سينمامشاركات شبابية

آية سيد: لماذا يغلب الرقص والاستعراض على السينما الهندية؟!

آية سيد سعد الدين★

اِحتل الرقص الهندي مكانة عالية عند الشعب الهندي، وذلك لارتباطه بالطقوس الدينية، لكنه لم يُسجن داخل المعابد، بل خرج إلى الساحات في الحفلات والمناسبات، ولم يكتف بذلك، بل دخل إلى الأفلام الهندية، التي تميزت حتى يومنا هذا بالرقص الهندي، ذي الأساليب والحركات المختلفة والمتنوعة، ويعتبر جمال الحركة والإيقاع في الرقص والموسيقى الهندية، بمثابة تكريم للآلهة، التي من أجلها يحرص الفن الهندي على تقديم إبداع في أقصى درجات الكمال.

على الرغم من أن الرقص الهندي، بدأ دينياً داخل المعابد الهندوسية، إلا أن العالم تعرَّف على الرقص الهندي، من خلال الأفلام الهندية، أو ما يُعرف بأفلام بوليوود، فالرقصات الهندية لا تغيب عن السينما الهندية، وإن حفلت ببعض اللمسات الغربية، فما يراه المشاهد في أفلام بوليوود من الرقصات الهندية، ليست بالضرورة هي الرقصات المتجذرة من الثقافات الهندية.

 قديماً كان يتم توجيه نقد للسينما الهندية، لعدم ارتباط أغاني ورقصات الفيلم بمضمونه، فأحداث الفيلم تدور في مكان وزمان معين، والبطل والبطلة يرقصان في بيئة مختلفة تماماً، ولكن ظهور موجة التطور في بداية التسعينيات، حملت الكثير من التغيير خاصة في الدمج بين استعراضات الفيلم، والحبكة الفنية والدرامية، بحيث أصبحت الاستعراضات بمثابة أفلام قصيرة داخل الفيلم.

 وحين نتناول مثلاً أغنية Azeem O Shaan Shahenshah بفيلم Jodhaa Akbar  من بطولة هيريتيك روشان وإيشواريا راي، نشاهد تقديم الكثير من الطقوس الاحتفالية الهندية، والرقصات المغولية فيها، فيظهر عدد كبير من الراقصين في فناء قصر الملك، لتقديم رقصات هندية متناسقة، تُشعر المشاهد بأنه أمام مشهد خاص بالاحتفالات الوطنية الكبرى، وقد تميزت الرقصات بالكثير من الألوان المبهجة، التي يرتديها المؤدون، كما أن شعور الفرح يسيطر على المشهد، كأغلب احتفالات الأفلام الهندية،  ولا ينفصل مشهد عن أحداث وحبكة الفيلم، حتى إن كان الاستعراض يتخلله بعض الحوارات القصيرة، فقد أصبحت السينما الهندية مؤخراً، تقوم بدمج الأغاني والرقصات مع سير أحداث الفيلم.

يحتوي فيلم Jodhaa Akbar على أنواع متعددة من الاستعراضات، من أهمها، هذا الاستعراض الذي يجمع بين البطل والبطلة، فهو استعراض رومانسي، يبرز مشاعر كل واحد منهما، كما أن هذا الاستعراض يظهر ملامح وعناصر الفترة الزمنية، التي ينتمي إليها الفيلم، وذلك يظهر من خلال ملابس الثنائي خاصة ملابس البطلة فترتدي الملابس النسائية الهندية بشكلها التقليدي، أو ما يطلق عليه الساري الهندي.

كما أن الاستعراض يتميز بالهدوء، فيتحرك كل واحد منهما في حركات ساكنة هادئة، كي يتناسب مع الشخصيات التاريخية التي يؤديها الممثلون.

الفيلم يحتوي على ثلاث أنواع من الاستعراضات، أحدها  يتناول أشكال الاحتفالات الهندوسية والطقوس الهندية العتيقة، واستعراض يبرز العلاقة الرومانسية بين أبطال الفيلم، واستعراض قصير مرتبط بالديانة الإسلامية، وهو استعراض زفاف الملك جلال الدين، الذي يمكن اعتباره بمثابة حضرة إسلامية، ويظهر ذلك من خلال ملابس مؤدي الاستعراض، كل استعراض في هذا الفيلم  يخدم الحبكة الفنية والدرامية، وتم اختيار موضعه  بعناية بحيث لا يتم الفصل بينهما، وبين أحداث الفيلم.

والمتابع للسينما الهندية، يلاحظ إصرارها على عرض تاريخ الهند وتجسيده من خلال أفلامها، وتقديمه بشكل درامي، وإدخال الرقصات التقليدية، التي تميزت بها الهند والديانة الهندوسية، خلال هذه الأفلام، كما أن بوليوود  تميزت أيضاً بالأفلام الشبابية، ذات الرقصات الهندية التقليدية والمبتكرة، ويمكن ملاحظة ذلك  من خلال فيلم Jab we Met  بطولة (كارينا كابور)، و(شاهد كابور)، الذي عُرض عام 2007، ويصنف الفيلم بأنه رومانسي كوميدي شبابي، يوجد به العديد من الرقصات والاستعراضات، التي تتميز بالحركة والبهجة.

فعلى سبيل المثال استعراض Nagada Nagada، مليء بالبهجة والسرور والحركة، لإظهار حالة الأبطال كشباب في بداية حياتهم، فبعد ما كان البطل (أديتيا) يعاني من اكتئاب، وبدخول البطلة (جيت) في حياته ومحاولتها إضفاء الفرح والسرور على حياته، ليظهر البطل في هذا الاستعراض بشخصية أكثر بهجة عن شخصيته في بداية الفيلم، تظهر البهجة أيضاً من خلال ملابس الممثلين والمؤدين خلال هذا الاستعراض ، الذي تسيطر عليه الألوان الفاتحة.

 لا يختلف هذا الاستعراض عن باقي الاستعراضات داخل الفيلم، فجميع الاستعراضات، تبرز حركة الأبطال، وخفتهم، ومحاولة كل واحد منهما تغيير حياة الآخر للأفضل، الاستعراضات هنا تخدم الحبكة الفنية، ولكن كان من الممكن الاستغناء عن بعضها، بحيث لا يحشد الفيلم بهذا الكم الكبير من الاستعراضات.

  ومن خلال المقارنة ما بين الفيلمين، نجد أن  فيلم Jodhaa Akbar يحتوي على استعراضات ورقصات هندية تقليدية، تتميز بحركات هادئة ذات إيقاعات موسيقية بطيئة، وذلك لكي يتناسب مع الفترة الزمنية، التي يتناولها الفيلم، على عكس فيلم Jab we Met والذي يحتوي على رقصات شبابية، ذات حركات سريعة وإيقاعات موسيقية سريعة، تتناسب مع الفئة العمرية، والفترة الزمنية، التي قدم فيها الفيلم.

وتظل السينما الهندية وأفلامها نموذجاً فريداً مختلفاً عن بقية أفلام العالم الأخرى، ويكفي أنها حافظت على نمط معين، يربطها بتاريخها وإرثها الحضاري العظيم، ومع ذلك فهي  تحاول أن تواكب العصر بحداثته، مع الحفاظ على نمطها الخاص الذي عُرفت به.

ــــــــــــــــــــــــــــ

★ باحثة ماجستيــر ــ مصــر

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى