إذاعة وتليفزيون

نهى إبراهيم: “ليالي الحلمية “…متى نجد عملا ًجديداً يضاهيه؟!

 

نهى إبراهيم

  لطالما الدراما، تُعَبِّر عن الواقع، وتلمسه بشكل قريب جداً، كان صُنَّاع الدراما، يتفانون بإثبات الواقع بصورة متلفزة، ينقلونها كما هي، سواء كانت بالحارة ، أوالقرية، أو حتى بالمدينة .

دائماً كان الإخراج له دور ملحوظ بإظهار تلك الصورة بشكل بسيط، والتجارب كثيرة بهذا المجال، فمثلاً كان هناك المخرج الكبير”جمال عبد الحميد”، وهو يخرج لنا واحدة من روائع الدراما “أرابيسك” أيام حسن النعماني، ويزيد بالإجادة، عندما يصفها كاتبها بأنها نوع من الكوميديا الشعبية ، دور الكاتب كان لا يقل عن المخرج، الذي ينصاع له كل صُنَّاع العمل بمن فيهم البطل ،هل تتذكرون حسن أرابيسك، أو “صلاح السعدني” بصورة “حسن النعماني”، كيف اختلطت عنده المفاهيم، وكيف كانت له قضية كبرى، يسعى لتحقيقها، كيف أخرجه العمل كرجل أربعيني، بِحارة شعبية، لم تصل شخصية لهذا الحد من الإبداع، مثلما كان “حسن النعماني” مروراً بأسرته الصغيرة؛ حتى كل جيرانه.

هل تتذكرون “مجدي أبو عميرة”، وهو يرسم الصورة الفارقة بين الحق والباطل، بالعمل الدرامي الأشهر “المال والبنون”، كيف كان التصوير يتم بإحدى حارات القاهرة، وكيف ينتقل إلى أحد القصور الفخمة، كيف كانت الملابس بسيطة، بإيصال الفكرة، التي يسعى العمل لها، كيف كانت وجوه الفنانين طبيعية حقيقية ككل البشروقتها، غيرها وغيرها كثير من الأعمال، التي بصمت تاريخاً لا يستطيع أحد أن يمحيه .

وعندما نتحدث عن الواقعية، لن نجد أكثر من اسم “إسماعيل عبد الحافظ” فى رصدها، لقد رسم الحلمية بلياليها، وجَسَّدَ شخوصها، في وقت لم يكن التجسيد سهلاً كما هو الآن، كان يجيد التنقل بين القرى والنجوع، يبحث فيما وراء القلوب، ويَسْتَشِفُّ المعلومات من ثنايا قلوبهم، بطريقة تمثل مختلف شرائح المجتمع، وبالأخص فلاحوها؛ حيث أبدع فى رسم صورتهم، وتحليل مشكلاتهم؛ حتى ساهم بأكثر من عمل في حفظ الصورة التاريخية لهم على مدار سنوات .

مع تعاقب السنوات، وتوالي الأعوام، اِختلفت وجهة الأعمال الدرامية؛ حتى صار بطل العمل، هو الركيزة الأساسية، ثم يكون بعدها كل صُنَّاع العمل الفني.
اِفتقدت الدراما لقوتها فى تجسيد العاطفة لاختلاف الرؤى عن ذي قبل، وكذا تفاوت القوى بين صُنَّاع الدراما …صار المخرج مؤلفاً يعبث بين الأحرف مخرجاً سطوراً غير متوازنة، يضبط الخلطة جيداً، ثم لا يحسب سوى لنسبة المشاهدة العالية، التي لاتنم بالمناسبة على جودته، أو عدمها .
لكن، وبظل تلك الهوة الكبرى من الفساد، وضعف الثقافة، الذي تملك الكثيرين من صُنَّاع الدراما، خلال السنوات الفائتة طفا على السطح مجموعة من الشباب، الذين تقلدوا كثيراً من المراتب، كممثلين ، ومؤلفين ، وحتى كُتَّاب، كانت لهم تجارب بسيطة من قبل، ثم توالت أعمالهم، وهم يثبتون أن الخير دائماً بالدم الجديد، الذي يتدفق من خلالهم، فكانت تجربة “أولاد الشمس” لأحمد مالك ، وطه الدسوقي، بالإضافة للنجم الكبير “محمود حميدة”، العمل من تأليف الكاتب “مهاب طارق”، وإخراج المخرج “شادي عبد السلام”، نجح العمل بتسليط الضوء على دُور الأيتام ومشاكلها، وكيف يواجه الأولاد بها مصائرهم، ومشاعرهم نحو الأمان، وافتقارهم المُلِحّ له .
من وجهة نظري، نجح الاسم بإضافة بريق لذلك العمل؛ لذا أحيي صُنَّاع هذا العمل، وأتمنى كثيراً من التوفيق لأبطاله فيما بعد .
سارت دراما رمضان العام السابق، على سطر ثم سطر؛ حتى ظهرت تجربة “لام شمسية” التي ضمت مجموعة من النجوم: أحمد السعدني ، أمينة خليل ، محمد شاهين ، يسرا اللوزي، صفاء الطوخي، والطفل الفنان “علي البيلي” ، المسلسل من تأليف “مريم نعوم” ، وإخراج المتألق “كريم الشناوي” الذي أثلج صدورنا بتجربته الجديدة، التى تكمل مسار ما بدأ منذ سنوات من أعمال ناجحة، تحمل مغزًى نفسياً كبيراً ، سلَّط العمل الضوء على ظاهرة التحرش بالأطفال، ووقع الصدمة على الطفل، والأعراض، التي تصاحب هذا الأمر، في حين تتباين ردود أفعال الوالدين، ومحيط الأسرة من حولهم.


اِستطاع العمل النجاح، بإظهار المشكلة ، والأسباب، وكذلك العلاج المناسب، بطريقة كانت شديدة التألق من ممثليها ، تألق الصغير بشرح ما حدث له، فى حين برع بقية الممثلين فى اكتمال تلك الصورة الرائعة للعمل الفني. ..
بالنهاية، مثلما كانت مصر دائماً خير منتج لكثير من عباقرة التأليف والإخراج، هي الآن بحاجة إلى هؤلاء ممن يحملون الثقافة والإدراك الجيد؛ لكي يكملوا الصورة الكبيرة، التي خَطَّها أجدادهم من قبل، حينما جَسَّدوا تاريخ بلدهم عاماً وراء عامٍ من خلال أعمالهم ، حملوا الأعباء على ظهورهم؛ كي ينقلوا الصورة، ويبحثوا بالمشاكل، ويضعوا الحلول ، الخير دائماً بها، ولن ينقطع أبداً منها، طالما استخدمنا العلم ، والعقل، وكذلك المنطق.


★كاتبة ـ مصر.

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى