم كثرة الانتقادات، التي طالت العمل، وجميع الفنانين المشاركين فيه!

 

رمضان خسروه مؤلف ومخرج العمل


 أداء مميز، رغم بطء الإيقاع

 لعل أكثر ما يعيب المسلسل، بطء الإيقاع؛ حيث لم يبدأ التشويق إلا في الحلقة 17، حين تصاعدت الاحداث؛ لتصل إلى أبرز حدث، والمتمثل في (أزمة النص)، الذي يتصارع الجميع من أجله، والذي جاء بعنوان (ثلاثين حلقة) أيضاً!! مما يربك المتلقي! الذي اختلط عليه عنوان المسلسل، وعنوان المسلسل، الذي يقومون بتمثيله (تمثيل داخل التمثيل).


ورغم أن تصاعد الأحداث لم يستمر إلا لحلقات معدودة؛ حيث يعود العمل لهبوط الإيقاع مرة أخرى، إلا أن ذلك لم يؤثر على المستوى البصري والسمعي للمسلسل، خاصة أداء الممثلين؛ حيث الابتعاد التامُّ عن الميلودراما كما في مشهد بكاء “سعد الفرج”، حين علم بخبر موت ابنه على يد ابنه الآخر، فكان المشهد مؤثراً دون بكائية.
اِستمر الأداء الطبيعي في معظم مشاهد المسلسل، على سبيل المثال، المشاهد التي تجمع نونو مع عبدالجبار وهما يلعبان الجيكارو؛ حيث عمل الأداء الطبيعي على إقناعنا للحظة بأنها مشاهد ارتجالية، مما حقَّق شيئاً من الكوميديا. تميَّزت شخصية عبدالجبار أيضاً، بالابتعاد عن النمطية، كما اعتدنا في الأعمال الفنية؛ حيث الشخصية الشريرة تظهر بسلوكيات سيئة في جميع الأحوال، وهو أمر غير واقعي، وهذا ما طبَّقه عبدالجبار، الذي كان سيئاً وشريراً، لكنه حنوناً مع أبنائه، وإن قسا عليهم أحياناً.


هذا وإن كان العمل لا يخلو أحياناً من الشخصيات النمطية، خاصة الشخصيات الطيبة، التي تقوم بسلوكيات طفولية للتأكيد على طيبتها.
أما شخصية عبدالحميد، التي جَسَّدها “خالد أمين” وهو مدير الإنتاج، الذي يعمل حباً بالفن، ولكن تحت إشراف عبدالجبار، ويُعتبَرُ اليد الخفية ، التي تكون خلف الكواليس، تساعد الفنانين، وتَحُلُّ مشاكلهم، وتقود جميع تفاصيل العمل، ويعلم بما يحدث بالباطن، وقد أدَّى “أمين” دوره دون تكلف، وابتعد تماماً عن الميلودراما، تحديداً في مشهد موت غيدا “أميرة محمد”، ولكن حواره في مشهد المونولوج لم يكن واضحاً، بسبب سرعة الإلقاء، بسبب مشاعره المزدحمة.

أحلام حسن، أدَّت شخصية الممثلة  نغم، وفي الوقت ذاته كانت الزوجة، التي تعمل من أجل أن تساند زوجها المسجون، فكانت تقبل بجميع الأعمال، ولكن هذه الأعمال، كانت تنعكس على حياة ابنها ، فيقرر زوجها الانفصال عنها، وهنا تتحَوَّل حياتها، فتضع كل طاقتها فيما تحب وهو التمثيل، بينما أثَّرَت تلك الأعمال على ابنها، أبرز تلك المشاهد، كان مشهد المدرسة، حين علمت بتصرفاته العنيفة، كنتيجة مباشرة على ما صنعته يداها، لعل أبرز المشاهد الطبيعية، التي برز فيها أداء الفنانة أحلام، حين كانت تتلقى تدريباً من الفنان عبدالرحمن العقل، الذي يلعب دور الممثل، خاصة حين قدَّم لها بعض الملحوظات المتعلقة بأداء أحلام حسن في أعمالها كالصرخة، فأدَّت عبر (البروفة) بمستوى مميز، وغير متوقع، كما أعجبني تصالحها مع ذاتها، حين ظهرت في أحد المشاهد دون مكياج، مقدمة درساً تمثيلياً لفنانات الجيل الجديد.

من تابع المسلسل، أدرك مباشرة أن الشخصيات النمطية، تمثلت في الشخصية، التي أدَّتها (حصة النبهان)، شخصية الفتاة الكومبارس، التي تطمح للوصول الى النجومية، فتَدَّعِي البراءة؛ لتصل وتتمكن من تحقيق هدفها، وكذلك الشخصية، التي أدَّاها خليل الرمثي (الذي أدَّى دور الكاتب)!

في النهاية، جميل أن يقوم صُنَّاع العمل الفني، بمناقشة قضاياهم المتعلقة بمشاكل الدراما وأثرها، والخلافات، التي تدور في هذا الوسط، ولكن عن طريق الدراما ذاتها، وليس عن طريق إثارة الجدل، والبحث عن عدد المشاهدات في السوشيال الميديا، وهذا ما قام به مسلسل (ثلاثين حلقة).


★ناقد ـ الكويت.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى