تشكيل

أسماء الدعاس: لينين يوسف.. وغربة الروح

أسماء الدعاس★

اِستوقفتني صدفة لوحة فنية معاكسة لأجواء العيد، التي عشناها قبل أيام قليلة.. لوحة مثقلة بالوحدة والكآبة والمعاناة.

لوحة مؤثرة ومعبَّرة في مضمونها، للفنان السوري المبدع لينين يوسف، الذي تشرفت بمعرفته من خلال حساب الاتحاد الدولي للفنانين التشكيليين. لوحة بسيطة تنتمي للمدرسة الواقعية، التي تعالج الواقع برسم أشكال، أو عناصر واقعية، لتسلط الضوء على واقع الفنان، أو روتين حياته، وقد يبالغ في اختيار وتحديد العناصر التي يريد رسمها من الواقع، وهي بالأساس من وحي خياله، قد تكون نتيجة حالة نفسية واضطراباً وقلقاً، عكَّر مزاج الفنان، مما جعله لا يشعر بطعم النِّعَمِ حوله، ويصغي لعقله الباطن، فكانت هذه العناصر، التي في اللوحة بأبعادها النفسية.

تأملتها جيداً، فوجدت هناك ثلاثة عناصر أساسية في منتصف اللوحة، قرص خبز مثني، ومقلاة بها بيضتان، وطاولة خشبية، وخلفية بلون رمادي غامق، هذا كل شيء

ورغم أن عناصر اللوحة وخطوطها، وألوانها بسيطة، إلا أنها قصة عميقة في مضمونها ومعناها وأبعادها، قد يتأثر بها المرء حينما يتأملها بعمق، فالفنان يعبِّر فيها عن حالة نفسية صعبة قاسية يعيشها! وتعكس اللوحة الوحدةَ، والغربة، وضنك العيش، فهناك قرص خبز واحد، وهذا دليل الوحدة، لأنه لا يوجد من يشاركه طاولة الطعام!

الفنان التشكيلي لينين يوسف لينين

ودليل آخر يؤكد الإحساس بالوحدة، أو الغربة والبعد عن الوطن، هو أن المكان يخلو من أي قطعة أثاث، فلا كراسي للطاولة، ولا قطع ديكور، أو إطاراً لصورة فوتوغرافية للعائلة، تدل على علامات الاستقرار في الوطن.

كما لا توجد أي إشارة، توحي بمن يأكل الطعام، فقرص الخبز كما ترون، لم يقضم منه شيء، والبيض المقلي لم يُمَسّ! .. وهذا يعني أنه لا توجد شهية للطعام، وهناك من يتأمل ما يطبخ، ويطيل النظر في التفكير، لشدة همه، ووحدته، فلو رسم الفنان قضمه من الخبز أو رسم الأكل ناقصاً منه شيء، لكان يدل على تأقلمه مع الحياة الصعبة، والمضي في سعيه، وتحقيق ما يريد مع ضيق الحال.

 اما الطاولة الخشبية، فهي تقليدية جداً، وبسيطة تخلو من وجود مفرش، وهذه إشارات تؤكد ما سبق.

 اللوحة عمل إنساني مؤثر وجميل، يؤكد على الغربة بمسمياتها.. قد تكون غربة داخل الوطن، أو خارجه، أو غربة الأهل، وأصعبها غربة الروح! بكل الأحوال يفتقد الفنان للدفء العائلي ومن خلال هذه العناصر، نستشف أن من يعيش بالغرفة رجلاً! فالمرأة مهمها اشتد بها الفقر والغربة، لابد أن يكون لها لمسات أنثوية رقيقة، تدل على وجود امرأة في المكان.

والخلفية الرمادية، دليل واضح يدعم ويؤكد ما ذكرناه من سلبيات، بل نستشف منها ضبابية المستقبل، والحيرةَ وحياة ثابتة بلا تغيير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

 ★ كاتبة ــ الكويــت

مقالات متعلقة

زر الذهاب إلى الأعلى